بعد عامين من اندلاع الثورة كحركة احتجاجية، تحولت الانتفاضة إلى تمرد عسكري متكامل الأركان؛ فكتائب الثوار السنة العرب تقاتل النظام العلوي فيما تُظهر الفصائل الكردية عداوة لكليهما. وفي ضوء غياب حل سياسي واضح والاستخدام الذي تحدثت عنه التقارير للمواد الكيميائية وانتشار العنف المتزايد إلى الدول المجاورة ومنها، والاعتقاد المتنامي بأن سوريا ربما تصبح دولة فاشلة فعلياً، يجب على واشنطن أن تلعب دوراً قيادياً من خلال التعامل الحاسم مع المرض — أي البطش الوحشي لنظام الأسد ضد مواطنيه — وليس مع الأعراض الإنسانية فقط.
انهيار الأوضاع في سوريا
إن الأخبار القادمة من سوريا قاتمة أكثر من أي وقت مضى، حيث قُتل ما يزيد عن 70,000 شخص وفُقد أو سُجن أكثر من 130,000 آخرين. ولا يزال جُل الصراع داخلياً: فبشار الأسد يحاول استخدام القصف والتفجير والصواريخ، وربما الغاز لإخضاع الشعب. غير أنه على عكس انتفاضة 1979-1982، فإن ديموغرافية سوريا حالياً تعمل ضد النظام: فخلال فترة العشر سنوات التي أعقبت مجزرة حماة في شباط/فبراير 1982، ظل السوريون بصفة أساسية في المنازل ينجبون الأطفال، مما جعلهم من بين شعوب العالم العشرين الأكثر نمواً وتكاثراً على ظهر البسيطة. ويشكل من ولدوا خلال تلك الفترة غالبية القوات التي تقاتل النظام حالياً.
وعلاوة على ذلك، وفي ظل غياب الدعم الغربي المؤثر، هب السلفيون والمتطرفون الإسلاميون الآخرون من الخليج الفارسي وشمال أفريقيا والدول المجاورة لنصرة المعارضة، مما جعل المزيد من السوريين يقفون بجانب قضيتهم. ونتيجة لذلك، لم يتمكن الثوار سوى إنهاك النظام، دون القضاء عليه، في حرب تأخذ طابعاً طائفياً بصفة متزايدة مما يعكس تركيبة الشعب السوري، وهو ما أدى إلى تدمير البلاد وخلق ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة من السنة والشيعة، وربما يستمر هذا الوضع لسنوات قادمة. ولا يلوح في الأفق أي حل سياسي، لا سيما في ضوء الاختلافات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن وسائل “الانتقال”. وحتى لو اتفقتا موسكو وواشنطن على كيفية الحل، فإن روسيا لا تستطيع التأثير على النظام، كما أن الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير على المعارضة بالكامل. وباختصار، لا يبدو أن هناك ما يستطيع منع الانهيار الكلي لسوريا خلال الأشهر القادمة.
انتشار العنف من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل
من بين الأسباب التي تحول دون القدرة على احتواء هذا الصراع هو آثاره التي وصلت إلى الحدود السورية في كلا الاتجاهين. ومن بين الآثار الأكثر إثارة للقلق:
نقل الأسلحة الاستراتيجية وفقدان السيطرة. يمتلك نظام الأسد بحسب ما يتردد المخزون الأكبر في المنطقة من الأسلحة الكيميائية، وربما استخدم بعضها خلال الأسبوع الثالث من آذار/مارس الحالي. وتتوزع هذه الأسلحة وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية (على سبيل المثال، صواريخ سكود وغيرها من صواريخ أرض- أرض) عبر عشرات المواقع، والنظام عاجز عن إبعادها عن أيدي خصومه. وقد أثار هذا مخاوف من أن يحاول الأسد نقل أسلحة متقدمة إلى حلفائه من «حزب الله» في لبنان؛ والواقع أن إسرائيل هاجمت قافلة تابعة للنظام بالقرب من دمشق الشهر الماضي بسبب ما تردد عن أنها تحاول نقل مثل تلك الأسلحة.
ومع ذلك، ففي ضوء الخسائر الأخيرة في الأرض، فقد يفقد النظام السيطرة على مخزونه قبل أن يتمكن من نقله أو تدميره. وفي هذا السيناريو، قد يحصل المتطرفون على عدد غير محدد من الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة الاستراتيجية الأخرى، سواء لاستخدامها ضد قوات النظام أو نقلها إلى المقاتلين في مرتفعات الجولان، أو نقلها إلى دول مجاورة لاستخدامها في العمليات الجهادية العالمية.
أزمة اللاجئين. سجلت الأمم المتحدة أكثر من 1.1 مليون لاجئ في الدول المجاورة لسوريا، لكن هذا الرقم يبدأ فقط بالإخبار عن بعض ما يحدث على أرض الواقع. فهناك تقديرات فردية تشير إلى أن الرقم أعلى بكثير، كما أن ملايين المشردين المنهكين بدون مساعدات داخل سوريا قد يعبرون الحدود قريباً في حالة انسحاب المزيد من قوات النظام للدفاع عن دمشق. وفي منطقة حوران، على سبيل المثال، يبلغ متوسط عدد اللاجئين الذين يعبرون الحدود 3000 يومياً، والشيء الوحيد الذي يمنع هذا الرقم من الزيادة هو وجود دوريات نظامية وغير نظامية تابعة للنظام تطلق النار على من يحاول العبور.
وفي غضون ذلك، ردت قوات الحدود الأردنية بإطلاق النيران في بعض الأحيان مما أدى إلى وفاة عدد من الناس. ولو انسحب المزيد من قوات النظام، فإن عدد من يعبرون الحدود إلى المملكة — وفقاً لما تشير وكالات المعونة — قد يبلغ نحو 15,000-20,000 لاجئ يومياً. وحتى في المعدل الحالي، سيكون هناك ما يصل إلى 770,000 لاجئ سوري في الأردن بحلول حزيران/يونيو.
انتشار الإرهاب. بالإضافة إلى القضايا الإنسانية، يصحب اللاجئون معهم العديد من المشاكل السياسية التي تحرق المجتمعات السورية حالياً، أبرزها صعود الأيديولوجيات المتطرفة من الخليج وشمال أفريقيا. وقد يؤدي هذا إلى زعزعة استقرار المنطقة لا سيما شمال الأردن، ومحافظتا هاتاي وكيليس التركيتان، وأجزاء من لبنان بسبب كثرة أعداد اللاجئين. ومما يعرض الهيكل الأمني للمنطقة للخطر، وخصوصاً حول إسرائيل، هو أن الجماعات المتطرفة تريد فقط انهيار مناطق محددة من الدولة، وليس البلاد بأكملها. ويمكن بعد ذلك استغلال تلك المناطق من أجل الإعداد لشن هجمات ضد إسرائيل، وكملاذ لعمليات داخل سوريا، سواء قبل سقوط الأسد أو بعده.
القتال الحدودي بين السنة والشيعة. في منطقة البقاع الشمالية بلبنان، يعمل مقاتلو «حزب الله» الشيعة بشكل علني عبر الحدود ضد جماعات السنة السورية التي تقاتل نظام الأسد جنوب القصير. ويشمل ذلك استهداف مواقع الثوار مع إطلاق الصواريخ من لبنان. غير أن سكان قرية عرسال اللبنانية السنية المجاورة يساعدون الثوار السوريين على مقاومة عمليات «حزب الله» هذه، مما يتسبب في توتر كبير في الداخل؛ على سبيل المثال، قتل مؤخراً جنديين على الأقل من جنود الجيش اللبناني بعد أن قتل زملاؤهما مؤيد لـ “الجيش السوري الحر” خالد حميد.
وينشأ مع مثل تلك المصادمات خطر السيطرة على منطقة الشيعة والسنة المختلطة الواقعة غرب مدينة حمص السورية وجنوبها، حيث سيلزم أن تكون دويلة الأسد الرديفة مجاورة لوادي البقاع الخاضع لسيطرة «حزب الله» في لبنان. وقد أشعل القتال التوترات جراء قيام النظام السوري اليومي بقذف المناطق الحدودية اللبنانية على طول وادي نهر الكبر، مما أدى إلى نشوب نزاع طائفي كبير من وادي خالد غرباً باتجاه منطقة عكار وطرابلس. وقد تؤدي مثل تلك الأعمال إلى اندلاع نزاع طائفي كبير بين السنة والشيعة في لبنان يترتب معه وقوف كل راعي إقليمي بجانب الطرف الذي يؤيده.
العمل من أدنى المستويات إلى أعلاها
إن التقارير التي ترددت في الاسبوع الثالث من آذار/مارس الحالي بشأن استخدام النظام المحتمل للأسلحة الكيميائية في سوريا يشير إلى أن التدخل العسكري المباشر ضد نظام الأسد أصبح الآن أمراً محتملاً. بيد أن ذلك الإجراء وحده لن يغير مسار الدولة الكلي نحو الانحلال. والطريق الأمثل لكي تحول الولايات المتحدة دون حدوث هذا الانهيار واحتواء الأزمة في النهاية هو من خلال قيادة ائتلاف ينهي نظام الأسد كلية، أي من أدنى المستويات إلى أعلاها وليس مجرد التعامل مع أعراض النزاع. فالأسد لم “يتنحى” ولن يتم إنشاء نظام “سلمي وديمقراطي وعلماني” في سوريا في أي وقت قريب. لقد أصبحت سوريا اليوم أكثر عنفاً من العراق التي كانت فيه للولايات المتحدة آلاف القوات والأصول الأمريكية للمساعدة على تشكيل النتيجة. إن التعاطي ببساطة مع تحالف المعارضة في المنفى والاعتماد على قطر أو المملكة العربية السعودية لتسليح المتمردين عبر “المجلس العسكري الأعلى” ليس كافياً.
ولا يستطيع السوريون، كجميع الناس، اتباع ما لا يفهمونه؛ لذلك سيتطلب الأمر أكثر من قيام الاستخبارات الأمريكية بتصنيف الجماعات المسلحة بغية تشكيل نتيجة لما بعد الأسد تتوافق مع المصالح الأمريكية. والطريق الأمثل لكي تؤثر واشنطن على تكوين الثوار المسلحين وعقليتهم هو من خلال الاشتراك المباشر مع الوحدات المصنفة على الأرض. ويشمل ذلك تشجيع اندماجهم في “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية” أو منظمة لاحقة تستطيع أن تتبجح بقدر أكبر من التمثيل للجماعات داخل البلاد.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف كتاب “في عرين الأسد: رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا.”