بيروت – وليد شقير الحياة – 26/05/07//
يقول مصدر وزاري في الأكثرية ان تحالف قوى 14 آذار بعث بإشارات ورسائل عدة الى فريق المعارضة انطلاقاً من الحاجة الى توحيد الموقف اللبناني إزاء ظاهرة «فتح – الإسلام» وضرورة الالتفاف حول الجيش في مواجهتها، بعد ما تعرض له الجيش من خسائر نتيجة الهجمات عليه يوم الأحد الماضي، لم يحصل في مقابلها على أي تجاوب من جانب قادة المعارضة بل على العكس حصد تحريضاً على الحكومة وعلى فريق الأكثرية واتهامات بتوريط الجيش في المواجهة مع مخيم نهر البارد الفلسطيني.
ويشير المصدر الوزاري نفسه الى الدعوات الكثيرة التي صدرت عن قادة الأكثرية الى توحيد الموقف اللبناني فور وقوع الصدامات مع «فتح – الإسلام»، بدءاً بالكلمة التي وجهها زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الاثنين الماضي وأكد فيها أن لبنان يحتاج الى فرصة جديدة للحوار وليس الى دورة جديدة من الخلاف والانشقاق، والى دعوة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مرات عدة الى الخروج من الانقسام السياسي والعودة الى الحوار مكرراً مبادرته بالدعوة الى الاتفاق على برنامج سياسي وحكومة على أساس 17+13 في معرض تشديده على ان السلطة ستعمل على اجتثاث الإرهاب. كما أن رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أعطى مؤشرات عدة في الاتجاه نفسه. وإضافة الى الاتصال الهاتفي الذي أجراه الحريري ليل الإثنين الماضي بعد الانفجار الذي استهدف منطقة فردان برئيس المجلس النيابي نبيه بري داعياً الى وحدة الموقف، أجرى جنبلاط اتصالين ببري خلال الأيام الماضية على خلفية ما أعلنه عن ضرورة التوحّد حول الدولة وأن هذا الوقت لأخذ المبادرة من أجل إنهاء اعتصام المعارضة في وسط بيروت لإراحة الجيش في المواجهة التي يخوضها فيكون ذلك «بيعة وطنية» كبرى للجيش الذي هو شريك «حزب الله» والمقاومة في المواجهة مع إسرائيل وضمانة وطنية بالنسبة الى الحزب وسلاحه. وذكر المصدر الوزاري أن جنبلاط أراد فتح خطوط التواصل بأن طلب الى بري أن يبلغ «السيد (الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله) موقفنا هذا» وأن السعي الى اتفاق وقف النار يعني التوصل الى اتفاق قاهرة جديد (بين المقاومة الفلسطينية والدولة اللبنانية في العام 1969) وأنه إذا أُسقط الجيش في حرب استنزاف تخاض ضده أمام فصيل إرهابي، في مخيم نهر البارد، فهذا يعني سقوط الدولة في كل لبنان.
ويرى المصدر الوزاري، انه بدلاً من ملاقاة موقف قادة الأكثرية في هذه الاتصالات والمواقف، فإن موقف «حزب الله» وحركة «أمل» كان سلبياً واقتصر على إدانة التعرض للجيش «من دون اتخاذ موقف من ضرورة التصدي لظاهرة «فتح – الإسلام». وسلكت قيادتاهما خطاً مخالفاً وأطلقتا العنان لتصريحات ولحملة تعبئة لتشويه الحقائق في وسائلهما الإعلامية تقوم على: اتهام تيار «المستقبل» بأنه كان يدعم «فتح – الإسلام» وهو أمر غير صحيح وخيالي بالكامل؛ اتهام الأكثرية بتوريط الجيش في وقت تدحض فيه مواقف قيادة الجيش ذلك، خصوصاً أن مواقفها من ظاهرة «فتح – الإسلام» أكثر تشدداً من مواقف القوى السياسية لأسباب عسكرية تتعلق بهيبة الجيش؛ افتعال سجال حول عدم التنسيق بين قوى الأمن الداخلي والجيش رد عليه الجانبان ووزير الدفاع الياس المر لتأكيد تواصل هذا التنسيق؛ التركيز على استهداف الجيش للمدنيين الذي سعت الحكومة بالتنسيق مع ممثلية منظمة التحرير على تجنيبهم ويلات الصدامات الحاصلة، عبر تدابير اتخذت لنقل المدنيين وإيوائهم؛ كل ذلك بدل التركيز على ما تعرض له الجيش من جانب «فتح – الإسلام» وأدى الى سقوط أكثر من 33 شهيداً في صفوفه. ويضيف المصدر: «فوت «حزب الله» فرصة كبيرة لإعادة وصل ما انقطع بين المعارضة والأكثرية، بعد أن أيّد زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون حسم الجيش للموقف العسكري مع «فتح – الإسلام». وأوقع الحزب نفسه ومعه حركة «أمل» في الحسابات الداخلية الضيقة متجاوزاً المخاطر على البلد من تمكّن هذه المجموعة المتشددة من تثبيت وجودها في لبنان، الذي لا تقل مخاطره على الحزب و «أمل» عن تلك التي تستهدف القوى الأخرى من مسلمين ومسيحيين. فالمجموعة الأصولية السنية في «فتح – الإسلام»، من بين الأفخاذ الأخرى التي تتشكل منها وبعضها مربوط بأجهزة استخباراتية، هي من المجموعة التكفيرية المعادية للشيعة والتي يشكل استمرارها في لبنان خطراً أمنياً يمس مصلحة الحزب والحركة على المديين المتوسط والبعيد، وأثبتت الأحداث أن من الصعب ضبط مجموعات كهذه والتحكم بها في جموحها المذهبي».
شل الدولة والفوضى
ويرى المصدر أن «ثمة خلفيات عدة لموقف «حزب الله» و «أمل» اللذين اعتمدا في الأزمة السياسية خطاً يستهدف شل الدولة وإثبات عدم قدرتها، في موازاة مصلحة القيادة السورية في إثبات الفراغ في السلطة وتحوّل لبنان الى الفوضى إذا أقرت المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري». ويقول المصدر ان «نجاح الدولة في التغلب على ظاهرة «فتح – الإسلام» يسقط المراهنة السورية على ترجيح خيار الفوضى، ويفشل الضغط الذي مارسته المعارضة لشل الأكثرية في الحكم منذ أشهر إذا نجحت في المواجهة التي تخوضها الآن في الشمال». ويعطي المصدر أبعاداً سياسية تتجاوز الاتهامات التي توجهها المعارضة الى الأكثرية في تعاطيها مع الوضع المتفجر في مخيم نهر البارد، منها:
«1 – ان الحديث عن توريط الجيش من جانب الأكثرية سببه نجاح الأخير في إفشال خطة «فتح – الإسلام» للسيطرة على مدينة طرابلس ونهر البارد وبالتالي جزء من الشمال في شكل يسقط نفوذ تيار «المستقبل» في البيئة السنية الشمالية التي يتمتع فيها بنفوذ كبير. فالقيادة العسكرية أبلغت السياسيين الذين التقتهم انهم لو تأخر الجيش في الرد على انتشار مسلحي «فتح – الإسلام» في مدينة طرابلس، الأحد الماضي، لكان هؤلاء استطاعوا السيطرة على المدينة بعد فترة، مع من يعاونهم من الخلايا النائمة، ولكان نجم عن ذلك صدامات سنية – سنية في الشارع نظراً الى أن مجموعات سنية أخرى كانت ستواجه «فتح – الإسلام» بالسلاح أيضاً، ولكان تسبب ذلك بفوضى أمنية وحتى سياسية. وبهذا المعنى فإن الأكثرية ترى أنها وجهت ضربة استباقية الى مخطط إحداث شرخ في الوضع السني ميدانياً وسياسياً.
2 – ان تولي الحكومة والجيش حسم الموقف ضد «فتح – الإسلام»، فضلاً عن تمكن الجيش وقوى الأمن من إلقاء القبض على عدد كبير من عناصرها، ومن المتشددين العرب، وبينهم من سبق أن قاتل في العراق وانتمى الى شبكات «القاعدة» أو غيرها، إضافة الى اللبنانيين منهم، يضع السلطة اللبنانية تحت دائرة الاهتمام العربي والدولي، نظراً الى أن الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تقع تحت سلطتها وضعت يدها على مصادر معلومات تهم الدول العربية والغربية التي تعطي الأولوية لمكافحة الإرهاب، خصوصاً إذا تذكرنا أن بين قتلى «فتح – الإسلام» خلال صدامها مع الجيش «أبو يزن» السوري الجنسية وبو مدين أيضاً وصدام ديب الذي هو شقيق أحد المتهمين بالتخطيط لتفجيرات في ألمانيا فضلاً عن أن شقيقه الثاني عثمان ألقي القبض عليه في منطقة عكار. وهذا الوضع يعطي السلطات اللبنانية موقعاً مهماً في العلاقات الخارجية تحت عنوان مكافحة الإرهاب. وهو موقع عادة ما تستخدمه السلطات السورية بدلاً من السلطات اللبنانية في صلاتها مع دول الغرب، ما يعني حرمان دمشق «ورقة» من الأوراق التي في يدها كان يمكن أن تكون مهمة حتى في حوارها الذي بدأ مع الإدارة الأميركية والذي يفترض أن يستمر».
وفي رأي المصدر الوزاري نفسه أن «عدم حسم الوضع العسكري ضد «فتح – الإسلام»، يسمح للجانب السوري بالتحكم بمجريات تطور المواجهات مع المجموعات الأصولية أكثر، إذا صحت المعطيات بأن بعض مجموعات «فتح – الإسلام» له علاقة مع أجهزة سورية، بينما حسم الجيش للموقف العسكري يحرم سورية من القدرة على برمجة الاستثمار السياسي لأوضاع المجموعة الأصولية، في مراحل لاحقة، في العلاقة مع الدول العربية والغربية. كما أن الحسم من جانب الجيش يعزز موقعه والحكومة كمرجعية تدفع المجتمع الدولي الى التمسك أكثر بشرعية الحكومة، خصوصاً أن بين الـ90 موقوفاً لدى الجيش تبين حتى الآن أن 20 منهم هم من «فتح – الإسلام» وأن ثمانية موقوفين لدى قوى الأمن هم جميعاً تابعون للتنظيم عينه، وأن معظم الـ28 هؤلاء هم من جنسيات عربية، وأن الفلسطينيين واللبنانيين بينهم قلة».
3 – ضرورة عدم إهمال عامل مهم إضافي، يلعب دوراً في إحجام «حزب الله» عن تغطية قيام الجيش بحسم الموقف العسكري ضد «فتح – الإسلام»، وهو انزعاج الحزب وحلفائه من رفض قائد الجيش العماد ميشال سليمان اقتراح ترؤسه حكومة انتقالية الذي طُرح عليه قبل أكثر من اسبوعين، في حال اتجه رئيس الجمهورية إميل لحود الى تشكيل حكومة ثانية، بعد اعتباره حكومة السنيورة مستقيلة، لتملأ الفراغ في حال لم تحصل انتخابات الرئاسة قبل انتهاء ولايته. وفي رأي المصدر الوزاري أن «لجوء بعض المعارضة الحليفة لسورية الى هذا الخيار في سياق الخطة المحتملة لإحداث فراغ في الرئاسة والحؤول دون أن تتولى حكومة السنيورة سلطاتها قد جابهته صعوبات نظراً الى أن قيام حكومة ثانية برئاسة شخصية أخرى، دونه استحالة دستورية لأن الدستور الجديد بحسب اتفاق الطائف يتطلب إجراء استشارات نيابية ملزمة لتشكيل حكومة جديدة تستطيع الأكثرية، على رغم كل شيء التحكم بها…».
وفي تقدير المصدر الوزاري أن تجنب «حزب الله» وقوى 8 آذار دعم الجيش في مواجهة «فتح – الإسلام» هو «نوع من الرد على موقف سليمان الرافض لترؤس الحكومة الانتقالية لأن وجوده على رأسها يكسبها شرعية ما على رغم عدم شرعيتها دستورياً».
(الحياة)