بعد مرور ستة أسابيع على هزيمة “حزب الله” في الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان من قبل تحالف 14آذار/مارس الموالي للغرب، لم يتم [حتى الآن] تشكيل حكومة جديدة في بيروت. وعلى الرغم من أن زعيم تحالف 14 آذار/مارس سعد الحريري قد كُلّف في مطلع حزيران/يونيو بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، إلا أنه لم يُكمل حتى الآن المفاوضات الحساسة والمثيرة للجدل مع المعارضة. لقد كان متوقعاً [أن يواجه] الحريري صعوبات في توزيع المقاعد بين حلفائه في الائتلاف وخصومه السياسيين، وهي إلى حد ما من الأمور المألوفة في لبنان. ولكن الهدوء الذي أعقب الانتخابات الحرة والنزيهة آخذ في التآكل، حيث يضغط “حزب الله” وحلفاؤه في دمشق [للحصول] على المزيد من التنازلات السياسية من الحريري. إن هذه التطورات، بالإضافة إلى ما يبدو من فشل جهود المصالحة السعودية السورية، ترفع من حدة التوتر، تهدد موسم السياحة، وتزيد من احتمال العودة إلى العنف في بيروت.
الخلفية
في 7 حزيران/يونيو ذهب الناخبون اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع في أول انتخابات برلمانية منذ عام 2005. وفي نتيجة مذهلة، هزم تحالف 14 آذار/مارس – الذي يشكل الأغلبية الحالية في الحكومة – بشكل كبير تحالف 8 آذار/مارس بقيادة “حزب الله”، بفضل حصوله على 71 من أصل 128 مقعداً في البرلمان، مما يمنحه الحق في تشكيل حكومة جديدة. ورغم أن زعيم “حزب الله” حسن نصر الله قال أنه “يقبل إرادة الشعب”، أصر كبار المسؤولين في المنظمة على إقامة “حكومة وحدة وطنية” توفر للمعارضة “مشاركة فعالة وحاسمة” في عملية صنع القرار — — تعبير ملطف يُفهم عموماً كطلب الحصول على حق النقض (الفيتو) في مجلس الوزراء. ويسيطر حق النقض، المعروف بـ “الثلث المعطل” — على ثلث عدد الوزارات زائد واحد — ويمَكِّن “حزب الله” وحلفاءه من إحباط كل المبادرات الحكومية الرئيسية.
وقد قاوم الحريري حتى الآن ضغوط لمنح المعارضة هذا “الدخل الإضافي”. وبدلاً من ذلك، يُعتقد بأنه يُفضل صيغة تمنح أغلبيته ستة عشر مقعداً، وللمعارضة عشرة مقاعد – مقعد واحد فقط أقل من “الثلث المعطل” — وللرئيس ميشال سليمان أربعة مقاعد يختارها بنفسه. وحتى هذا الحل الوسط، الذي هو غير مقبول لـ ”حزب الله”، [قد يسبب] مشكلة لتحالف 14 آذار/مارس، حيث إذا كان شخصاً واحداً فقط من بين الذين يختارهم الرئيس سليمان للمشاركة في الحكومة، متعاطفاً مع الميليشيات الشيعية، سيحقق تحالف 8 آذار/مارس حق النقض الذي يطمع فيه.
التقارب السوري السعودي
في آذار/مارس الماضي، حضرت مصر، والكويت، وسوريا، مؤتمر قمة مصغر استضافته المملكة العربية السعودية، كان يهدف إلى تحسين علاقات الرياض مع دمشق، التي تدهورت بشكل كبير بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق (الذي هو أيضاً سعودي الجنسية) رفيق الحريري في عام 2005. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، استمرت المناقشات بين الرياض ودمشق، وأشارت تقارير في الصحافة العربية بأن الدولتين قد تكونا على وشك التقارب. وفي مطلع تموز/يوليو، كان يبدو بأنه قد تم تأكيد هذا الاتجاه من خلال قيام المملكة العربية السعودية بتعيين سفيراً جديداً لها في دمشق، وهو منصب ظل شاغراً منذ عام 2008.
وفي هذا الصيف، ركزت المناقشات التي جرت بين الرياض ودمشق على [المباحثات] السياسية في بيروت في أعقاب الانتخابات الأخيرة، وخصوصاً حول تشكيل الحكومة اللبنانية. وخلال هذه المحادثات، ورد في الإعلام بأن سوريا قد دعت إلى منح “الثلث المعطل” لحلفائها اللبنانيين وكذلك [الوصول] إلى نوع من اتفاق رسمي من شأنه أن يضفي الشرعية للدور السوري في لبنان على غرار اتفاق الطائف من عام 1989. ويبدو أن دمشق كانت تسعى إلى زيادة تقاربها مع الرياض عن طريق إعادة ترتيب “السيادة المشتركة” السابقة التي تركت إدارة الشؤون الإقتصادية للمملكة العربية السعودية وحلفائها اللبنانيين، بينما تركت الشؤون ذات الصلة بالأمن لسوريا و”حزب الله”.
وبحلول نهاية حزيران/يونيو، أفادت “الشركة اللبنانية للإرسال” بأنه يتم التحضير لعقد قمة سعودية سورية في المستقبل القريب، يحضرها العاهل السعودي الملك عبد الله، والرئيس السوري بشار الأسد، وسعد الحريري. لكن عملية “تخفيف التوتر” اصطدمت بعقبة، عندما لم يكن الحريري على استعداد لقبول مطالب سوريا وتحالف 8 آذار/مارس. لقد كان من شأن تلك الصفقة ليس فقط أن تمحي الفوز الذي حققه تحالف 14 آذار/مارس في الانتخابات البرلمانية، بل كانت ستعطي الإنطباع، من خلال زيارة الحريري إلى دمشق، عن براءة سوريا في قضية اغتيال والده رفيق. ومع ذلك، لا يزال البعض الآخر يلقي اللوم على القاهرة – التي خاب أملها من دور سوريا في عرقلة جهود الوساطة المصرية لتعزيز تشكيل حكومة وحدة وطنية بين «حماس» و «فتح» — [بأنها السبب] في إجهاض عملية المصالحة. وبغض النظر عن السبب، قالت مصادر لبنانية، قبل نهاية تموز/يوليو، بأن زيارة العاهل السعودي لسوريا ليست على جدول الأعمال.
وفى الوقت نفسه خاب أمل نظام الأسد من وتيرة التقدم الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، ويبدو [من خلال سياسته] بأنه يبعث برسالة إلى واشنطن مفادها بأنها تتمكن من لعب دور المفسد القوي. وتبعاً لذلك، ففي منتصف تموز/يوليو، وفي أعقاب موجة من التفجيرات الانتحارية في الموصل، تم اعتقال أربعة رجال مسلحين في شمال العراق كانوا يحملون جوازات سفر سورية. وفي اليوم نفسه الذي تم الإعلان فيه عن هذه الإعتقالات، اجتمع الأسد في دمشق مع مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي العراقي المناهض للولايات المتحدة والذي له علاقات وثيقة مع طهران. وبالمثل، لا تزال سوريا تلعب دوراً غير مثمراً فيما يتعلق بتحقيق مصالحة محتملة بين «حماس» و «فتح». وقد تكهن البعض في الآونة الأخيرة، بأن دمشق شجعت حليفها، [رئيس الدائرة السياسية] في حركة «فتح» فاروق القدومي، على توجيه [اتهاماته] من على قناة الجزيرة، [والتي قال فيها] بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تآمر لاغتيال زعيم منظمة التحرير الفلسطينية لفترة طويلة ياسر عرفات.
“حزب الله” يزيد من حدة الأوضاع
وكما كان متوقعاً، في الوقت الذي تطول فيه المفاوضات التي تجري في بيروت حول تشكيل الحكومة، تسخن حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل. ففي 14 تموز/يوليو، هز انفجار كبير القرية الصغيرة ‘خربة سليم‘، التي تقع على مسافة تسعة أميال إلى الشمال من الحدود الإسرائيلية. وقد وُصِف الانفجار – بصورة متناوبة – بأنه إما حدث في مخبأ للأسلحة تابع لـ ”حزب الله” أو في موقف دفاعي متقدم. وعندما حاولت قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) التأكد فيما إذا كان التفجير – بأي حال من الأحوال – قد شكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، قام سكان القرية – ورد في الإعلام بأن ذلك جاء بتحريض من “حزب الله” – بإلقاء الحجارة وإحراق إطارات السيارات ومجابهة قوات حفظ السلام لمنع التفتيش. وقد دار الجنود على أعقابهم في نهاية المطاف.
وبعد ذلك، في يوم 17 تموز/يوليو، ألقى [زعيم “حزب الله” حسن] نصر الله كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإطلاق سراح المعتقل في السجون الإسرائيليية، “عميد الأسرى” سمير قنطار، وهو الحدث الذي ترتب عن قيام “حزب الله” بغارة اختطف خلالها جنود اسرائيليين مما أثارت الحرب مع إسرائيل عام 2006. وخلال كلمته، أشاد نصر الله بعملية الخطف من أجل عودة الأسرى اللبنانيين، كما أثار شكوى أخرى — قد تكون سبباً [لإندلاع] حرب — ضد إسرائيل، حيث قال: “كل ما تبقى الآن هو ملف يحيى سكاف”، وهو إرهابي قتل في مذبحة الطريق الساحلي في إسرائيل عام 1978. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد سلّمت رفات سكاف إلى لبنان، إلا أن نتائج الحمض النووي، وفقاً لنصرالله، لم تكن حاسمة، وتتمسك أسرته بأنه “لا يزال على قيد الحياة في السجون الإسرائيلية”. وبإشارته بأن “حزب الله” “ملتزم بقرار العائلة”، أضاف نصر الله : “لدينا مسؤولية لهؤلاء الناس، لتحريرهم”.
ومما يضيف إلى [حدة] التوتر على طول الخط الأزرق، هو عبور خمسة عشرة مدنياً لبنانياً الحدود، في نفس اليوم الذي ألقى فيه نصر الله خطابه، ووضعهم أعلام “حزب الله” ولبنان على الأراضي الإسرائيلية – بل في الواقع فوق مركز مراقبة إسرائيلي غير مأهول – وهو انتهاك زُعم بأنه قد شوهد من قبل جنود اليونيفيل. وقد دفعت هذه الحادثة [السلطات] الإسرائيلية إلى تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة وكذلك [إلى حدوث] نقاش في لبنان حول سلطة وفعالية قرار مجلس الأمن رقم 1701. وقد وصف المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، مايكل وليامز، عبور الحدود والاشتباكات في ‘خربة سليم‘ بأنها “انتهاك واضح” لقرار مجلس الأمن رقم 1701. ومن ناحية أخرى، ادعى [مسؤول العلاقات الدولية] من قبل “حزب الله” البرلماني نواف الموسوي بأن “إجراء التحقيقات لا يقع ضمن ولاية قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل)”. وعلى كل حال، تلمح الميليشيات الشيعية بأنه [يمكن توقع] المزيد في المستقبل. وفي 22 تموز/يوليو، قال الشيخ نبيل قاووق، كبير مسؤولي “حزب الله” في الجنوب لصحيفة “النهار” اللبنانية، “نحن لا ننتظر قرار مجلس الأمن رقم 1701 لتحرير الأراضي المحتلة”.
إن أنشطة “حزب الله” هي ليست وحدها المسؤولة عن زيادة حدة التوتر في الجنوب. ففي 21 تموز/يوليو، أعلنت القوات المسلحة اللبنانية بأنها ألقت القبض على عشرة أشخاص — زُعم بأن لهم صلة مع تنظيم فتح الإسلام — يُشتبه في استهدافهم قوات اليونيفيل. وإذا كان صحيحاً ما تردد عن انسحاب وشيك للقوات الأوروبية من قوة الأمم المتحدة (اليونيفيل) — لتنفيذ التزامات عملية حفظ السلام في أفغانستان – فإن ذلك سيضعف الثقة في هذه القوة التي هي بالفعل في مأزق.
الخاتمة
بعد فترة راحة قصيرة في أعقاب الانتخابات الأخيرة، [يبدو أن] التوتر في لبنان آخذ في الارتفاع. وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري يحقق تقدماً باتجاه تشكيل حكومة، تؤدي الضغوط المتولدة من قبل ”حزب الله” وسوريا إلى تعقيد المهمة الصعبة بالفعل، مما يثير شبح [الخوف] بأن تحالف 14 آذار/مارس سيفشل في تعزيز المكاسب المثيرة للإعجاب التي حققها في الانتخابات البرلمانية في 7 حزيران/يونيو. وفي حين أن المفاوضات المتعلقة بتشكيل حكومة هي من الشؤون اللبنانية الداخلية، ينبغي على إدارة أوباما استغلال نفوذها الدبلوماسي مع دمشق لمنع و/أو تخفيف فظاعة التدخل السوري في العملية، وبالتالي عزل تحالف 14 آذار/مارس عن الضغوط الخارجية. ولكن حتى مع تقلص الدور السوري سوف يُترك تحالف 14 آذار/مارس ليتعامل [بنفسه] مع “حزب الله”. وللأسف، فإن حتى في أفضل سيناريو [يستطيع] فيه الحريري وتحالف 14 آذار/مارس أن يحافظا على قاعدتهما السياسية الأساسية، [إلا أنه] نظراً لسجل “حزب الله”، فإن نعمة صيف بيروت — مثل ثلاث سابقاتها — قد تلتهب قريباً.
ديفيد شينكر
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.