من واقع تجاربي مع الفلسطينيين، التي تمتد لسبعة عقود، أستطيع القول إنهم الأقوى شكيمة في قراع الخطوب، والأشد مراساً في القتال، والأكثر تعطشاً للتعليم، والأحب للإنجاب ربما لخوفهم من أن تقتل إسرائيل ابناً لهم، ويموت ثان في حادث طريق، وتقتل الأنظمة العربية والبلدية اثنين أو ثلاثة منهم، وعليهم بالتالي إنجاب أكبر عدد من الأبناء، ليستمروا في البقاء والمقاومة!
* * *
بصراحة، ومن دون مجاملة، ومن واقع خبرتي العملية والمصرفية الطويلة في جمع التبرعات، وجدت أن الفلسطيني الثري جداً، بشكل عام، هو الأقل مساهمة في نضال أمته وشعبه، والأقل بذلاً للقضية، مقارنة بغيره، الأقل قرباً للقضية، وهذا ما خبرته وقرأت عنه وسألت فيه. وقد أكون مخطئاً، وان هناك من بذلوا الملايين، لكني وغيري الكثير لم نسمع بهم، وهذا أمر معيب بحد ذاته، فالتبرع للقضية ليس مسألة تشبه دفع مبلغ لجار فقير ونشر صورته و«عرضه» بعد ذلك، بل هو قضية شعب. فالكرمُ مُعْدٍ، كما خبرت كثيراً، ويجب أن يعرف العالم مَن دفع ومَن عمّر ومَن صرف، والأهم من ذلك كيف ولمن، لتكون هناك رقابة وملاحقة تالية لما تم التبرع به، ففي عهد عرفات مثلاً، لم يعرف أحد يوماً موازنة منظمة التحرير أو «فتح»، وكان «الختيار» هو الآمر الناهي على كل فلس، وأول حساب مصرفي لـ«فتح» كان مع البنك الذي كنت أعمل به وأديره عام 1965. ويقال اليوم أن جزءاً كبيراً من أموال المنظمة اختفت مع رحيل أبو عمار!
من الأمور التي لا يعرفها البعض أن الحركة الصهيونية، التي سعت، على مدى عقود، لإيجاد وطن لليهود، عملت بإخلاص وتفانٍ عجيبين لتحقيق الفكرة، ولم يعرف يوماً تورط أي من القائمين عليها في أية فضيحة أو استيلاء على أموالها، على مدى نصف قرن سبق تأسيس دولتهم، وهذا ما لم يتحقق في جانبنا، على الرغم من كل تكرارنا بمختلف الأمثلة والنصوص الدينية، فقد ضاعت المليارات واختفت بفعل فاعل. ويعتقد البعض أن غياب المحاسبة على ما تدفعه الدول، والخليجية بالذات، لدعم «الكفاح الفلسطيني» هو السبب في تقاعس البعض عن إيجاد حل للقضية. والسبب، ربما، في تقاعس الأثرياء الفلسطينيين في التبرع لها، خاصة مع غياب الجهة «الأمينة» التي يمكن التبرع لها!
يحمل فلسطينيو الشتات عشرات الجنسيات، تغطي العالم أجمع، ويتواجد أغلبيتهم في دول الخليج والأردن وأوروبا الغربية، والأميركتين. وتقدر جهات ثرواتهم بحوالي 200 مليار دولار، فهَوَس الفلسطيني بجمع الثروة، لا يقل عن هوسه بإنجاب الأبناء.
* * *
ليس هناك شك في أن القضية الفلسطينية تعرضت للخيانة، فهناك من باع أرضاً، أو تعاون مع الاحتلال، لكن مقابل هؤلاء الأفراد المعدودين هناك الملايين، الذين لم يخونوا وطنهم، ولم يبيعوا أراضيهم. وبالتالي مطلوب من الوطنيين الفلسطينيين، وأثريائهم بالذات، السعي لتأسيس صندوق وطني، ليس للإغاثة، بل لنهضة فلسطين. فعندما جاء المهاجرون اليهود بأسرهم وأموالهم لفلسطين، كان أول عمل قاموا به هو تأسيس «الجامعة العبرية» في القدس، التي أصبحت تالياً من أفضل جامعات العالم، وفشلنا طوال مئة عام، ليس في فلسطين فقط، بل وفي كل الدول العربية في خلق جامعة «وطنية» تماثل حتى نصف مستواها.
يمكن عن طريق غوغل معرفة كل مليونير فلسطيني الأصل، وما بإمكانهم القيام به من معجزات لوطنهم، مجتمعين أو منفردين، والمشاركة الحقيقية، ليس في دعم كفاح أهالي غزة ومساعدة شعب القطاع، بل المساهمة في تأسيس دولة نموذجية!
والخلاصة، مهم جداً انتصار الفلسطينيين في كفاحهم، وحصولهم على وطن، ولكن الأهم توفير الاستدامة للوطن الموعود، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير توفير تعليم راق، وتقدم حضاري، واحترام لحقوق الإنسان.
عقب 7 اكتوبر؛ برز الامريكي المسلم “شهيد بولسن” كصاحب رأي عميق واستثنائي ومعاصر في فهمه للثقافات والتوازنات والتغيرات للعالم الذي نعيش؛ حظيت رسالته الى الاسرائيليين بما يقرب من مليون مشاهدة على موقعه “الأمة الوسط” على يوتيوب وترجمت لعدة لغات منها العبرية والالمانية؛ وحظيت باهتمام ملحوظ على السوشال ميديا؛ واصل بعدها بسلسة من الفيديوهات؛ ولعل افضلها “الدعاية السلبية التي يقوم بها الغرب ضد زعماء المسلمين” ؛ فالنظام العربي قطع مسافة طويلة من الاصطفاف كالمواشي خلف امريكا في عاصفة الصحراء 1991 وموقف العاجز ازاء احتلال العراق 2003؛ والآن يصفق الباب بوجه بايدن ولا يسمع بلينكن سوى وقف الحرب واغاثة الفلسطينيين ويتبعون القول… قراءة المزيد ..
“هم في غيبوبة”