قصة من حلب عن فتاة ولدت في السجن وعاشت فيه
فاروج الأرمني كان كأخي الأكبر، طالما فتح عيني على ثقافات العالم وهو الذي لم يغادر حلب يوما بقي في المدينة حتى حي غادرها اهلها خلال ظروفها الصعبة.. وهو الأرمني الاصل الذي احب هذا البلد حتى الجنون .. وحتى السجن.
في العام ١٩٨٦، كان له ست سنوات محتجزا في سجن حلب، وحدث ان التقيت اخته “سيلفي” في بيت احدى العائلات الصديقة، ابتسمنا لبعضنا ثم سألتها بعد تردد:
ـ. كيف حال فاروج
ـ الأن احسن، في البداية لم نكن نعرف اين هو او اذا كان حياً. الآن نزوره كل اول خميس من الشهر.
ـ و هل هو بخير؟، احسست بغباء سؤالي قبل ان اكمله
ـ منذ فترة اقلقني كثيراً، كنت اسأله ماذا يريد ان احضر له في الزيارة القادمة، فاجاب: احضري لي بطة.
ـ بطة؟
ـ نعم،كان يقصد بطة بلاستيك، اعني دمية.. اتعرف بما فكرت حينها؟
بالتأكيد “سيلفي” فكرت بما فكرت انا عند سماعي للقصة، لا بد ان “فاروج” فقد عقله بسبب التعذيب.. لكن سيلفي استأنفت قائلة:
ـ نشكر الله، لقد اخبرني في المرة الثانية، حين احضرت البطة، انها لم تكن له.
ـ لمن كانت البطة اذن؟
ـ لفاطمة
ـ من هي فاطمة؟
نظرت الي سيلفي باستغراب وكأنه من المفروض بي ان اعرف فاطمة، ثم قالت:
ـ فاطمة هي ابنة احد “الإخوان” الذين قتلوا في أحداث حلب، تم اعتقال زوجته وهي حامل فأنجبت في الاعتقال “بنتاً تعيش في السجن مع والدتها. ولأنها صغيرة يتركها الحراس تتجول بين الزنزانات، فتأتي غالبا عند “فاروج لانه يحكي لها القصص. في احدى القصص كانت هناك بطة. سألت فاطمة: “شو يعني بطة؟” يبدو ان فاروج لم ينجح في وصف البطة لفاطمة فطلب مني ان اجلب لها دمية بشكل البطة.
اخذت سيلفي تسألني عن احوالي وكنت اجيب بأقتضاب.. كنت افكر في كل الدمى التي يتوجب احضارها ليصف لها العالم و هي لم ترَ النور يوما.
واذا كانت ستستطيع يوما ان تستبدل العابها بأشياء عالمنا
..