الجنوب – “النهار”:
تدور في الجنوب أزمة صامتة بين بعض كتائب القوة الدولية المعززة ولا سيما منها الفرنسية، وبين السلطة المحلية المتمثلة بجهات ادارية، اضافة الى بلديات محسوبة على “حزب الله”، انعكاساً للمواقف السياسية الفرنسية المغايرة لتوجهات الحزب وحلفائه.
وهذه الازمة ليست وليدة “الكباش” الاخير بين الموالاة والمعارضة، انما ظهرت جلية غداة وقف “الاعمال العدائية”، في اعقاب العدوان الاسرائيلي الاخير وصدور القرار 1701 ووصول طلائع “اليونيفيل” المعززة الى الجنوب، حيث استقبلت ببرودة لافتة، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة الشيعية التي يتجذر فيها “حزب الله” مقاومة وعقيدة، اجتماعياً وصحياً، بلدياً واختيارياً واعلامياً.
وتروي مصادر محلية سلسلة احداث بقي معظمها طي الكتمان، ومنها ان الكتيبة الفرنسية دعت في التاسع من كانون الاول الجاري رؤساء البلديات والمخاتير في زهاء 25 بلدة في قضاء بنت جبيل، الى لقاء في مقرها في جبل مارون – دير كيفا، لاطلاعهم على مهماتها وعملها بواسطة الكولونيل دوسوفان، غير ان هؤلاء ابلغوا القيادة عدم استجابتهم الدعوة فألغي اللقاء.
اثر ذلك، توجه قائد الكتيبة الى القائمقام ابرهيم درويش مستطلعاً سبب هذا الرفض، فحاول درويش التملص من الموقف المحرج متذرعاً بأن الوضع الراهن في البلاد وانعكاساته وارتباط رؤساء البلديات بجدول مواعيد مسبقة، حال دون تلبية الدعوة.
لكن قائد الكتيبة سأله: لماذا لبى هؤلاء الدعوة التي وجهها قائد الكتيبة البلجيكية؟ فـأجابه درويش مهدئاً ان اللقاء لم يكن على المستوى المرجو، ووعد بتلبية دعوة قريباً بعد الاعياد!
الملاحظ ان الفرنسيين اجمالاً غير مرغوب فيهم في منطقة بنت جبيل. ويسعى قادة “حزب الله” الذين يعتبر اتحاد بلديات بنت جبيل تحت سيطرته، الى توجيه رؤساء البلديات في ما يتعلق بالتنسيق بينهم وبين الكتائب الموجودة في قرى القضاء والتعامل معها وفقاً لتوجهات الحزب وليس وفقاً لما تقتضيه آلية التعامل وايجابياتها.
وفي حادثة اخرى، طرد الفرنسيون من احدى البلدات مطلع هذا الشهر، عندما توجهوا بعيادة نقالة كالمعتاد لمعالجة الناس، في تصرف انفعالي من رئيس بلديتها وعدد من المواطنين، لأن مؤسسة “جهاد البناء” طلبت منهم في الاسبوع نفسه رفع لافتات شكر لتقديماتها، فاعتبروا ان حضورهم الى البلدة بمثابة تحد.
اثر هذا التصرف، استدعى الرئيس نبيه بري رئيس البلدية المعني ووبخه على تصرفه، وطلب منه حسن التصرف مستقبلا.
وكانت الكتيبة الفرنسية ارادت منذ انتشارها التمركز في بنت جبيل. وسعت عبر لقاءات عدة مع رئيس البلدية الى البحث عن قطعة ارض للتمركز وانشاء قاعدة عليها. ولكن أوامر الحزب كانت دوماً التعاطي معهم بسلبية، لأن بنت جبيل خاضعة الى سيطرته.
وطوقت عناصر من الحزب سيارة “جيب” ذات زجاج اسود عائدة الى جنود فرنسيين كانوا يصورون مراكز امنية ولوجيستية سابقة للحزب في الخيام، وحصل توتر بين الطرفين.
ودهمت القوات الفرنسية منازل في عيناتا ورشاف وفتشتها. كذلك اقامت حاجزاً على طريق حانين وفتشت السيارات ودققت في سلامة لوحات التسجيل التي تحملها، قبل تلقي “اليونيفيل” انذاراً باحتمال تعرض مواقع لها لهجمات من “القاعدة”.
وقد أخرج “حزب الله” بعد ذلك كمية كبيرة من الذخائر المدفونة في قرى القضاء، بواسطة سيارات “نيسان” رباعية الدفع، شاهدها رعاة ومزارعون مراراً تنقلها من احراج بين الثانية فجراً والخامسة صباحاً.
اما الوضع في غالبية الاقضية الجنوبية الاخرى فيعتبر افضل حالاً، نظراً الى انتشار كتائب دولية اخرى لا تمثل للاهالي “حساسية” سياسية.