في عام 2001 تقريباَ صدرت أول طبعة من كتاب برنارد لويس “ما الخطأ الذي حدث؟” what went wrong وبرنارد لويس كما هو معروف أستاذ متخصص في الثقافة الشرقية والتاريخ الإسلامي بجامعة برنستون، وكونه يهوديا فإن كتَاب العالم العربي يحلو لهم دائماَ اتهامه بأنه كاره للإسلام والمسلمين ويميل إلى تشويه الحقائق ،ونحن لا نميل إلى هذا الرأي رغم أن الرجل يبدو متحاملاَ على الإسلام في بعض الأحيان ولكن كتابه الذي أشرنا إليه يحوي الكثير من الحقائق الهامة ويقوم على منهجية علمية بالأساس بالرغم ما فيه من بعض الشطحات، والكتاب ببساطة يطرح سِؤالاَ هاماَ وهو ما الخطأ الذي حدث وأدى إلى انهيار الحضارة الإسلامية التي كانت منارة للعالم لعدة قرون وتحولها من حضارة رائدة إلى مجتمعات وشعوب معادية للحداثة وذات توجه صدامي مع كل المجتمعات غير الإسلامية بشكل عام والغربية بشكل خاص حسب رؤية لويس.
وعبر كتابه يعقد لويس مقارنات عدة بين الإسلام والمسيحية في مجالات الثقافة والعادات والتقاليد والفنون ووضع المرأة وطريقة التفكير الدينية والعلمانية ….الخ
وكان واضحاَ في إيماءاته أن مشكلتنا ثقافية بامتياز وأننا نميل في بحثنا عن الإجابة على سؤال الكتاب إلى إلقاء اللوم على الأخر وتبرئة أنفسنا وتنزيهها من كل عيب.
وبعيداَ عن الكتاب الذي أتمنى أن أقدم عرضاَ شاملاَ له قريباَ فإن هناك جدلا شديدا هذه الأيام بين من يقولون إن الإسلام دين كل زمان و مكان وأن كل تعاليمه لا تقود إلا إلى التقدم، وأن سبب كبوتنا هو بعدنا عنه وأن لا خلاص لنا مما نحن فيه من تخلف على جميع الأصعدة إلا بالعودة إليه “والعود أحمد” كما يقولون.
وعلى الجانب الآخر هناك من يقول أن سبب نكبتنا وتخلفنا يرجع إلى إقحامنا للإسلام في كل كبيرة وصغيرة وإلى شيوخنا ودعاتنا الأفاضل الذين عقٌدوا الدين البسيط الذي نزل في البداية على مجموعة من البدو الرحل فاستوعبوه دون معاناة تذكر ودون الحاجة إلى تفسيرات الشعراوي واجتهادات القرضاوي وفتاوى بن باز وتوجيهات الشيوخ المودرن الذين جعلوا الإسلام أصعب من لوغاريتمات فيثاغورث ومعادلات أينشتاين .
ولا أحد يعرف بالضبط أين هي الحقيقة ،هل نحن متخلفون لأننا هجرنا الإسلام كما يدعي الفريق الأول أم أننا تخلفنا لأننا اقتربنا منه أكثر مما ينبغي فأصبحنا لا نراه ومن ثم فإننا عقَدنا حياتنا بشكل غبي حتى أصبحنا لا نعي ما هو هام وما هو غير هام ، فما يبدو غير هام بالبديهة والمنطق البسيط يظهره شيوخنا الأجلاء على أنه أمر جلل وخطير والعكس صحيح ،فما يبدو لنا هام وأساسي يراه شيوخنا هامشي ودنيوي والنتيجة هي اختلال منظومة الأولويات لدينا.
وهنا يلوح في الأفق سؤال منطقي وهو طالما أن الإسلام بمثل هذه العظمة لماذا نبتعد عنه في وقت ننشد فيه جميعا الخروج من حلقة التخلف الجهنمية واللحاق بركب الأمم المتقدمة،ما الذي يمنعنا من نهج هذا السبيل ؟ ونحن جميعاَ نعرف أن الإجابة الحاضرة دائماَ على هذا التساؤل هي أن أمريكا وإسرائيل يحولان دون أخذنا بالخيار الإسلامي ، وطبعاَ هذه إجابة غاية في السخف والسطحية لأنها تعني إننا مسلوبي الإرادة وأن أمرنا بيد أمريكا وإسرائيل، وإذا كنا هكذا فإننا لا نستحق الحياة أصلاَ.
وهذا ما حدا بالكثيرين منا إلى الزهد في الحياة واللجوء إلى الدروشة كنوع من الهروب أو الخلاص الفردي، فمعظمنا لا يعرف بالضبط ما هو المطلوب منه في هذه الحياة… هل هو تعمير الأرض والعمل الجاد من أجل الخروج من شرك التخلف الذي يحكم قبضته علينا منذ قرون أم إننا مجرد عابري سبيل في هذه الدنيا وأن ما ينبغي أن نركز عليه كهدف إستراتيجي هو قصور الجنة والحور العين (إنما العيش عيش الآخرة) ،وسواء أمنا بالرأي الأول أو الثاني فإن الحقيقة الساطعة التي لا تحتمل أي جدل والتي يجمع عليها مؤيدو الرأيين هي إننا متخلفون في كل شيء وأن الإنسان (وهو غاية كل الديانات والاجتهادات) هو أرخص سلعة في عالمنا إذ يمكنك أن تشتري ذمة إنسان بسيجارة أو بضع ليرات بسبب ما نحن فيه من فقر وتخلف .
وكمحاولة لمعرفة أي الفريقين على صواب نقول أن الإسلام كان محفزاَ للنمو والتقدم في بدايته عندما كان المسلمون يطبقون بشكل عملي مقولة أنه لا كهنوت في الإسلام ، أما اليوم فإن كل أنواع الكهنوت أصبحت مفروضة على المسلمين حتى أصبح الإسلام معطلاَ للتقدم ومحتقراَ لكل ما هو دنيوي وحداثي (الدنيا جنة الكافر ) وكهنة الإسلام الجدد بعد أن أحكموا قبضتهم على عقول البسطاء “وهم الأغلبية الكاسحة في أوطاننا” يقمعون كل محاولة للتنوير وتحرير العقول وبعض هؤلاء الكهنة والشيوخ لا يقل في جبروته عن هتلر وستالين وبمقدورهم أن يحرضوا مسلوبي العقول والإرادة من البسطاء على إيذاء أو حتى قتل من يخالفهم الرأي. أنظر إلى ما فعله الشيخ الشعراوي في مصر بكل من توفيق الحكيم ود. زكي نجيب محمود عندما هدد بشكل ضمني بالتحريض عليهما وانظر إلى ما حدث لنجيب محفوظ و فرج فوده وغيرهم.
إن أي فكر أو أي أصل مادي من أصول الحياة يحمل في طياته مزاياه وعيوبه والمحصلة تتوقف على طريقة فهمنا أو تعاملنا أو استخدامنا له ،فالحجر يمكن أن يكون وحدة بناء ولكن يمكن استخدامه أيضاَ كأداة للهدم ،وكذلك أي منظومة فكرية أو دين يمكن أن يكون نبراساَ للنجاح والتقدم كما يمكن أن يتحول إلى توجه أيديولوجي يدفع دون وعي للعزلة والتخلف. أي أن الأمر يتوقف علينا وعلى طريقة تلقينا ومدى انفتاح عقولنا وطوية سريرتنا وطبيعة نشأتنا ،فالعقل غير الناضج والمنغلق والأفق الضيق غير المستنير بالعلم والمعرفة الشاملة والنشأة في ظروف صعبة تتسم بالقسوة والحرمان كلها ظروف تجعل المرء يميل دون أن يشعر إلى التضييق على الآخرين والتلذذ بالإملاء عليهم واستعبادهم فكريا.
وهذا هو حال معظم شيوخنا الذين يشاركوننا هذه الأيام في مطعمنا ومشربنا وعقولنا وعواطفنا وحتى غرف نومنا وسيوف التكفير التي يحملونها حاضرة و جاهزة لاجتثاث أعناق المخالفين أو المعترضين دون أي رحمة.
والخلاصة أن الإسلام فعلاَ يصلح لكل زمان ومكان ولكن بشرط أن يمتلك إنسان هذا الزمان أو ذاك المكان عقلاَ حراَ مستنيراَ لا يتسلط عليه إنسان آخر يدعي كذباَ أنه يمتلك الحقيقة وأنه يمثل إرادة الله عندئذ سوف يعي هذا الإنسان كيف يقرأ الإسلام وكيف يطبقه وكيف يقدمه إلى الآخر دون أن يرهبه أو يفرضه عليه عنوة كما هو نموذج حركة الطالبان في كل من أفغانستان وباكستان .
لن نتقدم ولن نتحرر من الفقر والجهل والتخلف ولن يحترمنا العالم أو يتعاطف معنا ومع قضايانا إلا عندما نحرر عقولنا وإرادتنا من سطوة كهنة الظلام ونقبل على الحياة معمرين لا مدمرين كما هي إرادة الخالق وناشرين للعدل والمساواة والحب والخير.
mahmoudyoussef@hotmail.com
مستشار اقتصادي مصري
الإسلام ما بين التقدم والتخلفالاسلام ربط المجتمع باطر اخلاقية وإنسانية كريمة ورائعة.الدولة القومية الحديثة هي دولة علمانية صرفة بطبيعتها ولا يمكن ان تعمل بكفاءة إلا بعلمنتها. الامة في الدولة الحديثة هي الأمة التي تصعنها الدولة من خلال مؤسسات التشريع والتنفيد والقضاء والتعليم والتربية الاجتماعية وتبني لحمتها على أسس المواطنة، وليس على الطائفية او الاثنية او العشائرية والقبلية. الدين متروك للمجتمع وينزهه عن لغط وتلاعب السياسة به فهذا اكرم لدين الله. هذا لايعني ان لا تستمد تشريعات المجتمع من الاطر الاخلاقية والدينية فيه، لكن ألا تتبنى دولة دين معين، او مذهب محدد يقصي طوائف أخرى من الامة ويعيق وظيفتها في تكوين… قراءة المزيد ..