يصعب أن نستوعب أن جمال البنّا غادرنا! هذا “الرجل الصغير الكبير”، مثل عنوان فيلم داستين هوفمان، عاش متفائلاً “يصدح بالحق” وفق تعبير عربي جميل. شقيق مؤسّس الإخوان، “الشهيد” حسن البنّا، كان نقيض “الإخوان”، تلك الشجرة الكبيرة التي قال لشقيقه الأكبر أنه “لا يريد أن يأكل من ثمارها”! في سن ّ التسعين، كتب لي رسالةً يخبرني فيها عن مشاريعه الثقافية وعن الكتب التي سيكتبها! هل كان الصديق العزيز جمال البنّا يحسب أنه سيعيش إلى الأبد؟ في الزمن “الداعشي”، الإسلام ليس الحل! جمال البنّا هو الحلّ! “الشفاف” سيعمل لنشر فكر جمال البنّا طالما استمرّ في الصدور. وسيظل جمال البنّا “شيخَ الشفاف”، كما كنا نسميّه تحبّباً، وامتناناً لإسهامه في تأسيس هذا الموقع، وإغنائه.
جمال البنّا اتهمني، مرة، بأنني “ممثل الإصلاح الإسلامي في أوروبا”. وحيث أنه لم يسحب ذلك “التكليف الشرعي”، فسيظل “الشفاف” على عهده.
بيار عقل
*
الإخوان يعتقلون مكتبة جمال البنا
وصلنى من د. محمد الحلفاوى استغاثة مما حدث لمكتبة خاصة من أعظم وأضخم وأغنى مكتبات مصر والعالم العربى وهى مكتبة راهب الفكر جمال البنا التى اغتُصبت وصودرت بمجرد قوانين الوراثة، وحتى يحقق الإخوان مرادهم ويهزموا جمال البنا ميتاً ويحققون ما لم يستطيعوا بالحجة والإقناع والإفحام أن يحققوه وهو حى، يقول د. الحلفاوى:
مثلما يحدث فى الأنظمة المستبدة من اعتقال المعارضين لا لشىء إلا لمجرد الاختلاف مع الحاكم الفرد، يحدث أيضاً اعتقال الأفكار المعارضة، وما يحدث لمكتبة المفكر الكبير جمال البنا رحمه الله «1920-2013م» مثال صارخ على ذلك.
فما أن تم إعلان وفاة كاتبنا الكبير فى 30/1/2013م حتى قام الورثة الشرعيون «أحمد سيف الإسلام حسن البنا وآخرون» بغلق المكتبة بالأقفال ربما قبل دفن الفقيد!! ولمن لا يعرف قيمة هذه المكتبة وما تحوى من كنوز جعلت دولاً تعرض عليه شراءها، هذه المكتبة الكائنة فى 195 شارع الجيش بالقاهرة، تضم حوالى 15 ألف كتاب عربى و3 آلاف كتاب باللغة الإنجليزية، علاوة على الدوريات والموسوعات، وبها طبعات نادرة من الكتب، هذه المكتبة كانت مزاراً وملجأ للباحثين فى الفكر الإسلامى الحر ولجميع دارسى تاريخ حركات الإسلام السياسى فى العصر الحديث وخصوصاً جماعة الإخوان والتى تضم المكتبة أهم ومعظم وثائق تأسيسها ومجموعة صحف الإخوان منذ 1936م.
وقد قام جمال البنا بنشر حوالى 10 مجلدات من وثائق الإخوان المجهولة، وكان فى جعبته الكثير، وذلك انتصاراً للحقيقة والمعرفة رغم اعتراض الإخوان ومهاجمتهم وتشهيرهم به، والمكتبة تضم أيضاً مقر مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام ودار الفكر الإسلامى ومقر دعوة الإحياء الإسلامى.
أليس من العار أن تقوم الإمارات العربية برعاية المكتبة مادياً وأدبياً فى حياة مؤسسها وتتخاذل حكومة مصر عن حمايتها بعد وفاته وتتركها نهباً للإخوان؟!
أين تلاميذ جمال البنا؟! هل ستتركون صومعته الفكرية ومشروع عمره رهن الاعتقال من الورثة الإخوان؟! وكلنا يعرف الاختلاف الجذرى بين فكر جمال البنا وأفكار الإخوان!! هل لو رُزقت أم كلثوم مثلاً بوريث يحرم الغناء هل من حقه منع أغانيها بدعوى أنه الوريث الشرعى؟! ورثة جمال البنا لهم وراثة الأموال والمنافع فقط وليس من حقهم اعتقال واغتيال مكتبة كانت تشع نوراً وفكراً ومنع نشر أفكار الرجل!!!
إن كل من كتب عن الإخوان مدين لجمال البنا، فقد كان رحمه الله لا يضن أبداً على الباحثين من جميع دول العالم بكل ما عنده من وثائق عن الجماعة بلا ثمن وبلا طلب شكر، خدمة للعلم والمعرفة.
والغريب أن مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام والتى أُسست فى 1997م المفترض أن لها مجلس أمناء ورئيساً ومن المنطقى أن تئول هذه الكنوز الثقافية للمؤسسة وليس للورثة، علاوة على الموظفين الذين كانت المكتبة مصدر رزقهم.
إن كل من دخل هذه المكتبة يتحسر على عبق التاريخ وعطر الفكر وينفطر قلبه على الكتب وهى تئن بسبب الاعتقال بالأقفال وسط تواطؤ وصمت مفكرى ومثقفى مصر!!!
هذا نداء لمثقفى مصر ومؤرخيها ومفكريها.. أطلقوا سراح هذا الصرح الثقافى والفكرى من اعتقال الإخوان؟! فهل من مجيب؟!!