أوردت الوكالة الوطنية للأنباء قبل قليل أن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا تبلغ رسميا من السفارة الاميركية في لبنان ان الصحافيين الاميركيين، اللذين اعلن عن فقدانهما في لبنان، موجودان في سوريغا.
صدر عن مكتب وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود البيان الآتي:
“تابع وزير الداخلية والبلديات موضوع اختفاء المواطنين الاميركيين منذ اللحظات الاولى لابلاغ السفارة الأميركية الأجهزة المختصة بذلك، وأعطى توجيهاته بإجراء الاستقصاءات اللازمة. وقد أعلمت سفارة الولايات المتحدة الاميركية في بيروت الوزير بارود بعد ظهر اليوم في اطار تلك المتابعة، أن بعثتها الديبلوماسية في دمشق في صدد تأكيد هوية المواطنين المذكورين مع السلطات السورية، حيث يجري تحقيق حول شرعية دخولهما الى سوريا، علما أن قيود الامن العام اللبناني لا تشير الى خروجهما أصولا عبر المراكز الحدودية“.
*
بيروت- سعد كيوان
هل عاد لبنان الى زمن خطف الرهائن الغربيين الذي ساد في منتصف الثمانينيات؟ سؤال عاد الى الأذهان وبدأ يشغل الوسط السياسي والاعلامي مع شيوع أمس خبر اختفاء صحافيين اميركيين، قدما الى بيروت من العاصمة الأردنية عمّان، واختف اي أثر لهما منذ أول هذا الشهر.
وتفيد المعلومات الأولية أن الصحافيين الأميركيين، هما شاب وشابة، يعملان في صحيفة “جوردان تايمز” الأردنية التي تصدر باللغة الانكليزية، أتيا الى بيروت لقضاء بضعة أيام، وكانا ينويان التوجه الى سوريا عن طريق طرابلس، من شمال لبنان. وأفادت بعض المعلومات غير المؤكدة أن الصحافيين شوهدا مساء الأول من تشرين الأول، على الخط الساحلي في البترون، باتجاه شمال لبنان، في ما كان يجريان اتصالا هاتفيا. في المقابل، أكدت مصادر في الصحيفة الأردنية أنهما لم يغادرا (أو أنهما لم يكونا غادرا بعد؟) الأراضي اللبنانية.
هل انها حادثة “خطف”، أم “اختفاء”، أم “قتل”، وهل الدوافع المحتملة أمنية، أم سياسية، أم عاطفية خاصة؟
وهل ان التحذير الذي صدر قبل أيام، عن السفارة الأميركية في بيروت، بوجود تهديد أمني هو نتيجة علمها باختفاء الصحافيين، ولكنها لم ترد ان تفصح عن ذلك بشكل مباشر؟
وهل ان للحادثة علاقة بخطف عائلة اردنية من أمام فندق “البوريفاج”، قبل إسبوع، في محلة الرملة البيضاء، غرب بيروت؟ وهل بالتالي ان الهدف من الحادثتين “احراج” الحكومة الأردنية؟
الاسئلة كثيرة ومتشعبة، خصوصا وان الصحافيين غير معروفين في الوسط الاعلامي، وهما لا يزالا في مقتبل العمر، بالاضافة الى انهما لا يعملا في احدى الصحف الأميركية المعروفة، وانما في صحيفة أردنية محلية…
لا شك ان الحادث أمني له ابعاد سياسية. فهو يؤشر أولا الى ان الساحة اللبنانية لا تزال غير محصنة، وهي لا تزال مفتوحة على أحداث كثيرة ومتنوعة. وهو يشكل بطبيعة الحال تحديا لسلطة الدولة اللبنانية وقواها الأمنية الشرعية، التي يتم استفزازها واستنزافها منذ أشهر، عبر أحداث وفتن متنقلة، من الشمال الى البقاع والجنوب وبيروت!
واذا ثبت ان “الخطف” أو “الاختفاء” هو سياسي، أي ان الغرض منه سياسي، واستطرادا اقليمي، فان نتائجه ومضاعفاته ستكون مقلقة وخطيرة. فالصحافيين هما اميركيين، وان الشاب بحسب المعلومات يجيد العربية ويتكلمها بطلاقة، وهو يعمل في ال”جوردان تايمز” منذ أكثر من سنتين. فهل هذا يعني أن الهدف اميركي، وان إتقانه للعربية يعني ربما ألصقا به “تهمة” التجسس؟ وهل ان للحادثة علاقة بما يجري داخليا واقليميا؟
ان عملية “الخطف” أو “الاختفاء” تتزامن مع أجواء احتقان اقليمي، على خلفية التجاذب الأميركي-الايراني واشتداد الضغط على طهران. وهي أجواء تذكر الى حد بعيد بالتي كانت سائدة في الثمانينيات، عندما استعرت موجة خطف الغربيين، بين عامي 1985 و1986، على وقع الحرب المشتعلة يومها بين ايران الخميني وعراق صدام حسين. ولم تحل أزمة الرهائن الا مع انفجار فضيحة “ايران-غيت”، أو “ايران-كونترا”، التي أظهرت ان مفاوضات كانت دائرة في الكواليس بين ادارة رونالد ريغان وملالي ايران، على خلفية التعاون المشترك من أجل “مكافحة الشيوعية” وحركات التحرر في اميركا اللاتينية (نيكاراغوا وسلفادور وغيرها…).
أما على الصعيد الداخلي، وقبل الذهاب بعيدا في الحسابات الاقليمية، يمكن ان يعكس هذه الحادثة انزعاجا من دخول اميركي قوي على الخط، كما برز من زيارة نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد هيل، ونتائجها كما أوضحها هو نفسه في مقابلة مع “اخبارية المستقبل” (ينشر “الشفاف” نصها في مكان آخر). قال هيل ان هناك “جهداً طويل الأمد لبناء الجيش صعودا الى الأعلى…”، أي اعادة بناء الجيش؟
وحول عقيدة الجيش، قال ان ذلك “شأن لبناني”. أما المهام فحددها ب”محاربة الارهاب، ضمان استقرار لبنان وتطبيق القرار 1701″. ولم يتردد الدبلوماسي الأميركي في التأكيد، أن المقصود هو محاربة “حزب الله” (حذف هذا المقطع من نص الحديث عند بثه).
فهل يمكن ان تكون عملية “الخطف” قد تمت على هذه الخلفية، وان من يقف وراءها يريد تسجيل “احتجاجا” قويا على الضغوط التي تمارس على ايران مقابل فتح قنوات الاتصال مع سوريا؟
كما انه لا يمكن بالمطلق، اذا كان هذا هو المقصود من وراء الحادثة، استبعاد دور ما للنظام السوري، الذي مارس في الثمانينيات دور “الوسيط-المحرر” للرهائن الغربيين، كي يكسب ود الاميركيين والأوروبيين. وهو دور يبدو انه يحتاجه في هذه المرحلة!
s.kiwan@hotmail.com