عرضت جريدة “لوموند” اليوم تقريراً جديداً حول إنتاج النفط في العالم يتضمّن تقديرات مثيرة للقلق، وخصوصاً في ما يتعلّق بمستقبل إنتاج النفط في دول الخليج العربي الخمس:
توصّلت دراسة جديدة أعدتها “إينرجي ووتش غروب” الألمانية إلى خلاصة مثيرة مفادها أن إنتاج النفط في العالم بلغ نقطة الذروة، أي نقطة إستخراج نصف الإحتياطي العالمي، في العام 2006؟ وبناءً عليه، سيدخل إنتاج النفط مرحلة تناقص بمعدّل 3 بالمئة سنوياً، وسينخفض إنتاج الشركات في العالم إلى 39 مليون برميل في اليوم بحلول العام 2030 مقابل 81 مليون برميل حالياً.
ويعتبر العلماء العاملون في إطار مجموعة “إينرجي ووتش غروب” أن الإحتياطات المثبتة (أي القابلة للإستغلال والمربحة بمقياس الأكلاف الحالية) لا تصل إلى 1200 مليار برميل (كما تزعم الإحصاءات الرسمية) وإنما إلى 854 مليار برميل.
ويتعلّق الفارق بين هذه الرقمين بالبلدان الخمسة المنتجة في الشرق الأوسط: السعودية، إيران، العراق، الكويت، والإمارات. فاحتياطي هذه الدول الخمس يبلغ340 مليار برميل وليس 630 – 710 مليار برميل كما تؤكّد التقديرات الأكثر تفاؤلاً.
وحسب التقرير: “في هذه المنطقة من العالم، سيتّجه الإنتاج للإنخفاض في مستقبل قريب”. وسيكون لذلك تأثير سلبي على الدول المستهلكة التي تعوّل على هذه الإحتياطات بالذات لدعم نموّها الإقتصادي، خصوصاً أنه يتوقّع أن يبدأ الإنتاج في الدول غير الأعضاء في “أوبيك” (روسيا، المكسيك…) بالإنخفاض إبتداءً من العام 2010.
زيادة الإستخراج ليس في مصلحة بلدان الشرق الأدنى في المدى الطويل”
إن المستوى الحقيقيي للإحتياطات غير قابل للتحقّق بدقّة. فالدول المنتجة ليست ملزمة بالشفافية. وهذا هو السبب في أن “إينرجي ووتش غروب” تقدّر إحتياطات إيران بـ44 مليار برميل (مقابل 130 مليار برميل رسمياً) بناءً على معلومات مهندس سابق في “شركة النفط الوطنية الإيرانية”. أما إحتياطات السعودية فتبلغ 181 مليار برميل وليس 262 مليار برميل.
إن حسابات مجموعة الخبراء الألمان تستند إلى الإنتاج الحقيقي وتأخذ بالإعتبار الصعوبات التي تواجهها الشركات (إمكانية الوصول إلى الموارد، التأخير في المشروعات). وقد تعرّض عدد من شركات النفط الكبرى لحالات إنخفاض قوي في الإنتاج خلال الأشهر الأخيرة. كما يشدّد تقرير “إينرجي ووتش غروب” على أن حقول النفط الكبرى في منطقة الخليج قد بلغت نقطة الذروة وأن “زيادة الإستخراج ليس في مصلحة بلدان الشرق الأدنى في المدى الطويل”. وخصوصاً السعوديين، الذين يُعتقد أن إنتاجهم بدأ فعلاً بالإنخفاض.
ويردّ أحد كاتبي التقرير، وهو جورغ شيندلر، على الذين ينتقدون منهجية الحسابات المتعمدة بالتذكير بأن نفس المنهجية سمحت لـ”إينرجي ووتش غروب” بأن “تعلن، عن صواب، بأن إنتاج بحر الشمال بلغ نقطة الذروة في العام 2000”. وتعتقد “إينرجي ووتش غروب” بأن “العالم دخل الآن في مرحلة تغيير إقتصادي بنيوي” بسبب إستنزاف النفط، وبأن “الوكالة الدولية للطاقة” توجّه “رسالة خاطئة” للسياسيين، والصناعيين والمواطنين على السواء.
مع ذلك، ينبغي النظر إلى هذه التقديرات ببعض التحفّظ. فحتى “هيئة دراسة نقط الذروة” (Association for the Study of Peak Oil= ASPO) ، التي تضم مجموعة من علماء جيولوجيا النفط المقاعدين، والمعروفة بنقدها لتفاؤل الشركات و”الوكالة الدولية للطاقة”، تقدّر بأن النفط سيدخل نقطة الذروة في العام 2011، وأن الإنتاج العالمي سيبلغ 65 مليون برميل يومياً في العام 2030 (مقابل 116 مليون برميل حسب تقدير “الوكالة الدولية للطاقة”).
وينسجم التقرير مع أهداف “إينرجي ووتش غروب”، التي يناضل مسؤولوها من أجل إعتماد طاقة قابلة للتجدّد (الطاقة الشمسية، والهوائية، والبيولوجية..) ومن أجل تعزيز كفاءة إستخدام الكهرباء. وأحد مسؤولي المجموعة هو النائب في البوندستاغ الألماني، السيد فيل، الذي يعتبر من أبرز المسؤولين عن مشروات الطاقة النظيفة في ألمانيا.
يضاف إلى ذلك أن السيناريو الأسود الذي ترسمه “إينرجي ووتش غروب” لا يراعي بصورة كاملة التقدم الحاصل في تقنيات الإستخراج والإنتاج، التي ستسمح بزيادة نسبة الخام القابل للإستخراج. كما أنه لا يقلّل من أهمية أنواع النفط المسمّاة “غير تقليدية” (الرمال الزفتية، الزيوت الثقيلة..) التي ستصبح مقبولة الكلفة إقتصادياً مع بلوغ سعر البرميل 90 دولاراً، وهذا مع أن الإستخراج يتم بأكلاف كبيرة جداً لجهة الطاقة المستخدمة والتأثير على البيئة. ففي العام 1950، أي قبل الإكتشافات الكبرى لحقية 1950-1970، كان معدّل العلاقة بين الإحتياطات المثبتة والإنتاج السنوي هو 22 سنة. ولكنه ارتفع الآن إلى 44 سنة.
بيار عقل
يمكن قراءة التقرير كاملاً صفحة “الشفّاف” الإنكليزية: