ربما يكون الخبر المهم من الانتخابات البرلمانية في مصر، والتي انتهت جولتها الأولى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، هو الانتصار المدوي لـ جماعة «الإخوان المسلمين». لكن صعود «الجماعة» المتوقع من منظمة محظورة إلى قوة برلمانية لن يكون مستغرباً: فقدرات الحشد القوية لـ «الإخوان المسلمين» معروفة جيداً، وغالباً ما حذر حسني مبارك الغرب من أن خيارهم هو بين استبداد حكمه أو ثيوقراطية «الإخوان».
والمفاجأة الحقيقية هي ظهور «حزب النور السلفي»، وهو منظمة ثيوقراطية إلى حد كبير تعتمد أيديولوجيتها على القراءة الحرفية للقرآن والسنة، وما يدعو للدهشة أنها لم تكن موجودة حتى قبل بضعة أشهر. ورغم أن النشاط السياسي للسلفيين، على عكس جماعة «الإخوان المسلمين»، كان محظوراً تماماً في ظل حكم مبارك، إلا أن «حزب النور» يمثل منافسة صعبة لـ جماعة «الإخوان» في بعض الدوائر. وليس فقط أن التحالف الإسلامي الذي يشكل «حزب النور» اللاعب الرئيسي فيه، قد قدم 693 مرشحاً – إلا أن لافتات هؤلاء المرشحين وصورهم كانت منتشرة في كل مكان، حتى في الأحياء الأقل تديناً في مصر. ومن المتوقع الآن أن يأتي التحالف الإسلامي في المرتبة الثانية لدى اكتمال الجولة النهائية من الانتخابات في كانون الثاني/يناير، حيث ربما يفوز بما يصل إلى 30 بالمائة من الأصوات.
لقد كانت الحملة القوية لـ «حزب النور» لافتة للنظر لا سيما هنا في الفيوم، وهي محافظة ريفية على بعد 81 ميلاً جنوب غرب القاهرة يسكنها 2.5 مليون نسمة. واستناداً إلى تجاربي في تغطية مختلف مراكز الاقتراع في القاهرة يوم الاثنين الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، فقد توقعت بصورة تامة ظهوراً قوياً لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في الفيوم، حيث تعد هذه المنطقة الريفية التقليدية موطن أيديولوجيتها الإسلامية. والواقع أن «الجماعة» كانت تحظى بظهور كبير. لكن بلا شك كان «حزب النور» أكثر ظهوراً. فمن لحظة دخولنا إلى المحافظة، كانت لافتات «حزب النور» في كل مكان – وغالباً ما كانت هي اللافتات الوحيدة: فوق أعمدة الإنارة، وعلى طول حارات مرور المشاة، وحتى في المساجد. (وهناك جانب في حملة «حزب النور» كان قد أثار إعجابي بشكل خاص: فمن أجل التحايل على الحظر المفروض على استخدام الهلال الإسلامي كرمز للحزب، اختار «حزب النور» أن يُمثَّل في التصويت بواسطة رمز إسلامي آخر: “الفانوس”، وهو مصباح زينة يعرضه المسلمون أثناء شهر رمضان).
كانت محطتي الأولى في أحد مراكز الاقتراع على طول طريق رئيسية، في مبنى مدرسة كان من بين الهياكل القليلة في بيئة ريفية. ورغم انخفاض حركة المشاة، كان هناك ما يقرب من أكثر من عشرين من أنصار «حزب النور» — وأشير مرة أخرى أنه لم يكن هناك سوى أنصار «حزب النور» — متواجدين في الجوار ينتظرون على ما يبدو لمساعدة الناخبين.و أخبرني أحمد كامل، بمظهره كثيف اللحية مع حلاقة الشارب وهو المظهر النمطي للسلفيين “إنهم أمناء وأنا أثق بهم كثيراً. فهم يعتمدون على القرآن الكريم وسنة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم”.
وفي محطتي الثانية، بمركز اقتراع كثيف الحركة بالقرب من مركز مدينة الفيوم، كان أفراد «حزب النور» و«حزب الحرية والعدالة» التابع لـ جماعة «الإخوان المسلمين» – متواجدين في أكشاك مساعدة الناخبين المجاورة، ولم تكن هناك أي أحزاب أخرى. لكن ظهور «حزب النور» هنا كان أكثر وضوحاً بكثير: فبينما كانت جماعة «الإخوان» تستخدم حاسوب سطح مكتب قديم مع شاشة مربعة لإخبار الناس بصناديق الاقتراع الخاصة بهم، كان نشطاء «حزب النور» يعملون من خلال جهازين محمولين رقيقين لهما مظهر جديد ويوزعون نسخاً موجزة ولافتة للنظر من برنامجهم.
إلا أن المشهد الأكثر إثارة للإعجاب جاء في محطتي الثالثة، أمام مقر «حزب النور» في الفيوم، حيث وجدت عدداً من النشطاء يرتدون صدريات صفراء عاكسة عليها شعار «حزب النور». وقد كانوا يجمعون الناخبين من أماكن مركزية ويحضرونهم إلى مراكز الاقتراع طوال اليوم. وأخبرني محمد عبد الرحمن محمود، وهو كهربائي يبلغ من العمر 32 عاماً “نعلن عن مكان اجتماع [الناخبين]. ولدينا مكبرات صوت في سياراتنا، ونحن نتجول لإخبارهم”. ولم تكن عملية جمع الناخبين لـ «حزب النور» قاصرة فقط على الفيوم: فقد أخبرني صديق كذلك بأنه رأى سلفيين يرتدون صدريات صفراء في مدينة الأقصر، ومن المرجح أنهم استخدموا هذا الأسلوب في أماكن متماثلة بشكل تقليدي حيث يتمتعون بتأييد واسع.
وعندما سألت هؤلاء السياسيين أصحاب اللحى الكثيفة كيف أنهم ظهروا من الغياب الكامل إلى التواجد في كل مكان في غضون أشهر، أصروا على أن «حزب النور» قد تطور بشكل عضوي من القاعدة إلى أعلى. يقول محمد عبد التواق، منسق «حزب النور» في الفيوم والبالغ من العمر 31 عاماً “كسلفيين نحن جزء من المجتمع الإسلامي ونتواصل مع المسلمين كأخوة وهناك رابطة خاصة لنا كسلفيين. والتقينا مع بعضنا البعض من خلال المساجد والجامعات. نحن نعيش في مجتمع إسلامي”.
لكن من الواضح أن التنظيم الهائل الذي توصلوا إليه بسرعة كبيرة يتطلب الكثير من المال. فمن أين يأتي ذلك المال؟ يقول عبد التواق “نحن ندفع «الزكاة» إلى منظمة تنتمي إلى الحزب”. فأجبته أن هناك شائعات بأن معظم أموالهم تأتي من المملكة العربية السعودية التي لديها تاريخ في تصدير راديكاليتها الإسلامية إلى كل مكان — لكنني خفت صوتي عند قولي هذا الجزء الأخير. يقول علي شرف، منسق «حزب النور» الذي كان جالساً في مكان قريب “أنت ترى جميع فروع [«حزب النور»] في كافة أنحاء مصر، وتعتقد أن لدينا الكثير من المال. لكننا نكافح حقاً لدفع بدل الإيجار. فأموالنا تأتي من الرسوم.” وقال إن الرسوم تبلغ 10 جنيهات مصرية فقط – حوالي 1.75 دولار – شهرياً، وأنهم قاموا بتسجيل آلاف الأعضاء الجدد. (وبالنظر إلى انتشار لافتات «حزب النور» ونطاق عملياتهم، فإن هذا لا يكاد يُصدَّق).
كما سألت السلفيين عن أسباب عدم انضمامهم إلى جماعة «الإخوان». قال علي شرف، منسق «حزب النور» الذي كان جالساً في مكان قريب “لأن «الإخوان المسلمين» جماعة مرتبطة بقواعد معينة. لكنني مسلم والإسلام منفتح على أي شيء”.
لكنني علمت بالفعل أن السلفيين ليسوا منفتحين كما زعموا. ففي إحدى زياراتي إلى مراكز الاقتراع، جاءت شاحنة ممتلئة بالنساء للتصويت لـ «حزب النور» ودعوني للإطراء على فضائل «حزب النور». وقالت نور الهدى الدسوقي مبتهجة وهي تحمل عينة بطاقة اقتراع لـ «حزب النور» “إنهم أناس جيدون ويخدمون المجتمع. إننا حزب محافظ لكننا سنتحدث إليك”. لكن عملها الجيد لم يمض دون عقاب. فسرعان ما اقترب أحد مندوبي «حزب النور» من مترجمي وأخبرنا بالتوقف عن الحديث إلى النساء.
لكنني رغم ذلك جاريت السلفيين. فإذا كانوا حقاً “منفتحين على كل شيء”، فهل سيسمحون للفنادق المصرية بمواصلة تقديم الكحول إلى السياح؟ يقول مهدي، أحد نشطاء «حزب النور» الذي كان يوزع برامج الحزب بجوار مركز الاقتراع “في رأيي، لا أعتقد أن ذلك سيحدث. لأنه محرّم”.
وقاطعه مترجمي، وهو نفسه مسلم ملتزم، قائلاً “لكن الناس الذين يشربون الكحوليات ليسوا مسلمين”.
أجاب مهدي قائلاً “يتعين عليهم احترام البلد. فكما هو الحال في ألمانيا، فإن الناس يحترمون البلد وعليهم الحديث بالألمانية. عليك احترام البلد الذي تتواجد به، حتى إذا كنت تختلف معه”.
فماذا ستكون سياستكم تجاه المسيحيين؟ هل سترغمونهم على دفع “الجزية” – الضريبة الخاصة التي كان يفرضها الحكام المسلمون في الماضي على الأقليات غير المسلمة لدفع ثمن الحروب الإسلامية؟ يقول شريف، وهو منسق محلي آخر لـ «حزب النور» “إنهم يدفعونها بالفعل من خلال الضرائب. فلكل مجتمع مصادر الإيرادات الخاصة به – وفي الإسلام تكون تلك المصادر هي «الزكاة» للمسلمين و «الجزية» لغير المسلمين. حتى إنه يتعين عليهم خدمة المجتمع، سواء كانوا مسيحيين أو يهود. وهم يدفعون «الجزية» لأننا نوفر لهم الأمان”.
وأخيراً، تطرقت إلى السياسة الخارجية. ما هي وجهة نظركم في [إتفاقيات] كامب ديفيد؟ قال شريف “سمعت عن كامب ديفيد عندما كنت طفلاً وسمعت من الناس ومن علمائنا أنها غير عادلة بالنسبة لنا. لكنني لم أقرأها مطلقاً”. (يبدو أن هذا الإسلامي مشترك في مدرسة هيرمان كين* للعلاقات الدولية). وتابع قائلاً “لا أريد حرباً مع إسرائيل. لكن على إسرائيل أن تغادر الجزء الذي أخذته مني”. أي جزء؟” يجب على إسرائيل الانسحاب من جميع أراضي فلسطين – وليس الضفة الغربية أو غزة فقط”. فنظرت إليه نظرة مرتبكة. “أنا لم أنكر قط أن بعض اليهود كانوا يعيشون هناك من قبل”. وعند تلك الملاحظة، قلت له مع السلامة.
وبينما توجهنا إلى سيارة الأجرة، أومأ السائق – الذي كان جالساً خلال الجزء الأخير من المحادثة – موافقاً على ما ذكره شريف، حيث قال “إنهم بالفعل أناس طيبون”. وعلى الرغم من أنه ليس إسلامي، إلا أنه صوّت لصالح «حزب النور» في وقت سابق من الأسبوع. لماذا؟ “إنهم أمناء”.
* هيرمان كين كان مرشحاً جمهورياً للرئاسة الأمريكية وأعلن مؤخراً عن تعليق حملته الانتخابية.
إريك تراغر هو زميل آيرا وينر في معهد واشنطن ومرشح لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بنسلفانيا حيث يكتب أطروحته عن أحزاب المعارضة المصرية.