خلص تحقيق لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، نشرته الأحد، إلى أن “سوء الإدارة والفساد”، كانا من أهم العوامل التي فاقمت كارثة فيضانات درنة في ليبيا.
واستندت الصحيفة على “وثائق رسمية”، بما في ذلك تقارير من “ديوان المحاسبة” التابع لحكومة عبد الحميد الدبيبة، في الغرب الليبي، المعترف بها دوليا، ومقابلات مع مسؤولين ليبيين، ومقاولين أجانب، تم تعيينهم لإصلاح المشاكل الهيكلة في السدين اللذين دُمرا.
وفي وقت سابق من سبتمبر الجاري، ضرب الإعصار “دانيال” مدينة درنة، التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة، والمطلة على البحر المتوسط، مما أدى إلى انهيار سدين مبنيين منذ السبعينيات، والتسبب بفيضانات كارثية جرفت كل شيء في طريقها.
وتسببت الكارثة بمقتل أكثر من 6 آلاف شخص، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، رغم أن الحكومة التي تتخذ من شرق البلاد مقرا لها قالت، السبت، إن الفيضانات أوقعت 3845 قتيلا.
“الليبيون سئموا”
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الخسارة الفادحة في الأرواح جراء تلك الفيضانات، هي أحدث مثال على كيفية تأجيج الفساد والإهمال لموجة الغضب على الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
كما أنها تثير تساؤلات حول كيفية قدرة البنية التحتية في المنطقة، على تحمل الأحداث المناخية المتطرفة، مثل الإعصار “دانيال”.
وليبيا غارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتتنافس على السلطة فيها حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرا لها، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتعترف بها الأمم المتحدة.
أما الحكومة الأخرى فهي في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حمّاد، وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من قائد “الجيش الوطني الليبي”، المشير خليفة حفتر.
وقال مدير معهد الصادق للأبحاث، الذي يتخذ من طرابلس مقر له، أنس القماطي، إن “الإهمال كان المقدمة للكارثة برمتها”.
وأضاف: “الليبيون سئموا. إنهم يريدون أن يروا عملية شفافة تُخضع الأفراد للمساءلة فعليا”.
وكان السدان الليبيان على طول وادي درنة، جزءا من خطط الزعيم الليبي الراحل، القذافي، لتوسيع نطاق الاقتصاد الليبي بعد سنوات من وصوله إلى السلطة.
وبني السدان عام 1978 عن طريق شركة تابعة ليوغسلافيا، الدولة الأوروبية السابقة في غرب البلقان والتي تفككت لمجموعة دول حاليا، فيما “فرت” 3 شركات من البلاد لأسباب مختلفة قبل سقوط نظام القذافي.
مهندس سويسري ينجو من الاعتقال
وفي 2003 بعد رفع العقوبات الدولية على ليبيا، ذكرت شركة سويسرية جاءت لمعاينة السدين في درنة، أن “الهياكل فيهما تواجه ضغطا”، وأوصت بـ”ضرورة ترميمها وبناء سد ثالث لتخفيف الضغط عليهما”.
وبحسب الصحيفة، فإن تلك الشركة هي “ستوكي”، التي يديرها المهندس السويسري المقيم في لوزان، ميغيل ستوكي، وقد كان يقدم المشورة لحكومة القذافي حتى عام 2008.
ونجا ستوكي بأعجوبة من الاعتقال في ليبيا، بعدما تم اعتقال هانيبال نجل القذافي في جنيف بتهمة ضرب وتعنيف خادمين لديه، وفق الصحيفة.
واعترضت ليبيا على احتجاز نجل القذافي في سويسرا، فيما تم القبض على شريك ستوكي ومصادرة أعماله التجارية المتعلقة بالإسمنت في طرابلس.
ولم ترد ” غرونر”، وهي شركة الخدمات الهندسية السويسرية التي اشترت أعمال شركة “ستوكي” في عام 2013، على طلب الصحيفة بالتعليق.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن “الحكومة الليبية كانت بطيئة في تنفيذ مقترحات ستوكي بإصلاح السدين”.
وقبل سقوط القذافي بفترة بسيطة، تم استدعاء شركة إيطالية لتقديم تقييم آخر، وخلصت مرة أخرى إلى أن السدين بحاجة إلى تعزيز.
وبدأت شركة تركية بالعمل أخيرا على المشروع عام 2011، لكن احتجاجات عام 2011 التي أطاحت بالقذافي، جعلت العمل في ترميم السدين يتوقف بسبب انعدام الأمن. وتم تدمير موقع العمل في سد درنة من قبل “مثيري شغب”، بحسب الصحيفة، و”سرقوا معدات الشركة، مما أجبر الموظفين على الفرار”.
وقال المشرف على شركة الاستشارات الإيطالية، مروان البارودي: “كان على مهندسينا أن يهربوا للنجاة بحياتهم”. وأضاف أنه عاد للبلاد بعد سقوط نظام القذافي “لتدريب المسؤولين الليبيين على استئناف العمل في إصلاح السدين”.
وقال: “للأسف، لم يستتب الأمن أبدا”.
سنوات داعش وسيطرة حفتر
وفي وقت لاحق، استولى متطرفون على درنة عام 2014 بعد أن بايعوا تنظيم داعش الإرهابي، الذي سيطر خلال ذلك الوقت على أجزاء واسعة من العراق وسوريا.
وبعد 4 سنوات، حوصرت المدينة ثم سيطر عليها “الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر.
وبحلول ذلك الوقت، كانت السدود بعيدة عن متناول الحكومة المركزية في طرابلس، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وقال “ديوان المحاسبة” التابع لحكومة الدبيبة، إن “حصار حفتر للمنشآت النفطية، حرم الحكومة أيضا من الأموال اللازمة للإصلاحات”.