يطرح الكثير من العلمانيين المتابعين للوضع المتأزم في الدول العربية في ظل التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، العلمانية بوصفها مشروعا يحمل “خلاصا” للأزمات فيها. ويرفع هؤلاء شعار “العلمانية هي الحل”، ما يشبه شعار الإسلاميين “الإسلام هو الحل”. ويؤكد هؤلاء أن ايديولوجيا الحل، أو الحل الواحد والوحيد والنهائي لأزماتنا في الوقت الراهن هو الحل العلماني، من دون أن يوضحوا طبيعة هذا الحل، ومن دون أن يشيروا إلى الصور المتعددة التي يحملها مضمون الكلمة، متجاهلين أن جزءا رئيسيا من اسباب استمرار أزماتنا يتمثل في تبنينا لثقافة “الحل الواحد”، أو ما يسمى بأيديولوجيا “الخلاص النهائي”. في حين أصبح واضحا وجليا أن أحد أسباب استمرار الأزمات في مجتمعاتنا هو تخلي مثقفيها ورموزها وأفرادها عن تبني فكرة تعددية المناهج التي تسعى إلى وضع حلول للأزمات، في مقابل تبنى الحل المؤدلج الذي عادة ما ينتهي به المطاف إلى ترسيخ الاستبداد.
فهل العلمانية يجب أن تكون “الحل الوحيد” لأزماتنا كما يقول هؤلاء؟ وبتحديد أدق، هل هناك علمانية معينة، أوهناك عدة علمانيات يمكن أن نختار منها ما يفيد مجتمعاتنا؟ وهل اختيار علمانية واحدة معينة مشروط برفض وطرد الحلول العلمانية الأخرى؟ هل هو مشروط بإلغاء المدارس الفكرية غير العلمانية التي تتبنى حلولا للأزمات؟ وهل يمكن اختيار علمانية لا تتناسب وظروف مجتمعاتنا، كالعلمانية التي يعتبرها مفكرون غربيون “معادية” للأديان، فنعتبرها شرط وحيد لتحول مجتمعاتنا نحو الديموقراطية؟
وفق المفكر الامريكي الفرد ستيبان، هناك علمانية فرنسية تعتبر بشكل عام “معادية” للدين، وهي تطالب بفصل “كامل” للدين عن الدولة. يعتبر ستيبان أن هذه العلمانية ليست الوحيدة كشرط لتحقيق الديموقراطية في أي مجتمع من المجتمعات. ووفق العلاقة الحميمة التي تربط الدين بالمجتمعات العربية، ومنها المجتمع الكويتي، نتساءل: ما هو الشرط اللازم للتعايش بين الديموقراطية والدين؟
وفق ستيبان، لا بد من وجود نوع من الفصل والتفكيك بين الدين والدولة، ويجب ان يتبع هذا التفكيك بروز مؤشر على التسامح عند الطرفين. فلابد أن يؤدي التسامح إلى عدم تدخل الطرفين في شؤون بعضهما البعض، وكذلك إلى عدم وصاية كل طرف على شؤون الطرف الآخر. فهناك عدة صور للعلمانية يطرحها المفكرون كمنهج فكري ينظم عملية تحول المجتمعات نحو الديموقراطية. أما الصورة الأولية فهي ليست فقط اللتي تعبر عن العلمانية ولا يمكن أن تنجح في مجتمعاتنا العربية المسلمة كمنهج للتغيير.
لابد هنا ان نشير إلى أمثلة تدلل على وجود نموذج توافقي بين الدين والدولة في عدة دول غربية عريقة بالديموقراطية. إذ ليس صحيحا أن كافة المجتمعات الغربية تعادي الأديان، بل الكثير منها يعيش في ظل علمانية تنظم العلاقة بين الدين والدولة أو بين الدين والديموقراطية بشكل توافقي. فألمانیا والنمسا وبلجيكا وسويسرا وهولندا، على سبيل المثال، تدافع عن هذا النموذج. وفي المانيا تجمع الحكومة الضرائب للكنائس البروتستانتية والكاثوليكية. كذلك، فإن ثلث أعضاء دول الاتحاد الأوروبي ال27 لديهم كنائس رسمية.
البعض يطرح مثالب للدلالة على أن العلمانية والديموقراطية لن تستطيعا أن ترسخا قدميهما في المجتمعات العربية المسلمة ما لم يسبق ذلك تحول ثقافي يعالج تلك المثالب والمتمثلة في انتشار الفقر وترسيخ عامل الدين في الواقع السياسي/الاجتماعي وتغلغل الخرافات الدينية والجهل. وحين مراقبة مجتمعات تنتشر فيها تلك المثالب، نجدها في الوقت نفسه تتعايش مع العلمانية والديموقراطية بصورة سلسة، حتى أن الكثير من المفكرين والباحثين والمراقبين وصفوا ديموقراطية وعلمانية تلك المجتمعات بالعريقة، وتمثل ذلك في المجتمع الهندي والتركي.
وقد استطاع 300 مليون مسلم خلال السنوات العشر الماضية أن يتعايشوا مع الديموقراطية في تركيا وألبانيا وإندونيسيا والسنغال بصورة كانت ملفتة للمراقبين. وفي الهند، هناك 178 مليون مسلم يعيشون في ظل نظام ديموقراطي عريق. ووفق استطلاع جرى هناك فإن 71% من الهنود، ومن بينهم مسلمون، يعتبرون أنفسهم حماة لديمقراطيتهم. أي أن ما يقرب من نصف مليار مسلم يعيشون بصورة سلسة مع الديموقراطية والعلمانية.
هنا لابد من طرح سؤالين: الأول، هل كان هناك تفسير جديد للدين في هذه المجتمعات المسلمة ساعد الديموقراطيات فيها؟ والثاني، هل كانت هناك سياسات حكومية جديدة في تلك الدول، إلى جانب وجود تسامح عند المتدينين والسياسيين، ساعدت في تطور الديموقراطيات؟ الإجابة على السؤالين هي: نعم. وبالذات فيما يتعلق بالسياسات الحكومية التي ساهمت في تقوية الاحترام المتبادل بين الدين والديموقراطية. وهناك مؤشرات على ذلك.
ففي الهند وإندونيسيا والسنغال، وهي دول ديموقراطية، هناك احتفالات رسمية وكذلك عطل رسمية خلال الأعياد الدينية المختلفة. مثلما هناك عطل رسمية متعلقة بالمناسبات الدينية في الدنمارك وألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا، حيث عدد أيام تلك العطل هو 76 يوما.
في إندونيسيا هناك 6 أيام عطلة رسمية تتعلق بمناسبات المسلمين، و 7 أيام عطلة رسمية تتعلق بمناسبات الأقليات الدينية الأخرى. وفي السنغال، تصرف الحكومة تذاكر مخفضة للمسيحيين الكاثوليك ممن يريدون زيارة الفاتيكان. وفي الهند وإندونيسيا والسنغال، يتفوق التعاون بين الحكومة وبين القائمين على الأديان على التعاون بين الطرفين في فرنسا، كما أنه يتفوق على السياسات التوافقية بين الحكومة الأمريكية والكنيسة.
اذا، لابد من الإشارة أن للعلمانية عدة صور، وأن صورتها المعادية للدين لا تصلح أن تكون حلا لأزمات مجتمعاتنا العربية المسلمة. وأنه لابد من علاقة توافقية بين العلمانية والدين، وعلى أثر ذلك ستنشأ علاقة توافقية بين الدين والديمقراطية أو بين الدين والدولة، يكون أساسها نوع من “الفصل” التوافقي بين الطرفي، قائم على ضرورة التسامح والتفكيك.
كاتب كويتي
تحليلات الاستاذ فاخر سلطان والحل المطروح هنا اعتقد انه طوباوي اكثر من واقعي، فأنت تعرف يا أستاذ ان الإسلاميين وهم الاغلبيه الساحقة في مجتمعاتنا لا “تساوم” فالشريعة واستعباد المراه هو الأساس وينظرون ليس للعلماني فحسب بل حتى الاسلامي المختلف نظره إقصاء وكراهيه.. ما من حل لهذه الشعوب المكبوتة في المدى المنظور… فمن يقدس قيما وأشخاصها منحرفه لا تستطيع فلاسفة العالم تقويمه، والخنوع لدكتاتوريات لعقود بل قرون زاد الطين بله.