إسرائيل مجرمة أم ضحية؟

0

 

علي إيزادي
(كاتب إيراني)
ترجمة – “شفاف”

الفصل الأول: في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، بعد مرور شهر تقريبا على بداية هجوم حماس على إسرائيل، نشرت بعض وسائل الإعلام كلمات “مسموعة للغاية” لـ”جدعون ليفي”، أحد كبار المحللين في صحيفة “هآرتس”: “أعرف العديد من الاحتلالات التي استمرت لفترة أطول من الاحتلال الإسرائيلي. وكان بعضها أكثر وحشية، على الرغم من أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد العثور على وحشية أكبر من الاحتلال الإسرائيلي. لكنني لا أتذكر محتلاً قدم نفسه كضحية! ليس مجرد ضحية، بل الضحية الوحيدة!”. وواصل ليفي مناقشة الحالة التاريخية لتبرير إسرائيل لجرائمها. وروى بدهشة كلام رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير: “قالت السيدة غولدا مائير ذات مرة إننا لن نغفر للعرب أبداً إجبارنا على قتل أطفالهم! نحن ضحايا، يجبروننا أن نقتل الأطفال، نحن عاجزون! هناك ضحية واحدة، والضحية الوحيدة في التاريخ تمنحنا الحق في أن نفعل ما نريد”.

 

 

الفصل الثاني: في جزء آخر من حديثه، يقول ليفي: “هناك قيمة أساسية عميقة جدا هنا، على الرغم من أن الجميع ينكرونها. لكن إذا خدشت جلد أي إسرائيلي، سيطفو على السطح الاعتقاد بأن الفلسطينيين ليسوا بشراً مثلنا وليسوا مساوين لنا. إنهم لا يحبون أطفالهم مثلنا، ولا يحبون الحياة مثلنا. الفلسطينيون ولدوا ليُقتلوا!”. ومن أجل فهم دوافع هذه الفكرة اللاإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، والتي لا تقتصر على السياسيين الإسرائيليين والصهاينة فقط، لا بد من تحليل أصلها التاريخي. لم تكن جريمة قتل “آشور بانيبال”، الملك الآشوري في بابل، في النصف الأول من القرن السابع قبل الميلاد، مجرد جريمة مرتبطة بشخصيته. كانت توصية من التوراة وهي كالتالي: “إذا اقتربت من مدينة تريد قتالها، فإن لم يفتح لك أهلها الأبواب، ولم يسعوا للصلح، فحاصرها. ولأن إلهك يَهْوَه يريدك أن تسيطر على المدينة، اضرب جميع رجالها بحد السيف، وخذ النساء والأطفال والبهائم غنائم…”.. “في المدن التي يعطيك إلهك يَهْوَه حق تملّكها، لا تترك أي إنسان حيّ على قيد الحياة!” (سفر التثنية الفصل 20) فهل نجح سياسي متطرف مثل نتنياهو، في ظل كرم يَهْوَه، في تحويل غزة التي تعيش في قفص وحصار إلى مقبرة جماعية؟ ربما يرى نتنياهو نفسه أيضاً مثل سلفه “آشور بانيبال”، حيث يريد أن يكرر التاريخ؟

الفصل الثالث: قدم “إيتامار بن غفير”، الوزير الإسرائيلي المتطرف والذي كان صديقا لقاتل “إسحق رابين”، في الأسبوع الثالث من الإبادة الإسرائيلية في غزة مشروعاً للكنيست، يطالب فيه بتسريع إعدام الأسرى الفلسطينيين وقطع رؤوسهم!. فعندما يشجع وزير الأمن الداخلي في دولة ما هذا النوع من القتل ويوصي به، فلماذا لا يطلق على سلوك نظامه في غزة اسم إرهاب الدولة على غرار الفصل العنصري المتفشي؟ وفي هذا الإطار ادعى “يائير لابيد”، رئيس وزراء إسرائيل السابق، بفخر قبل أسبوع قائلاً: “نعم، لقد قتلنا 12 (15) ألف فلسطيني في غزة، لكن غالبيتهم كانوا إرهابيين”. تتجاهل معظم الحكومات المتطرفة المبدأ المهم المتمثل في أن بعض التطرف من جانب الطرف الآخر هو في الواقع رد فعل على تصرفاتها طويلة الأمد المتمثلة في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. لقد سجّلت إسرائيل مآسي تاريخية مثل مذبحة “صبرا وشاتيلا” في سجلها الإجرامي. قال “إيلون ماسك” مؤخراً: “اليهود ينشرون الكراهية ضد بعض فئات المجتمع وفي الوقت نفسه يطلبون من العالم التوقف عن كرههم”. واعترف أيضا في مقابلة انتقد فيها عمليات القتل في غزة: “إذا قتلت طفلًا واحدًا في غزة، فإنك تضيف على الأقل عددًا قليلًا من الأشخاص إلى أعضاء حماس الذين هم على استعداد للموت من أجل قتل الإسرائيليين”. وبعد موقف ماسك هذا، أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية لقب “الدجال”.

الفصل الرابع: الحكومات الغربية، وعلى رأسها أمريكا، كان لها تاريخ طويل من الدعم غير المحدود لسياسات إسرائيل العدوانية والمفترسة. وهذا لا يقتصر فقط على أفكار ومواقف الجمهوريين المتطرفين مثل “دونالد ترامب”. فالديمقراطي “جو بايدن”، الذي يعتبر نفسه صهيونياً بكل فخر، قال قبل 37 عاماً عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي: “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لَكُنّا اخترعناها بأنفسنا”. كما أن الاعترافات التاريخية لـ”روبرت اف كينيدي الابن”، المرشح الرئاسي للولايات المتحدة لعام 2024، يقودنا إلى فهم لماذا تُمثّل إسرائيل الوجود الأمريكي بأكمله. قال كينيدي: “إن إسرائيل بالنسبة لنا تشبه أن يكون لدينا محرك طائرة. إسرائيل هي سفيرتنا، إسرائيل هي أمننا في الشرق الأوسط”.

الفصل الخامس: بغض النظر عن اعتبار النظام الإسرائيلي قاتلاً ومفترساً ويقدم نفسه ضحية للقمع، فإن كل الدلائل تشير إلى أن المنتصر النهائي في المعركة غير المتكافئة الأخيرة سيكون الفلسطينيون. وحتى دعم الفيلسوف الألماني “هابرماس” الضمني لجرائم إسرائيل، والذي كلفه تدمير نفوذه العلمي، لا يمكن أن يمنح العالم القدرة على تجاهل هجوم حماس. ورغم أن هذا النصر لا يمكن أن يبرر الجريمة والأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها حماس في أسر المدنيين، فإن الوحشية والجريمة مدانة من الجانبين. يشير فيلم “روبن هود” إلى نقطة راسخة: “عندما تحدث القسوة والظلم واللاعدالة تجاه الناس في إطار القانون، فإن خرق القانون يسجل نفسه في التاريخ”. منذ ما لا يقل عن 75 عامًا، كان الفلسطينيون ضحايا لسيادة القانون الإسرائيلي المزيف في مجال حقوقهم الإنسانية الأكثر وضوحًا، وفي هذا الصدد، وقف الغرب المقتدر إلى جانب الصهيونية بكل قوته. إن قيام حركة حماس باحتجاز مدنيين إسرائيليين كرهائن وقتل مدنيين كان خطأً كاملاً، مع توضيح أن أسلوب “روبن هود” الذي تتبعه الحركة وإعلانها أن مليونين وثلاثمائة ألف شخص محاصرين في قفص غزة منذ 17 عاماً، يستند إلى نفس منطق “كينيث أوكيف”، وهو من المحاربين الأمريكيين القدامى، حيث يقول: “لا أرى فرقا بين نيلسون مانديلا والجماعات الفلسطينية لأن كلاهما يحارب الفصل العنصري”. ولا ينبغي أن ننسى أنه حتى مانديلا لجأ إلى الأساليب العسكرية العنيفة في السنوات الأولى من كفاحه. ويبدو أن أدنى ثمن ستدفعه إسرائيل هو ما ادعاه الدبلوماسي الإسرائيلي السابق “آلان بنكاس”: “إن نهاية حرب غزة ستكون نهاية حياة نتنياهو السياسية”.

والخلاصة أن مواجهة الغرب مع الظاهرة الفلسطينية هي تعميم لرأي “جيريمي كوربين”، الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، أن “مواجهة بريطانيا مع القضية الفلسطينية هي أعظم كذبة في التاريخ”.

اترك رد

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading