في مثل هذا اليوم من العام 2006، لم يكن لبنان يعيش واحدة من لحظات وحدته الوطنية النادرة. كان العدو الإسرائيلي قد قرر تصفية المقاومة وتدمير بيئتها الطائفية المباشرة. وكانت البيئات الأخرى تضطرب بمشاعر تتراوح بين الشفقة والشماتة. بعد خمس سنوات، ازداد المشهد اللبناني تصدعا وسوءا، وصارت الحرب الأهلية هي البديل المحتمل عن الحرب الاسرائيلية المرتقبة، ولم يعد الاسرائيليون بحاجة الى أكثر من قبة حديدية ترد عنهم اي خطر داهم على جبهتهم الشمالية.
في مثل هذا اليوم منذ خمس سنوات كانت الحرب بمثابة مصادفة قدرية. لم يتوقعها ولم يخطط لها أي من طرفيها. كان تقدير العدو يفيد بأنها ستنتهي خلال يومين او ثلاثة ايام على الأكثر، ولم يكن حزب الله بعيدا عن هذا التقييم. أخطأت اسرائيل في الحساب، وسلمت قيادة العمليات العسكرية الى إدارة الرئيس جورج بوش التي وسعت اهدافها المحلية والخارجية، حتى وصلت بها الى حد التصريح أنها عقاب لإيران. وأخطأ حزب الله في التحليل، وسلمت قيادة العمليات السياسية الى سوريا التي دفعت بها نحو ما لا تحمد عقباه… وما لا تزال آثاره السلبية تتفاعل في كل مكان من لبنان.
ما يتردد بين الحين والآخر عن امارات ضعف في الكيان الاسرائيلي، كلام واهن يراد به حماية الذاكرة، والتخفيف من وطأة النكسات التي مني بها برنامج المقاومة منذ ان انحدر الى الداخل وصراعاته ومناوراته السياسية التي لم يكن يجوز الانخراط فيها، لأن الأيام تثبت انها تهديد دائم لأمن الجبهة مع العدو، وتورط غير محمود في لعبة ليس فيها سوى الخسائر المتلاحقة، وآخرها الحكومة الجديدة وما أثارته من عصبيات كان يمكن بل كان يجب تفاديها بأي شكل من الأشكال.. حرصا على الاقل على حصر أضرار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لا يمكن أحداً أن يزعم ان وضع لبنان افضل مما كان عليه قبل خمس سنوات، ولا يمكن أحداً ان يدعي ان اسرائيل هي في وضع اسوأ من العام 2006. وهو معيار كاف للحكم على الحرب التي اندلعت خطأ، واستمرت صدفة، وتوقفت من غير نهاية محددة.
كانت الحرب خطأ متبادلا، وعبثا متواصلا. لم يتمكن احد من استثمار نتائجها لمصلحته. دفعت اسرائيل ثمنا باهظا من أمنها واقتصادها واستقرارها السياسي، لكنها سرعان ما عوضت خسائرها، وعدلت خططها، واندفعت نحو تكليف اشد متطرفيها اليمينيين وأخطرهم تولي السلطة، وتوجيه رسالة لا تخطئ على مختلف الجبهات مفادها ان الدولة اليهودية في حالة تربص واستنفار تمهيدا لإصدار الأوامر الى قواتها بالخروج الى حرب جديدة، تعيد اليها هيبتها ووظيفتها.. ودفع حزب الله وجمهوره ثمنا باهظا اكثر، لكنه مضى في طريق محفوف بالمخاطر والمطبات، حتى يكاد اليوم يبدو منقطعا عن تلك الذكرى التي استقرت في الوجدان العربي والاسلامي يوما باعتبارها واحدة من علامات الفخر.
(الصورة: الضاحية “ترمى” في البحر,,)