أما وقد بدأت جلسات المحكمة الدوليّة، فان الأسئلة الساذجة تعود الى الاذهان. منها، كيف يمكن التوفيق بين قول “الحزب المتسلط” ببراءته من اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وبين استماتته في السعي الى تقويض عمل المحكمة، من مهاجمة “نساء الأهالي” لجنة التحقيق، عندما قصدت الطبيبة النسائية في الضاحية، الى مؤتمر المحامي رشاد سلامة بحضور نواب الحزب، لإعلان طلب بعض الشهود اغفال شهاداتهم، بعدما نشرت احدى المطبوعات (المغذاة من الحزب نفسه) أسماءهم؟
هنا،تستعيد الذاكرة تبرير الحزب موقفه من المحكمة بوصفها مؤامرة أميركية- اسرائيلية ضده، من جهة، ولبث فتنه سنية – شيعية، من جهة أخرى. لكن، ألا تملك واشنطن، تحديدا، ما تقاضي به الحزب، من تفجير مقر المارينز عام 1983، الى اتهامه بتهريب المخدرات على حدودها مع المكسيك، وعبر مثلث الارجنتين – البرازيل – الباراغوي؟
اما الفتنة، فكان لها اطلالة اكيدة يوم قال الامين العام الشهير انه لن يسلم المتهمين، لا في 30 يوما، ولا 30 شهراً، ولا في 300 سنة، مصرا على رفعهم الى مصاف القديسين، متمسكا باستحالة ان يكون حدث من مستوى اغتيال الحريري يمر من وراء ظهره، برغم ان الحرب اللبنانية حفلت باغتيالات، نفذها حزبيون من دون علم قيادات احزابهم، اشهرها اغتيال الرئيس بشير الجميل، على يد عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي، نسق الأمر مع المخابرات السورية، وليس مع قيادة حزبه، فكيف والعادة في تاريخ الميليشيات اللبنانية ، ان الرأس في كل منها، مضطر الى التنسيق مع المسؤول العسكري ومسؤول أمنه الشخصي، لا ان ينسقا معه، بحجة “الاختصاص”، فكيف ايضاً، اذا كان في قيادة الحزب العسكرية يومها الحاج رضوان (عماد مغنية) ذو الوزن الايراني والسوري المميز؟
واستطرادا، اذا كان القرار سوريا، وفق الإستنتاجات الأولية، وبلا معرفة الأمين العام (تصديقا لاقواله)، فهل كان ايضا بلا تنسيق مع طهران؟
صحيح، ان نظام الاسد، في تلك المرحلة كان ندا لحليفه الاستراتيجي الايراني، فهل صحيح ايضا افتراض ان قرار الاغتيال اتخذ من دون علم طهران، أو جناح معين فيها، هو نفسه الذي يدفع الحزب اليوم الى التهجم على السعودية، فيما الرئيس روحاني، بلسان وزير خارجيته، يصر، ومن بيروت، على ضرورة اقامة احسن العلاقات معها؟
المحكمة الدولية، وقد بدأت جلساتها، تقول ان اغتيال رفيق الحريري ليس أمراً عادياً، بل حدث استراتيجي، يرتبط بخريطة المنطقة وهويتها ودورها، وتاليا، ليس نتاج خطة مبتسرة، وان من استفاد من اسقاط “الغباء الاميركي” نظام صدام حسين، (وهو يستحق ان يسقط)، هو نفسه من اراد اغتيال رفيق الحريري بـ 2000 كيلو غرام من المتفجرات، ومن يسعى اليوم الى الايحاء بأن طائفة بكاملها إرهابية.
Rached.Fayed@ANNAHAR.COM.Lb
بيروت