لا تخفي التهاني والتمنّيات التي وجّهتها دولة الإمارات والكويت والسعودية لإيران، بعد توقيع اتفاق فيينا، القلق الحقيقي الذي يراود الدول العربية السنّية من ازدياد طموحات طهران الإقليمية بعد عودتها إلى المسرح الدولي، ومن تصعيدٍ جديد للمواجهة مع الخصم الشيعي.
لقد بذل الرئيس باراك أوباما، منذ بداية ولايته الثانية في ٢٠١٢، كل جهد ممكن للتوصّل إلى هذا الإتفاق، بأمل رسم توازنٍ جديد للقوى في منطقة مشتعلة. ويقول مصدر ديبلوماسي غربي: “ذلك هو رهان أوباما. إنه يرغب في تغيير موازين القوى بين السعودية وإيران، وبين السنّة والشيعة، آملاً في أن تقوم الدولتان بتحييد بعضهما بعضاً، وأن تصبح إيران لاعباً مسؤولاً”!
إن هذا الرهان، الذي يعتبره البعض مخاطرة، ينطلق من تشكيك إدارة أوباما في حصيلة ٣٠ سنة من التمويل السعودي للحركات السلفية والجهادية في الشرق الأوسط، التي عجزت السعودية عن السيطرة عليها، على غرار “القاعدة” وفرعها الجديد، “الدولة الإسلامية”.
ويقدّر مصدر مقرب من دوائر السلطة في الشرق الأوسط أن “هنالك، في واشنطن، احتقاراً عميقاً لبلدان الخليج، في حين تبدو إيران جديدة، وساحرة، ومتقدّمة. ويُنظر إليها كلاعب دولي كبير، يملك منطقة نفوذ خاصة به، في حين يُنظَر إلى طائفيّتها الشيعية كعنصر دفاعي”!
وأنعش وصول الرئيس حسن روحاني إلى السلطة في العام ٢٠١٣، ومعه وزير خارجيته محمد جواد ظريف، والإثنان تعتبرهم الإدارة الأميركية براغاتميين ومسوؤلين، الآمال في انتصار معسكر المعتدلين في طهران ضد دعاة التوسّع الفارسي والعداء لأميركا. ويُعزِّز هذه الآمال تدهورُ صحة آية الله خامنئي، وعمره الآن ٧٥ سنة.
وينسجم هذا التصوّر بصورة مثالية مع “عقيدة أوباما” الداعية إلى الإنسحاب من الشرق الأوسط والرافضة لأي نشر للقوات الأميركية في المنطقة بعد الفشل الذي تعرّضت له أميركا في حربي أفغانستان والعراق. ويضيف المعلّق الذي ينتقد بشدّة السياسة الأميركية في المنطقة: “يرغب السيد أوباما في التعامل مع لاعبين يُفتَرَض بهم أن يفعلوا المزيد بأنفسهم لخدمة مصالحهم. وهو يعترف بوجود منطقة نفوذ لكل واحدة من دول المنطقة وينتهي بدعم الجميع ضد الجميع”!
إن هذه “العقيدة” غير المُعلنة لإدارة أوباما تُعزِّز الوضعية الإقليمية لإيران ومصالحها الإستراتيجية في منطقتها نفوذها الشيعية، التي تمتد من البحر المتوسط (في لبنان) إلى الخليج الفارسي (في العراق)، مروراً بسوريا!
وبعد الإتفاق النووي في فيينا، يُعتَقَد أن الولايات المتحدة ستخفّف حتى أكثر من السابق الضغوط التي تمارسها على إيران للحد من دعمها للميليشيات الشيعية التي تواجه “الدولة الإسلامية” في العراق. وفي سوريا، يُفتَرَض أن تخفّف واشنطن انتقاداتها للدعم الذي تقدّمه طهران للرئيس بشّار الأسد، الذي يُعتَبَر بقاؤه في السلطة مسألة استراتيجية من زاوية المصالح الإيرانية ومن زاوية حليف طهران، حزب الله اللبناني.
لكن ما سبق لا يعني تخلّي واشنطن الكامل عن حلفائها العرب في الخليج، الذين تستمر اميركا في تسليحهم ودعمهم، وخصوصاً في اليمن ضد توسّع الميليشيات الشيعية التي تساندهم طهران.
لقد لعب الرئيس الإيراني حسن روحاني لعبة التهدئة في الخطاب التلفزيوني الذي ألقاه يوم الثلاثاء، مؤكداً على أن إيران تملك كل مصلحة في استقرار الشرق الأوسط. ولكن كلماته لن تكلفي لإقناع الدول العربية السنّية، التي تظل مقتنعة بأن طهران سوف تستخدم قوتها المستجدّة، الإقتصادية والسياسية، لزيادة تدخلاتها في المنطقة.
إن إلغاء الحظر عن مداخيل نفطية تُقَدّّر بـ١٥٠ مليار دولار يثير الدِوار. ويمكن استخدام قسم من هذه الأموال لتمويل حزب الله اللبناني، الذي يقول الخبراء أنه يتلقى ٢٠٠ مليون دولار سنوياً من طهران، أو لزيادة الإعتمادات المخصصة لدعم النظام السوري، والتي قدّرها المبعوث الدولي، “ستيفان دو ميستورابـ٣٥ مليار دولار سنويا!
لم تنتظر دول الخليج السنّية توقيع الإتفاق لكي تتكيّف مع المُعطى الإقليمي الجديد. فقد ضافرت السعودية وقطر وتركيا جهودها منذ أشهر لدعم الثوار السوريين ضد بشار الأسد. وحصلت من الرئيس أوباما، في قمة “كامب دافيد” في ١٣ و١٤ مارس، على تعهّد بزيادة تسليحها. ولم يتردّد الفريق الحاكم الجديد في السعودية، بقيادة الملك سلمان، في الإنعتاق من الحليف الأميركي عبر تشكيل حلف عربي أطلقَ في ٢٦ مارس عملية عسكرية ضد الميليشيا الحوثية في اليمن، التي يُنظَر إليها كـ”حصان طروادة” إيراني في الحديقة الخلفية للسعودية بحكم انتمائها للمذهب الشيعي- وذلك كله بدون حتى التشاور مع واشنطن قبل مباشرة عمليات القصف ضد الحوثيين.
إن المواجهة المتزايدة بين السعودية وحلفائها من جهة، وإيران والجماعات التي تتلقّى تمويلاً منها من جهة أخرى- من لبنان إلى اليمن، مروراً بسوريا- تزيد تشاؤم بعض المراقبين إزاء رهانات الرئيس أوباما.
ويقول مصدر ديبلوماسي أن “الدولتين الكبيرتين في المنطقة لا تملكان مصلحة في التصرّف بمسؤولية. فكل منهما معرّضة لخسائر فادحة”. وبدلاً من الإبتعاد عن القتال، فقد عزّزت كلا الدولتين قدراتهما الدفاعية. وخصّصت السعودية ٥٠ مليار دولار من احتياطاتها الإستراتيجية لتحديث قواتها المسلحة، وخصوصاً قواتها البحرية. من جهتها، خصّصت إيران ٥ بالمئة من ميزانيتها للنفقات العسكرية في الخطة الخمسية التي تم نشرها في ٣٠ يونيو، مع إعطاء أولوية للقدرات الصاروخية بعيدة المدى.
إن أصغر شرارة يمكن أن تشكل حريقاً بين الدولتين. ويضيف المصدر المقرّب من دوائر السلطة في الشرق الأوسط أن الوضع “يتّجه نحو حروب كبيرة. فالإيرانيون ليسوا مستعدين للتصرّف بمسؤولية إزاء تعاظم قوتهم، وسوف يكرّرون أخطاء الماضي قبل الوصول إلى مرحلة نضج”!
ولكن مراقبين آخرين لا يعتمدون هذا السيناريو الكارثي. ويقدّر مصدر ديبلوماسي غربي أن “الخطر هو بالأحرى في استمرار نوع من الحرب الباردة، التي ستشهد مراحل تصعيد ثم مراحل تهدئة. فإلى أي حد يمكن للفريقين أن يتحملا وزر المجابهة؟”
إن التوصلّ إلى نوع من “اتفاق يالطا: بين السعودية وإيران يبدو مستَبعداً في الوقت الحاضر: “باتت المنطقة مُشَرذمة حالياً إلى درجة أن كل لاعب يتصرّف وفق مصالحه الضيّقة وأن أي لاعب لا يستطيع إدارة المنطقة كلها”.
تحليل مراسلة “لوموند”: “هيلين سالون”.