فشل هولاند في حراسة مرمى بلاده من ضربات الإرهاب وفي حماية موقعها أوروبيا وكقوة ذات نفوذ عالمي، وسينعكس التمادي في الإرهاب على وجه فرنسا العلماني المتسامح، وستصعد فيها قوى التشدد والدفاع عن الهوية الوطنية.
تتعرض فرنسا لاختبارات متوالية، ويتمادى الإرهاب في استفحاله ويجدد في أساليبه ويواصل ضغطه، وكأن الهدف من هذا القتل العشوائي تعميم الرعب الداعشي في حرب ضد الإنسانية تمتد من العراق إلى أوروبا، في رد على نكسات وتراجع تنظيم أبي بكر البغدادي في معاقل نشأته. لكن هذا التغول الذي أثخن فرنسا بالجراح يمكن أن يغير وجه هذا البلد ودوره قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية.
في ليلة عيد فرنسا الوطني في الرابع عشر من يوليو، حصلت مجزرة بحق المشاركين في سهرة احتفالية في مدينة نيس في جنوب البلاد على الشاطئ اللازوردي. وما جرى على جادة “نزهة الإنكليز” الشهيرة يذكّرُ بتلك الليلة الليلاء في الثالث عشر من نوفمبر 2015 حينما ضرب الإرهاب باريس. وما زاد من هول الصدمة إزاء الأسلوب الجديد في اغتيال الناس دهسا، حصول هذا الحادث بعد ساعات على إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عدم تجديد حالة الطوارئ إثر تجاوز فرنسا اختبار مسابقات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم.
هكذا مع مأساة نيس تبرز صعوبة مواجهة ظاهرة هذا النوع من الإرهاب وفشل الإستراتيجيات المتبعة، مع عدم العثور على الوصفة المطلوبة في الأمن الوقائي إزاء هذا التصميم الذي لا يمكن حصر توصيفه بالجنون الدموي أو الانتحار العبثي لأنه يشكل سلاح التوحش في ما اعتبره وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، حالة حرب تعيشها فرنسا.
إنها إذن حرب الإرهاب المستمرة على فرنسا التي تدفع بفرانسوا هولاند إلى القول إن كل البلاد تقع تحت التهديد الإرهابي الإسلامي. وهكذا للمرة الأولى يتكلم سيد الإيليزيه من دون قيود، ويربط الإرهاب بالإسلاموية الراديكالية، وهو الذي كان قد رفض بقوة في سبتمبر 2014 (عند إطلاق أول تحالف دولي ضد تنظيم داعش من باريس وبناء على مبادرته) أن يتم الخلط واستخدام عبارة تنظيم الدولة الإسلامية وإصراره على اسم “داعش” لكي يستبعد البعد الديني في هذا النزاع.
ويجدر التذكير أن فريقا كبيرا من السياسيين والإعلاميين الفرنسيين أخذ يشـدد منذ فترة على ضـرورة تسميـة الأشيـاء بأسمائها، وعدم الاكتفاء بالقول إن الحرب ضـد الإرهاب هي حرب ضد داعش، بـل تسمية الإرهـاب بالإرهاب الإسلامي وعـدم المبالاة بالحذر عند استخدام المصطلحات.
يدل كل ذلك على أثر الإرهاب في تجذر خطاب القطيعة وصراع الأديان والثقافات والحضارات، ونجاح اليمين الوطني الشعبوي في أوروبا في جعل شعاراته مقبولة من الفئات السياسية الأخرى.
والملفت أن هذا الاعتداء سرعان ما انتهز فرصة وقوعه مرشح الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، الذي أجل إعلان اسم المرشح لنيابة الرئاسة والتفرغ لمتابعة تبعات حادث نيس. ومما لا شك فيه أن هذا العمل الإرهابي، كما حادث أورلاندو، سيعززان من فرص المرشح الجمهوري وسيكون لذلك أثره على العالم بأجمعه.
على الصعيد الفرنسي سيشكل اعتداء نيس ضربة قاضية لحظوظ الرئيس فرانسوا هولاند واليسار في الانتخابات الرئاسية القادمة خاصة لأنه أتى بعد ساعات على الإعلان عن عدم الاستمرار بحالة الطوارئ، ولأن الرأي العام يؤاخذ على الحكومة الخلل الأمني القائم والفشل في احتواء الإرهاب. وسيؤدي ذلك، حتما، إلى انهيار التنافس ما بين اليمين التقليدي الذي ربما يعود الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى صدارته، في مواجهة اليمين الوطني المتمثل بمارين لوبن رئيسة حزب الجبهة الوطنية.
فشل فرانسوا هولاند في حراسة مرمى بلاده من ضربات الإرهاب وفي حماية موقعها أوروبيا وكقوة ذات نفوذ عالمي، وسينعكس التمادي في الإرهاب على وجه فرنسا العلماني المتسامح، وستصعد فيها بالمقابل قوى التشدد والدفاع عن الهوية الوطنية، والأدهى احتمال تغير وظيفة فرنسا الجيوسياسية مما دفع أحد المتابعين الحاذقين إلى التساؤل عن سبب معاقبة فرنسا “أول بلد غربي متعاطف ونصير للقضايا العربية والإنسانية”.
khattarwahid@yahoo.fr
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس