مراسل الفيغارو- رونو جيرار
باستثناء بضعة مدرعات خفيفة تتمركز أمام المتحف المصري أو أمام رئاسة الحكومة، فقد اختفى الجيش من وسط القاهرة. وبعد أن أعلنت نفسها “حامي” ثورة ٢٥ فبراير ٢٠١١ الديمقراطية، فإن المؤسسة الأقوى والأغنى في مصر تحاذر الظهور بقدر الإمكان، مادياً وسياسياً. ومنذ الإطاحة بمبارك، فإن السلطة الحقيقية تتمثل في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتخذ وزارة الدفاع الواقعة في ضاحية هليوبوليس السكنية، على طريق المطار، مقرّا له. ومع أن التلفزيون الحكومي بث، أحياناً، صوراً لاجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن المجلس يظل غامضاً. بل إن أسماء أعضائه لم تُنشَر رسمياً. والواقع أن المجلس يضم ٢٠ ضابطاً من بين أعلى القيادات العسكرية. وهو عبارة عن مؤسسة لا يراها المصريون، ولا يسمعون عنها الكثير، وتحرص على البقاء في الظل، كملاذٍ آخير. وتتولى الحكومة، التي يترأسها الدكتور عصام شرف، وو رجل معتدل ونظيف وكفؤ ومثقف، الشؤون اليومية بقدر وِسعها. وبعد أن ظلّوا في السلطة بصورة متواصلة منذ “ثورة الضباط الأحرار” في العام ١٩٥٢، فقد قرّر العسكريون أن يعيدوا السلطة للمدنيين. ولا يبدي الماريشال طنطاوي (٧٢ عاماً)، ولا أي من الجنرالات الأصغر سنا الأعضاء في المجلس الأعلى أدنى رغبة في تحمّل أعباء التحديات الإقتصادية والإجتماعية التي سيتوجّب على مصر أن تواجهها. ولن يتقدّم أي منهم بترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية المقرّرة
في شهر نوفمبر.
السؤال الأكبر، إذاً، بعد قرار الجيش تسليمَ السلطة للمدنيين بأسرع وقت، هو: من هم المدنيون الذين سيحكمون “الجمهورية الثانية” في مصر؟ لقد كانت ثورة ميدان التحرير حركة عفوية قام بها مواطنون انصبّت وجهتها على رفض الإستبداد والفساد في قمة الدولة. ولم يظهر أي “لينين”، أو أي “فيديل كاسترو”، أو أي “خميني”، في ثورة ميدان التحرير.
بالمقابل، ظهر عدد لا يحصى من اللجان غير الرسمية التقى فيها شبان أقباط ومسلمون وكانت تتشكل أو تنفرط تبعاً لتطوّر الأحداث. لقد بات نموذج “الريّس” مكروهاً في مصر إلى درجة أن أحداً لا يرغب به، بما فيهم أعضاء حركة الإخوان المسلمين. وبات كل مواطن مصري يعتبر، اليوم، أنه يستطيع أن يعبّر عن وجهة نظره في كيفية إدارة شؤون الدولة. وإذا ما سألت أي مصري في الشارع، فإنه دائماً يجيب: “رأيي الشخصي هو….”، قبل أن يتحدث عن المؤسسة أو الجماعة السياسية التي يشعر أنه قريب منها. إن “المدوِّنين” الشبّان الذين لعبوا دور خميرة الثورة لا يملكون كفاءات معروفة أو حتى الرغبة في تولّى رئاسة مؤسسات مصر المستقبلية. من سيحكم مصر، إذاً؟ إنه المجهول الأكبر، ولكنه مجهول لا يخيف أحداً في القاهرة، حيث استعادة الحياة نمطها الطبيعي، باستثناء أن البلاد خسرت ٧٠ بالمئة من عدد السوّاح المألوف.
مصر لا تسير نحو إقامة جمهورية إٍسلامية
بانتظار الإنتخابات الرئاسية المقرّرة في ٢٢ نوفمبر، يبدو الأمين العام لجامعة الدول العربية ، “عمرو موسى”، الأكثر حظاً. وقد أعلن، هو الآخر، أنه يرفض نموذج “الريّس”، وأنه لا يطمح سوى لولاية واحدة من ٤ سنوات تتيح له أن “يضع البلاد على السكة” من جديد. ولكن عمرو موسى، البراغماتي والكفؤ والنظيف، والمحبوب في قرى الدلتا وفي السفارات الأجنبية، لن يملك أغلبية برلمانية. والمشكلة هي أن العسكريين تسرّعوا ووضعوا موعد الإنتخابات التشريعية قبل الإنتخابات الرئاسية. حيث أنه سيتوجّب على النواب أن يعيّنوا جمعية تأسيسية تضم ١٠٠ شخصاً لوضع دستور جديد للبلاد. ولا سبيل لتغيير هذه المواعيد لأن شعب مصر أقرّها باستفتاء تمّ في ١٩ مارس الماضي وشارك فيه ١٨ مليون مصري، وهي نسبة مشاركة كبيرة جداً بالمقارنة مع “الإنتخابات” التي كانت تجري في عهد مبارك.
ما هي النسبة التي سيحصل عليها تنظيم “الإخوان المسلمين” القوى- الذي انضمّ للثورة في أسبوعها الثاني- في إنتخابات سبتمبر المقبلة؟ قبل ٤ أيام، نشرت “المصري اليوم” إستطلاع رأي بيّن أن الإخوان سيحصلون على ٥٦ بالمئة من الأصوات، مقابل ٦ بالمئة فقط لـ”المصريين الأحرار”، وهو حزب مديني متعدّد الطوائف انبثق عن حركة ميدان التحرير. هل يعني ذلك أن النتيجة محسومة سلفاً؟ كلا، فالإخوان المسلمون الذين كانوا يشاركون في الإنتخابات في عهد مبارك، يملكون ميزة الأقدمية وتاريخهم الذي يعود إلى سنوات العشرينات من القرن الماضي. وقد نجحوا، في الماضي، في سد الفراغ الناجم عن غياب الدولة المصرية سواء في القرى أو في ضواحي القاهرة والإسكندرية، بخلق مدارس ومستوصفات للفئات الأكثر فقراً. ولكن، هل يتاح لأحزاب مثل حزب “الوفد” الإستقلالي البرجوازي، أو للأحزاب الجاري تأسيسها الآن، الوقت الكافي قبل شهر سبتمبر للإستفادة من الإنتخابات التي ستجري على أساس “النسبيّة”؟ ذلك ليس مستحيلاً. ففي آخر إنتخابات جامعية، لم يحرز “الإخوان” سوى ١٨ بالمئة من الأصوات، مما يعني أنهم لا يملكون الأغلبية في الوسط المثقف والمسيّس.
وأيّا كانت نتائج الإنتخابات، فإن مصر لا تتّجه نحو بناء جمهورية إٍسلامية. أولاً، لأن “الإخوان المسلمين”، الذين يتخذون من الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا نموذجاً لهم، يُبدون إنفتاحا مدهشاً. لقد تحدّثنا إلى “سارة محمد”، وهي طالبة صيدلة وكانت عضواً في إحدى “منسّقيات” ميدان التحرير مع أنها عضو مُعلَن في الإخوان، وسألناها عن رؤيتها لمصر الغد. ماذا عن الكحول؟ رغم قناعاتها الدينية، فقد أجابت بأنه ليس مطروحاً أن يُمنع الكحول في بلد يضم أقلية قبطية كبيرة عدا أن مصر تعيش، جزئياً، من السياحة. وتدعو “ساره” إلى اعتماد “دستور مدني”، أي دستور غير ديني. ماذا عن العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل؟ تجيب : “الشعب سيقرّر ذلك، فالمبدأ الديمقراطي ينبغي أن يعلو على أي مبدأ آخر…”. ماذا عن إيران؟ تجيب : “إنها نظام ديكتاتوري مقزّر، ويزوّر الإنتخابات”!
المصريون شعب معتدل بالطبيعة
مع أن المرء ليس مضطراً لتصديق كلّ ما يقوله الإخوان المسلمون، فثمة صمامات أمان متعددة تحول دون إقامة نظام إسلامي متطرّف. هنالك، أولاً، الجيش الذي لن يسمح لحزبٍ وصل إلى السلطة بفضل الإنتخابات أن يمتنع عن الإحتكام لصناديق الإنتخابات بعد ٤ سنوات. وهنالك المكانة الكبيرة التي تتمتع بها “جامعة الأزهر “، حيث قام رئيسها الجديد، “الشيخ طيب”، وهو صوفي حكيم، بعملية “نزع الطابع الوهّابي” بصورة منهجية عن هذه المؤسسة التي تُعتبر الأكثر نفوذاً بين سُنّة العالم. وأخيراً، هنالك الأهمية البالغة التي يمثّلها “الإنترنيت” في نظر الشبّان، بوصفه نافدة ً على العالم الحديث، وبالتالي أداة لا تَضاهي للحؤول دون انتشار التعصّب الديني.
مع ذلك، وإثر إستفزازات متكررة قامت بها جماعة “سَلَفية” صغيرة- لا صلة لها بالإخوان المسلمين- فإن الأقباط لا يُخفون قلقهم. وفي مطلع شهر مارس، تم اكتشاف قصة غرام بين شاب قبطي وشابة مسلمة، فتوالت اللعنات والتكفير. وحدثت مناوشات قُتل فيها إثنان من أهل الفتاة، وجرت عملية إنتقامية ضد الكنيسة التي أُحرقت. ثم انتقلت المصادمات إلى جبل المقطّم، حيث تعرّض فقراء الأقباط لهجوم. وتم استخدام البنادق فسقط ٧ مسلمون و٦ أقباط. وشعرت أقباط مصر، الذين يمثلون ١٥ بالمئة من ٨٠ مليون مصري، باستياء بالغ. ولكن الجيش المصري قام بردّ فعل فوري، بعكس ما كان يحدث في عهد مبارك، وشرع بإعادة بناء الكنيسة. وبالفعل، تم إفتتاح الكنيسة مجدداً يوم خميس الآلام الماضي بمشاركة شخصيات قبطية ومسلمية من القاهرة.
إن الغربيين المستعربين المقيمين في القاهرة، مثلهم مثل الصحفيين الشبّان المؤيدين للثورة، يجمعون كلهم تقريباً على أن المصري العادي شخص معتدل سياسياً بالطبيعة. وبناءً عليه، فإذا ما نجحت الدولة الديمقراطية، بمساعدة الجيش، في فرض سلطتها، فمن المستبعد أن تغرق البلاد في عنفٍ طائفي.
وبالمناسبة، فذلك هو “رهان” جميع الشركات الفرنسية التي تملك إستثمارات في مصر (١٠ مليار أورو): فرغم هبوط النشاط الإقتصادي في البلاد بنسبة ١٥ بالمئة، فقد قرّرت جميعها أن تبقى في مصر.
أي مدنيّون سيحكمون “الجمهورية الثانية” في مصر؟
You have no clue about Egypt. Egypt is full of radical moslems and is the root cause of terrorism around the world. You either don’t what you are writing about or just want to B.S whatever. Open your eyes and go live in the city for few weeks.