حينما انتخب الكوريون الجنوبيون قبل عام، وتحديد في العاشر من مارس 2022، “يون سوك يول” رئيسا جديدا لهم، تركزت تساؤلات المراقبين حول ما سيتخذه من خطوات وسياسات تجاه اليابان التي كانت علاقاتها آنذاك مع جارتها الكورية تمر بأزمة صامتة، فيما كانت الإدارة الأمريكية قلقة من تردي تلك العلاقات بين أكبر حليفتين لها في شمال شرق آسيا، وانعكاساته السلبية على سياساتها الخاصة بمحاصرة العملاق الصيني ومواجهة حماقات النظام الكوري الشمالي.
وقتها، لم يتطرق الرئيس المنتخب كثيرا إلي القضايا الخارجية، وركز بدلا من ذلك على قضايا الداخل التي كانت سببا في فوزه أمام منافسه، لكنه صرح لاحقا أنه سيتخذ موقفا حازما تجاه بيونغيانغ وتهديداتها، أي على العكس من سياسات سلفه المهادنة التي ساهمت في تسهيل الحوار بين بيونغيانغ وواشنطن في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. كما وعد باتخاذ سياسات حازمة مشابه تجاه الصين وأخرى تقود إلى تصفير المشاكل العالقة مع طوكيو، سعيا إلى تعزيز التعاون الأمني والاستراتيجي الثلاثي مع واشنطن وطوكيو.
والمعروف أن بوادر تأزم العلاقات بين سيئول وطوكيو، بدأت في صيف عام 2019 على خلفية حكم للمحكمة العليا في سيئول قضي بأن تدفع بعض الشركات اليابانية تعويضات مجزية لعدد من ضحايا العمل القسري من مواطني كوريا الجنوبية ممن تعرضوا للقسوة خلال سنوات الإحتلال (1910 ــ 1945)، وهو ما أحيا خلافات تاريخية مع رفض ياباني للحكم بدعوى أن نزاعات الحقبة الإستعمارية قد تمت تسويتها عام 1965 (وقت تطبيع العلاقات بين البلدين)، من خلال قروض ومساعدات يابانية بقيمة 800 مليون دولار أمريكي. ومع تبادل الاتهامات وامتعاض طوكيو من الحكم القضائي، قامت الحكومة اليابانية بفرض عقوبات اقتصادية على سيئول، حرمت بموجبها الأخيرة من الحصول على المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع أشباه الموصلات ذات الأهمية القصوى للصناعة الكورية، كما شطبت اليابان كوريا الجنوبية من قائمة الدول التجارية المفضلة، لترد سيئول بفرض قيود تجارية وتجميد التعاون الثنائي.
لقد انتظر الرئيس “يون سوك يول” عاما كاملا ليقدم على تنفيذ وعوده بإصلاح العلاقات مع اليابان، من خلال زيارة رسمية قام بها إلى طوكيو مؤخرا هي الأولى لزعيم كوري جنوبي إلى اليابان منذ عام 2011. ويبدو أن إلحاح واشنطن من جهة لإتمام الزيارة التصالحية، وتهور النظام الكوري الشمالي في مواصلة استفزازاته العسكرية من جهة أخرى، واضطراب سلاسل التوريد العالمية من جهة ثالثة، لعب دورا ليس في تواصل الطرفين على أعلى مستوى، وانما أيضا في نجاح لقاء القمة بين الرئيس يون سوك يول ونظيره الياباني فوميو كيشيدا الذي تميز بود لافت للنظر وتصريحات ايجابية من الطرفين.
فقد قال الضيف لوسائل الإعلام: “إن الحكومة اليابانية ستنضم إلينا في فتح فصل جديد في العلاقات الكورية اليابانية، وأتمنى أن يمضي شعبا بلدينا قدما معا نحو المستقبل، بدلا من الإختلاف حول الماضي”. أما المضيف فقد أعرب عن تفاؤله بنتائج المحادثات وشدد على أن ما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما، مشيرا إلى تهديدات بيونغيانغ الباليسية والتي تزامنت مع بدء زيارة الزعيم الكوري، من خلال قيام جيش كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ عابر للقارات من محيط منطقة “سونان” المرتفعة داخل بيونغيانغ.
وفي بادرة حسن نية تجاه سيئول، أعلنت وزارة التجارة اليابانية أنها قررت رفع القيود التجارية المفروضة ضد كوريا الجنوبية.
وعلى الرغم من أن كل هذه الخطوات والتصريحات المبشرة، لقي ترحيبا كبيرا من الأوسلط الدولية ومن قبل الدول الآسيوية المعنية بأمن واستقرار آسيا والمحيطين الهندي والهاديء، ولاسيما الولايات المتحدة التي ساءها تباعد أقرب حليفين آسيويين لها، إلا أن بعض المراقبين حذر من أن البلدين ما زالا يواجهان تحديات كبيرة، مشيرين إلى وجود معارضة شعبية في كوريا الجنوبية لخطوات رئيس البلاد، من منطلق أن كل ما قدمته اليابان من تعويضات مالية وكل ما صدر عنها منذ التسعينات من اعتذارات حول الحقبة الاستعمارية غير كاف. والجدير بالذكر أن طوكيو قدمت سلسلة اعتذارات للكوريين عن الماضي الإستعماري. فمثلا توصلت مع سيئول إلى تسوية في عام 2015 اعتذرت بموجبها للضحايا من النساء الكوريات وقدمت تسعة ملايين دولار لصندوق دعم لهن، لكن بعضهن رفضن استلام المال. وقبل ذلك في أغسطس 2010 قدمت اعتذارا على لسان رئيس وزرائها الأسبق “ناوتو كان” الذي أقر يأن شعب كوريا حرم خلال الإحتلال الياباني “من وطنه وثقافته وتعرض اعتزازه العرقي لأذى عميق”، ووعد بإعادة مقتنيات ثقافية إلى كوريا الجنوبية قريبا ومن بينها سجلات تعود لأسرة ملكية كورية قديمة. لكن هذا الاعتذار قوبل بالرفض أيضا مع تصعيد تمثل في المطالبة باعتذار الإمبراطور أكيهيتو شخصيا، وهو ما فجر غضب المسؤولين اليابانيين الذين رأووا في هذا المطلب أمرا مؤسفا يجب سحبه فورا.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي