الدين يستغرق جزءا كبيرا من حياتنا نحن المسلمين. نحن بحالة استنفار ديني دائم، ولهذا لسنا بحاجة للمزيد من التحريض» (الكاتب السعودي ابراهيم البليهي)
نحن شعوب مسلمة، نقوم صباحا على «الله أكبر» وننام مساء على «الحمد لله». بينهما نصلي، نصوم، نحج، نزكي، نتصدق، نقرأ القرآن، نفعل الخير، نمد يد العون، ونحاول فعل ما أمرنا الله به.
لكن يبدو أن كل هذا لا يكفي بالنسبة للبعض، فلا بد للدين في نظرهم أن يزج في كل منحى من مناحي حياتنا، في طعامنا وشرابنا، في قيامنا وقعودنا، في حلنا وترحالنا، عند سائقي التاكسي وبائعي العصير، في المستحضرات التجميلية، في الحدائق الزراعية، في الانتخابات البرلمانية وحتى الإضرابات العمالية.
إقحام الدين في هذه الأمور من قبل البعض، ليس حبا في الدين نفسه، بل حبا في ما يضفيه الدين على أعمالهم وأغراضهم من هيبة وقدسية مزيفة للوصول لأغراض سلطوية، مادية أو نفعية. نعم، الدين يصلح لكل زمان ومكان.. ونعم، الدين باق ما بقيت الإنسانية، لكن الدين لا يستطيع أن يجيب على كل أمر من أمور الدنيا، فهو لا يستطيع اختراع علاج للأمراض والأوبئة، ولا يستطيع الإجابة على المعادلات الحسابية، ولا يمكنه حل المشاكل الاقتصادية، ولا يمكنه أن يبني دولا، ولا حل الأزمات السياسية. فالدين علاقة روحانية بين الإنسان وربه، أما أمور دنياه فعليه أن يعقل ويفكر ويعمل.. ألم يقل رسولنا الكريم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»؟
على مدى التاريخ حاول رجال الدين (من كل الأديان) ونجحوا في السيطرة على الناس عبر الحكم باسم الإله. فأقاموا الدولة الثيوقراطية (الدولة الدينية)، ونصب الكثيرون أنفسهم أوصياء على الدين، إلى أن وعت الشعوب وثارت ضد الكهنة، وأعادتهم إلى معابدهم، وفصلوا الدين عن شؤون الدولة. فالدولة لا يمكن أن تضع قانونا دينيا واحدا صالحا لكل الشعب. فإن كان قانونا مسيحيا، فهل سيكون كاثوليكيا أم ارثوذكسيا أم بروتستانتيا؟ وإن كان إسلاميا، لأي مذهب ستلجأ: السني أم الشيعي؟ ثم لأي فرقة؟
الحل الوحيد لمشاكل الصراع الديني والطائفي في بلادنا هو في فصل الدين عن الدولة، حيث تبقى القوانين وضعية يتساوى تحتها كل المواطنين، حقوقا وواجبات. وهذا غالبا، ما عنته الدكتورة شيخة الجاسم، التي تواجه قضيتين، بعد لقائها التلفزيوني، الذي فسر من البعض ممن يهوون إقحام الدين في كل شيء على أنه ازدراء للأديان، في دولة هي أصلا دولة مدنية وليست دينية، حسب دستورها، فأين أخطأت؟
إن إقحام الدين في كل مناحي حيواتنا قد ينزع عنه قدسيته، ويجعله وسيلة لكل من تسول له نفسه استغلاله لمصالح دنيوية تافهة. فبعض رجال الدين يريدوننا دائما في حالة استنفار ديني حتى يحكموا سيطرتهم على رقابنا. ولا سبيل لحماية الدين والناس إلا بتطبيق العلمانية، والتمييز بين الدنيوي والمقدس، وفرض الحيادية على مؤسسات الدولة، ورفض تدخل رجال الدين في الأمور التي ليست من شأنهم.
d.moufti@gmail.com