في اختصار الدولة غائبة. المرجعية الواحدة مفتقدة. التفسخ والتشظي يطالان البيئة الصيداوية. والمذهبية حالة تتمدد وتنذر بمزيد من الفرز. شعارات الحماية والتعفف من الخطاب المذهبي تعلو لكنها تخفي وراءها مشاعر واحقاد مذهبية متنامية. لم يظهر في الخطابات ولا في المواقف ان احدا من رجال الدين او السياسيين المعنيين بما جرى ويجري، في صيدا ومحيطها، استخدم عبارة تنم عن اساءة دينية او مذهبية. فالكل ثابت في قوله على الوحدة وعلى نبذ الصراع المذهبي، لكن نفوس المناصرين وتعبيراتهم مناقضة تماما. هذا ما يمكن استخلاصه من جولة ميدانية في صيدا ومخيماتها.
ثمة حقيقة يمكن ملاحظتها ايضا من دون جهد، وهي أن المعالجات غائبة، اذ ليس من جهد سياسي يعول عليه لتحصين الجهد الامني والعسكري الرسمي. ليس تبخيسا بالجهود التي تبذل من القوى الاسلامية في المدينة ومخيم عين الحلوة، لكن ثمة غياباً فاضحاً لمرجعية جامعة في المدينة اليوم. ولعل صعود ظاهرة الشيخ احمد الاسير ونجاحها في حشد المؤيدين والمتعاطفين احدى نتائج غياب المرجعية الجامعة والنافذة في قراراتها.
عصبة الانصار: نختلف عقائديا مع الشيعة لكن علاقتنا مع حزب الله ممتازة
فحين سألنا احد رموز تيار المستقبل في صيدا عدنان الزيباوي عن سبب عدم احتواء ظاهرة الاسير من قبل التيار، قال: نحن متهمون من حزب الله بأننا ندعم الشيخ الاسير، واضاف: شهية الاسير على السلطة وتجيير اي جهد سياسي لشخصه عالية جدا. وكشف القيادي المستقبلي ان ايجاد مخرج انهاء اعتصام الاسير قبل اشهر كان حصيلة جهود حثيثة وعلى مستويات من قيادات تيار المستقبل، لكن الاسير هو الذي صادر هذا الجهد واختزله وغيّبه. ولأن تيار المستقبل لا يريد ان يستجيب لمحاولات نقل الفتنة الى الشارع الصيداوي عبر خلق مواجهة بينه وبين الاسير او سواه، آثر الصمت مكتفيا بالنتيجة المرضية للجميع الا وهي انهاء الاعتصام، ختم القيادي.
اليوم يبدو هذا التيار عاجزا عن فعل شيء، بل عاجزا عن وقف تدفق مناصريه وجمهوره في اتجاه تأييد الاسير والاخير بدأ بالتصويب على زعيم التيار متهما اياه بالتخاذل.
عصبة الانصار التي يلعب نفوذها دورا بعدم تجدد المواجهات في تعمير عين الحلوة، علاقاتها ممتازة مع الشيخ الاسير وحزب الله، هذا ما اكده لنا الناطق باسمها ابو شريف عقل، لكنه يستدرك ان “خلافنا العقائدي مع الشيعة فعلي، لكنه لا يعني الا تكون علاقتنا مع حزب الله ممتازة خصوصا فيما يتصل بقضية المقاومة”. ويتابع ابو شريف ان “مسؤول حزب الله في صيدا الشيخ زيد ضاهرأصيب في المواجهة الاخيرة في تعمير عين الحلوة، نتيجة محاولته منع اطلاق النار ولم يكن في وارد المواجهة مع الشيخ الاسير”.
هذا ويتقاطع قريبون من النائب السابق اسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البزري على تأكيد رفضهما مواقف الاسير وتحركاته. ويعتبرون ان مواجهتها تتطلب موقفا حاسما من الجميع وفي مقدمهم تيار المستقبل “الذي يوفر الغطاء لحركته وتمددها في اتجاهات فتنوية خطيرة”. وبصوت خفيض تقول مصادر على صلة وثيقة بالرجلين، انهما لطالما ابديا عتبهما من تجاوز حزب الله، في ادائه، لموقعهما كحليفين له في المدينة. اذ تعتبر ان حزب الله بالغ في انخراطه السياسي والامني المباشر في صيدا، ووصل الى مرحلة اشعر حليفيه انه قادر على اثبات حضوره في المدينة في معزل عنهما. وتتهم هذه الاوساط حزب الله بأنه مارس فعل الابتزاز من بوابة التنافس السياسي والشعبي بين حلفائه.
الى ما ذكر آنفا، تلفت مصادر الشيخ الاسير الى نهج اعتمده حزب الله للامساك بزمام المدينة، على غرار انشاء سرايا المقاومة، عبر استقطاب مئات من الشباب الصيداويين العاطلين من العمل باغرائهم برواتب شهرية لا تتجاوز 300 الف ليرة، وتأمين حصانة امنية لهم تضمن حمايتهم من الاجهزة الامنية والعسكرية. ويعتبر الاسير، الذي يستهجن عدم اخذ افادته من قبل الاجهزة الامنية او القضاء بشأن مقتل مرافقيه، ان هذه الاجهزة تعمل بارادة حزب الله وتوجيهه، مشيرا الى ان من يقبض عليه من انصاره لا يخرج من السجن اما اذا كان من حزب الله او قريبا منه فلا يدخل السجن لو كان مرتكبا جناية.
الاحتقان المذهبي والسياسي في صيدا على حاله ان لم يكن الى ازدياد، وما جرى في صيدا هو البداية التي تنذر بمزيد من مظاهر الازمة. في اطلاق النار على مجمع الزهراء (الشيعي) مؤشر الى ظواهر جديدة لم تشهدها المدينة من قبل. ظواهر مرشحة الى التنامي ما دام بعض اطراف الازمة يتوهم ان الحل في صيدا امني ليس اكثر.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد