ليست الفتوى التي أطلقها أحد المشايخ المصريين بحق الدكتور البرادعي في خارج السياق، بل إنها في السياق الذي ارتضت بعض الجماعات الإسلامية أن تكونه في الصراع ضد الأنظمة الاستبدادية، ومعها ضد متنوري شعوبها. فعندما ينطلق بعض الذين ينطقون باسم الدين من حرفية نصوص لا يفقهون بُعدها أو ما بعدها، لا يبقى لديهم سوى التكفير، في غياب التفكير. وهنا سيخرجون للقتال، بطريقتهم المفضلة، خبط عشواء، كونهم شجعان إلى حد التهور، بما يحلمون به كمراهقين، بلغوا سن الحلم، ولكنهم لم يبلغوا سن الرشد.
وتقاتل جماعات الإسلام السياسي الحاكم المستبد وتكفِّره، قبل أن تتوب إليه في سرها، بينما تطلق الفتاوى المميتة بحق أعدائه/أعدائها. وقد أبصرت في لحظة عابرة، ما يبصره المستبدون دوماً، ذلك القاع الذي يختمر فيه الجهل والفقر والقهر واليأس والكبت، من حيث يحصلون على المدد، هو وهم. ومن هذا القاع ينطلقون إلى أهدافهم، فرادى وجماعات.
وهي تقاتل أعداءه نيابة عنه, عندما تكتشف فيه وجهها الآخر، فلا تضنُّ عليه بالفتاوى التي تحميه، كوليّ أمر يجب أن يُطاع، من أولئك الذين يدعون إلى ولاة أمر بالمفهوم العصري للكلمة؛ يأتون بإرادة من الشعب عن طريق صندوق الانتخابات، ليرحلوا عن طريقه أيضاً، بذكرى طيبة أو بدونها، دون أن يُنحروا، فيتفرغون لكتابة مذكراتهم.
ويتموضع البرادعي الآن في نقطة التقاطع التي تجمع الإخوة الأعداء: الأنظمة الاستبدادية والجماعات التكفيرية، فأصابه شيء من طيشها، كما أصيب غيره من قبله، وكما سيصاب غيره من بعده و… كلنا، طالما بقي التكفير حجاب التفكير.
في هذه اللحظة يصل التواطؤ إلى ذروته، فما لا يمكن للاستبداد أن يفعله، يحيله إلى ممثلي هذه الجماعات. هذه هي اللعبة الدموية التي يكتوي بنارها كل من يحاول أن يكون وسيطاً بين أهله والعالم، فيحمل إليهم مشعل النور، ليس في مصر فقط، بل وفي جميع أرجائنا.
وحين يقاتل التكفيريون الأعداء، فإنهم يطبقون على الأوطان، وفي أوجهم يسقطون في الخراب الذي أبدعوه، ويتشبثون به، حتى لا يبقى لضحاياهم سوى الاستنجاد بأعدائهم/أعدائنا!
وحين أخرجوا الدين من عقولهم، صار لعبة في أيديهم، وصاروا معه لعبة في أيدي الغير، الذين يخيفون بهم وبه كلَّ متنور حر.
يتناقل الناس في منطقتنا تصنيفَ شيخٍ جليلٍ خيِّر لمشايخ عصره، وقد وضعهم في ثلاث درجات: الشيخ والشويِّخ والشيخ وشت! ومات شيخنا هذا في الطريق، بينما كان يحمل حفنة من القمح إلى عائلة معدمة، ولم ينسَ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، أن يوصي من جاء إليه بإيصال القمح إلى مستحقيه.
وقال أحدهم ما مفاده أن أشراراً كثراً يبدون كخيِّرين تحت عباءة الدين.
mshahhoud@yahoo.com
* كاتب سوري