إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الإعلان الوطني التالي ليس مُلكاً لمؤلّفيه الذين يعتبرون أنفسهم ناقلين ومعبّرين عما يشعر به غالبية المواطنين، ويعتقدونه، ويعلنونه، بصيغٍ مختلفة ولكن بنفس المعنى، أو بصوتٍ منخفض ولكن بنفس الالتزام.
من يرى نفسه في الإعلان الوطني التالي هو جزء لا يتجزأ، وكاتب أصلي، وملتزم بإعلان “لبنان أولاً » هذا.
مُبَرِّر الإعلان. بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان/أبريل 2005 بفضل حركة شعبية وطنية حُظِيت بدعمٍ غربي استثنائي؛ وقبل ذلك، انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في أغسطس 1982 في ظروف غزو إسرائيلي وصل إلى عاصمة البلاد، بدأ لبنان اليوم بالخروج من الإحتلال الإيراني الذي جاهرَ مؤلِّفو النداء التالي بكشقِهِ وإعلانِ رفضِه ومواجهته منذ سنوات في إطار « لقاء سيدة الجبل » و« المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني عن لبنان ».
إنها لحظة تاريخية، وفرصة أخرى، لعودة اللبنانيين جميعاً إلى لحظة إعادة بناء الوطن والدولة.
وطننا لبنان يستحق هذه الفرصة التالية التي تُعطى له.
وهي أيضاً لحظةُ استحقاقاتٍ داهمة:
ـ فلبنان يواجه حالات نزوح لم يسبق لها مثيل من جنوبه وبقاعه، ومن “ضاحية” عاصمته، ويشهد دماراً لم تتعرض له البلاد في حروب سابقة.
ـ وقد أضيفَ إلى الإحتلال الإيراني الآخذ بالانحسار احتلالٌ إسرائيلي وسيطرةٌ إسرائيلية على مناطق محاذية لحدوده الجنوبية. وحيث أن الإحتلال الإسرائيلي المحدود لن ينسحب بدون مقابل، فقد بات على اللبنانيين أن يتوافقوا على ما ينبغي القيام به لتحرير بلادهم، سواءً بالعودة إلى اتفاقات الهدنة في 1949، إو إلى اتفاق 17 أيار 1983، أو بتطبيق القرار 1701 الذي لم يُطَبّق يوماً من الجانب اللبناني. أو، كذلك، بإعلان حيادِ لبنان رسمياً عن كل الصراعات العسكرية.
ـ وفي هذه الأثناء، يعيش لبنان حالة فراغٍ دستوري واختلاق أعراف دستورية ناجمة عن فائض قوة فرضهما الإحتلال الإيراني الذي حالَ دون انتخاب رئيسٍ للجمهورية، أو قيام حكومة أصيلة.
ـ ووسط هذه الظروف الصعبة، عاد الحديث في عواصم العرب والغرب، وفي الداخل، عن انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية! وكأن قدرَ اللبنانيين أن يخرجوا من الدستور المدني ليلتحقوا بنظم عسكرية. أو كأن تجربة إنتخاب قادة الجيش وآخرهم العماد ميشال عون رئيساً لم تنتَهِ بتسليم البلاد لملات إيران، أو كأنَّ ما فرضته ظروف طارئة في الماضي بات نوعاً من « العرُف » المقبول.
ـ ولا ننسى الطلبَ الهائل على مكافحة الفساد الذي عبّرت عنه مختلف فئات شعب لبنان في انتفاضة 2019، والذي وقفت بوجهه قوى الإحتلال الأجنبي؛
أمام اللحظة الإستثنائية والمصيرية التي يعيشها لبنان، وأمام هول المُصاب الذي حلّ بقسم عزيزٍ من شعبه لم يسأله أحدٌ رأيه في شنِّ حربٍ على إسرائيل ارتدت وبالاً عليه، فإن أول ما يُسجِّلُهُ اللبنانيون هو عدمِ اقتناع طبقةٍ حاكمة مهترئة وفاسدة بسقوط الإحتلال الإيراني، وبضرورة إعادة بناء الوطن كما فعل الآباء المؤسسون في العام 1943.
كما يلاحظ اللبنانيون، باستهجان، أن بعض الأحزاب التي لم تواجه الإحتلال الإيراني في عز سطوته تسعى الآن لـ « قطف » اللحظة الراهنة لصالحها بدل اغتنام الفرصة التاريخية لإعادة بناء البلاد.
بناءً على ما سبق، نقترح أن يتوافق اللبنانيون على ما يلي:
الدستور اللبناني هو الوثيقة النهائية والَحَكم الأخير بين جميع اللبنانيين. لا يُعَتَرف بأي وثيقة أو تعديل أو بديل كمرجعية لإدارة الشؤون المدنية والسياسية بين اللبنانيين.
َنعتبرُ الدستور بمثابة الهيكل الذي يجمع ويعيد تنظيم مختلف الطوائف والتيارات والمكونات اللبنانية. هذا الهيكل مفتوح للجميع طالما يحترم الجميعُ قواعدَه ويحمي حُرمته ويلتزم بالقوانين التي تنظم العلاقات بين الحكومة والمحكومين، وبين البرلمان والناخبين، وبين القضاة والمتهمين، وبين المدنيين والعسكريين.
ـ « اتفاق الطائف » هو مُكَمِّل أساسي للدستور وليس بديلاً عنه. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق، من بين فوائده العديدة، قد أكد ثلاثة مبادئ أساسية يجب على الملتزمين بهذا الإعلان أن يعيروا لها اهتمامًا خاصًا ودقيقًا:
(أولا) نهائية الكيان اللبناني لكل مواطنيه. هذه ليست فكرة جديدة، بل هي مبنية على الركيزة السابقة التي وضعها آباء الدستور والتي نصت على أن “لبنان لا يكون ممراً للغرب ولا قاعدة للشرق”. بمعنى آخر، لبنان هو دولة عربية ديمقراطية نموذجية، تحتضن الحداثة مع احترام التقاليد، وليس ملاذاً ولا ملجأ مؤقتاً لأي أحد بل هو وطن دائم لجميع شعبه.
(ثانياً) مبدأ العدالة في توزيع التمثيل السياسي في البلاد بين الطوائف المختلفة. لم تنضم أي من هذه الطوائف إلى دولة تقوم فيها الديمقراطية والمساواة على النمو السكاني والأغلبية مقابل الأقلية من السكان. وإلا، لكان كل طرف قد اختار منطقة من لبنان وشكّل فيها أغلبية خاصة به، وبالتالي فإن عدم تطبيق هذا المبدأ سيشجع على تقسيم وربما تفكك لبنان كما هو اليوم.
هنا، وردّاً على الأصوات الداخلية والخارجية التي تتّهم النظام اللبناني بأنه نظام طائفي، ينبغي أن نسجّل، ونؤكد، أن التوزيع الطائفي للمناصب العليا الذي فرضته ظروف تاريخية لا يمسُّ، على الإطلاق، مبدأ المساواة بين المواطنين. فاللبنانيين جميعاً سَواء أمام القانون، وأمام القضاء، وبالنسبة لتقدِمات الدولة من تعليم وطبابة وغيرها. اللبنانيون متساوون في المواطنة، وفي الوطنية.
(ثالثاً) مبدأ سيادة القانون والنظام. يشمل هذا المبدأ احتكار الدولة للقوة العسكرية والعدالة، كما تُنَفَّذ من خلال فروعها الثلاثة: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. لا يحق لأي حزب أو فصيل أو ميليشيا أو مجموعة الدفاع عن سيادة لبنان إلا الدولة وأجهزتها، ولا يجوز لأي مجموعة أو فصيل أن يضمنَ أو يطبق العدالة والنظام إلا من خلال ممثلي الدولة المنتخبين الذين يخدمون في الفروع الثلاثة للحكومة. هذا المبدأ لا يحتمل الاستثناءات.
النظام الدولي
لبنان ملتزم بكافة القرارات التي صدرت وتصدر عن الأمم المتحدة كدولة مؤسسة في هذه الهيئة السامية. تشمل هذه القرارات جميع القرارات التي تصدر في أوقات الحرب والسلم، والتي لها أثرٌ قانوني مُلزِم على لبنان.
إن الامتثال لقواعد وأوامر النظام الدولي هو وسيلة لضمان استقرار لبنان وهدوئه، وكذلك انسجامه واندماجه في المجتمع الدولي.
هدف السلام
لم يكن للبنان في أي وقت طموحات أو خطط لزيادة مساحته أو حدوده البحرية، بل لقد دافع عن احترام حدوده -سواء كانت حدودًا أرضية أو بحرية- وحدوده في الجنوب والشمال في مسعى للحفاظ على النفس وليس للتوسع الذاتي.
من هنا، فإن السلام مع جميع جيرانه، بما في ذلك دولة إسرائيل، هو قدرٌ لا مفر منه لدولة مثل لبنان التي لا توجد لها أعداء مع أي دولة على الرغم من وجود مواقف وآراء حول بعض القضايا ومعاناة بعض الشعوب، مثل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، فإن هذه المواقف وحتى حلّ المشاكل التي تخلقها، يجب ألا تترك لبنان في حالة من الشلل أو المواجهة المستمرة أو العداء غير المجدي مع أي من جيرانه، بل يجب أن تكون مناسبة ليدافع لبنان عن هذه القضايا دون أن يخاطر بخوض حرب على حدوده، أو أعمالِ شَغَب في شوارعه، أو توتّرات مع دول عربية قد تكون أو قد لا تكون قد قررت بعد الانضمام إلى حركة السلام وتحويل الخيار العسكري إلى نشاط دبلوماسي، ما يعود بالفائدة على تلك القضايا التي من المفترض أن تساعدها.
إعادة بناء الدولة الحديثة
لبنان لديه القدرة على إعادة بناء نفسه كدولة حديثة من خلال تبني نهج متعدد الجوانب قائم على سيادة القانون، والمسؤولية المالية، والالتزام بالعدالة الاجتماعية.
نقطة البداية الأساسية هي إنشاء إطارٍ قانوني قوي يعزز الشفافية والمساءلة، ما يضمن احترام المواطنين للقانون ومساهمتهم العادلة من خلال دفع الضرائب في الوقت المحدد، واعتماد مبدأ الحكومة الالكترونية التي تخفف كثيرا من انتشار الفساد والرشى في القطاع العام فضلا عن تسهيل اعمال المواطنين وتخفيف عبء القطاع العام على الخزينة العامة فضلا عن الحدِّ من التوجه الى العاصمة لقضاء المعاملات الادارية حيث تتمركز معظم إدارات الدولة,
سيسهم ذلك في تعزيز ثقافة المسؤولية المدنية وتمكين الحكومة من الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
يجب أن تكون الأولوية في مجال التعليم على جميع المستويات، مع دمج الفنون الحرة والتدريب المهني لتزويد القوى العاملة بمهارات متنوعة ضرورية لاقتصاد تنافسي.
من خلال تحسين جودة التعليم، يمكن للبنان أن ينشئ جيلًا من المفكرين المبدعين والمحترفين المهرة المستعدين لمواجهة التحديات المعاصرة. علاوة على ذلك، فإن إعادة بناء القطاع المالي مع التركيز على المساءلة سيعيد الثقة العامة ويحفز النمو الاقتصادي. يمكن لنظام مصرفي شفاف، مع ممارسات تنظيمية سليمة، أن يجذب الاستثمارات الأجنبية ويوطد الاستقرار الاقتصادي.
بالتوازي مع ذلك، يجب أن يكون هناك تركيز خاص على قطاع الصحة العامة، مدعومًا بالبحث العلمي والالتزام بالصحة العامة، لتحسين جودة الخدمات الصحية وتعزيز صحة المواطنين.
للحفاظ على نزاهة الحكم، من الضروري احترام السلطة القضائية وضمان اختيار قضاة نزيهين وكفوئين يمكنهم تنفيذ العدالة دون تحيُّز، من خلال تحرير القضاء من سلطة السياسيين وتعزيز استقلالية الجسم القضائي.
أخيرًا، ستكون الحرب المستمرة ضد الفساد عبر جميع فروع الحكومة والإدارة العامة أمرًا بالغ الأهمية لإنشاء مجتمع عادل ومتساوٍ، مما يمهد الطريق للبنان ليظهر كدولة حديثة تحترم قيم الديمقراطية والمساءلة والعدالة الاجتماعية.
**
المرحلة الإنتقالية
بين الوضع الحالي والأهداف العامة، والمستقبلية لهذا الإعلان، لا بدّ من المرور في « مرحلة إنتقالية » تبدأ فعلياً مع انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة سيادية لا تعكس التوازنات السياسية داخل المجلس النيابي الحالي وتكون مُحَرّرة من اعراف « اتفاق الدوحة”ـ أي من دون ثُلثٍ لا ضامن ولا معطل، من أجل استكمال مؤسسات الدولة.
تشمل المرحلة الإنتقالية ما يلي:
1ـ التطبيق الكامل للقرار الدولي 1701، وما يتضمنه من قرارات دولية سابقة أهمها القرار 1559. وهذه خطوة لا بدّ منها لكي تقوم في لبنان « دولة واحدة »، أي لكي ينتقل لبنان من طور « الدولة الفاشلة » إلى مرحلة « الدولة الطبيعية » ».
2ـ إلغاء قانون الإنتخاب « الذِمّي » الحالي واعتماد قانون انتخاب عصري ديمقراطي.
3ـ إلغاء المحكمة العسكرية في شكلها الحالي، وحصر دورها بمحاكمة العسكريين وليس المدنيين.
4ـ ضبط أجهزة الإستخبارات التي « تغَوّلت » على المجتمع. والإشارة الأولى هي الحلَ الكامل لجهاز « أمن الدولة » السيء الذكر. وكذلك، إخضاع الأجهزة للقانون، ولمراقبة القضاء، بعد إصلاحه، ولمراقبة البرلمان كما يحدث في كل الديمقراطيات الحديثة.
ّ5ـ إعادة الإعتبار للقضاء اللبناني المستقلّ عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، الذي كنا نفتخر به، حتى تدميره على أيدي الإحتلال السوري، ثم الإحتلال الإيراني.
6ـ إعادة الإعتبار للنظام الديمقراطي القائم على الأغلبية والأقلية، وليس على « ميثاقية مذهبية » مزعومة، وإعادة الإعتبار لتداول رئاسة مجلس النواب التي باتت حكراً على شخص واحد!
7ـ إطلاق يد «القضاء النزيه »، بعد إصلاحه، في قصية تفجير المرفأ، والعشرات من عمليات الإغتيال والإخفاء (أين جوزف صادر) لمواطنين لبنانيين مدنيين وعسكريين. “الحق العام” لا يَسقُط بالتقادم.
8ـ البدء بإعادة بناء الهيئات النقابية المستقلة، في قطاعات الصحافة، والمهن الحرة، والعمّال، والطلاب، بصفتها رُكناً من أركان المجتمع المدني وليس كأدوات ملحقة بأحزاب فاشيّة تابعة للإحتلالات، أو مُلحَقة بـ”وزراة العمل”، كما حدث في السنوات الأخيرة،
برنامج كامل شامل لمستقبل لبنان.