زحلة- مراسل “لوموند” جيل باريس- بصره يغطّي منطقته كلها. فعلى عشرات وعشرات من اللوحات الإعلانية تطالعك صورة الياس سكاف، “بارون” زحلة ومنطقة وسط البقاع التي تقع على طريق على طريق بيروت- دمشق. والياس سكاف لا يخلو من الصفات: فهو نائب في البرلمان، وإبن نائب، وحفيد نائب، ووزير للزراعة وواحد من أكبر ملاك الأراضي.
تطالعك صور أسلافه المشاهير على جدران منزله العائلي الذي يقع في قلب عاصمة الروم الكاثوليك في لبنان، التي تتمتع برعاية تمثال للسيدة العذراء يرتفع فوق تلة. وفي زحلة، كما في أنحاء لبنان الأخرى، فإن الإعتبارات المحلية والوطنية تتداخل لتقرير مصير الإنتخابات النيابية التي ستجري في 7 يونيو. ولكن إنقسام أصوات المسيحيين يجعل من زحلة المكان الذي سيتقرّر فيه إلى حد كبير مصير الأغلبية المناوئة للنظام السوري.
وسيختار أبناء زحلة 7 مقاعد تتوزّع وفقاً لقانون الإنتخاب بين 6 طوائف. وتذهب معظم المقاعد للمسيحيين: 2 للروم الكاثوليك، وواحد للروم الأرثوذكس، و1 للموارنة، و1 للأرمن. ويبقى مقعدان، واحد للسنّة وواحد للشيعة.
في 7 حزيران/يونيو، سيقترع الشيعة والسنّة في هذه الدائرة الإنتخابية بصورة معروفة مسبقاً: الشيعة لصالح المعارضة، والسنّة لصالح الأغلبية الحالية. وسيضع أبناء الطائفتين في الصناديق لوائح كاملة تضم مرشحين من كل الطوائف قام بطبخها كبار المسؤولين في الفريقين: “زي ما هيّي”، كما يقول شعار “تيار المستقبل” الذي يقوده سعد الحريري. بالمقابل، سيتوزّع المسيحيون بين القوتين السياسيتين الرئيسيتين في البلاد وعدد من المستقلين، وسيمارسون التشطيب وفقاً لما درجوا عليه في هذه المنطقة التي تتحفظ عن الإنتماء لأحزاب سياسية.
وقد اختار الياس سكاف معسكره منذ مدة طويلة: معسكر الجنرال ميشال عون و”حزب الله” الشيعي. ويبرّر “بارون البقاع” موقفه بكلام جيوسياسي حول النوايا الأميركية الشريرة في المنطقة. ولكن الأرجح أن خلافاً مالياً تافهاً مع رفيق الحريري، كان موضوعه قرض بقيمة بضعة ملايين من الدولارات، في منتصف سنوات التسعينات، هو السبب في عدائه للأغلبية الحالية. وكان الياس سكاف يقيم علاقات سيئة جداً مع “حاكم” لبنان السوري، “غازي كنعان”، قبل أن يقيم علاقات أفضل بكثير مع خلفه، “رستم غزالة”.
بمواجهة سكاف نجد شخصية أخرى من طائفة الروم كاثوليك نفسها، وهو نقولا فتوش. فتوش نائب في البرلمان، ووزير سابق، ويعاني من سمعة فساد يتحدث عنها أخصامه ولا يُتعِبُ حتى حلفاؤه أنفسهم بتكذيبها. وحول هذه النقطة، يقول “إبراهيم مسلّم”، وهو عضو في “القوات اللبنانية” المتحالفة مع “تيار المستقبل”: “هنالك أقاويل كثيرة، كما هو الحال في أي مكان آخر من لبنان”. ولكن السيد فتّوش لم يبرز في الحياة السياسية سوى في سنوات الوصاية السورية. والتاريخ يكرّر نفسه هنا، كما يقول أستاذ علم الإجتماع “ملحم شاوول”، وهو من زحلة. ففي العام 1923، سهّل الإنتداب الفرنسي صعود جدّ “الياس سكاف” لإضعاف العائلات الكبيرة في المنطقة التي كانت ظلّت على ولائها للدولة العثمانية.
ويظلّ نعت “سوري” ملتصقاً بنقولا فتّوش مع أنه قدّم ترشيحه الآن تحت راية المعسكر المناوئ لدمشق، الذي انضمّ إليه بعد إنتخابات 2005 مباشرةً. والأسوأ في نظر جمهوره المسيحي هو أن فتّوش شريك في شبكة هاتف خليوي في جزيرة “كيش” الإيرانية. ويعلّق أحد الزحلاويين غاضباً: “زهقنا من هذا الفتّوش، ولم أعد أريد الفتّوش على مائدتي”! وذلك هو السبب في أنه، باستثناء بضعة ألوف من الأنصار الثابتين الذين يخضعون لـ”الماكينات الإنتخابية” التي تتولّى بصورة خاصة شراء الأصوات (200 دولار وما فوق للصوت الواحد)، فإن التحضيرات للمعركة الإنتخابية أثارت إستياء كثير من الناس. وقد ترشّح “ناجي سكاف”، وهو إبن عم “الياس سكاف”، منفرداً، مندّداً بالموقف السياسي لإبن عمّه وبسلوك الأغلبية “التي تريد عبيداً وليس نواباً حقيقيين”.
وقد ارتدّ “ناجي سكاف” عن مذهب الروم الأرثوذكس (الذي كان والده قد اعتنقه لأسباب إنتخابية) وعاد إلى مذهب الروم الكاثوليك من أجل منافسة إبن عمّه “الياس سكاف”. ويتّخذ إبن عمّ آخر، هو “شربل سكاف” موقفاً “شكسبيرياً”، فيقول: “أنا أقرب إلى الأغلبية الحالية ولكنني سأصوت لالياس سكاف حتى لا أُضعف الأغلبية المسيحية التي يمثّلها. أعرف أن ذلك يشبه إنفصام الشخصية، ولكن الجميع هنا هم على هذه الحال”.
في المطاعم التي تنتشر على ضفّتي “البردوني”، يحظى “الياس سكاف” بالتقدير، ولكن الناس يتذمّرون من الضغوط التي مارسها “العونيون” و”حزب الله” لتشكيل لائحته الإنتخابية. وتقابلها الضغوط التي يُقال أن سعد الحريري و”القوات اللبنانية” مارستها من أجل فرض مرشحيهم على “نقولا فتّوش”.
في العام 2005، كان “التسونامي” العوني، الذي تضخّم بفضل شعبية الجنرال العائد حديثاً من منفاه الباريسي، قد سمح لـ”الياس سكاف” بالفوز بـ6 من أصل 7 مقاعد نيابية. ولكن الأغلبية الحالية، التي تدرك أنها ستخسر مقاعد في دوائر أخرى، بحاجة ماسّة إلى الفوز بمقعدين جديدين على الأقل في دائرة زحلة لكي تظلّ أغلبية. وإذا نجحت، فإن “بيت سكاف” سيهتزّ من أساساته.