كأن فترة زمنية تائهة تترنح في المكان.. تبدو عليها حيرة ما.. هل لأنها لم تحدد وجهتها بعد..؟ النهار يحاول أن يلم أشعة شمسه المتعبة، والليل متأهب ليسدل ستاره المعتم بين زوايا غرفة المكتب.. أثناء ذلك العبث الإلهي اليومي.. كانت اللحظات تمر على عماد ببطء عجيب وهو واقف يتأمل تحركات الزمن خلال نافذة يتيمة تتوسط الحائط.. يعرف أن حبيبته نادية ستأتي في أية لحظة.. يقلقه أنها لن تطرق الباب.. لأن هذا مكتبها.. بل هي شركتها، لذلك تمتلك مفاتيح الأبواب كلها..
عاد السكرتير إليه مرة أخرى ليطمئنه أن نادية اتصلت تواً وأخبرته أنها قادمة الآن.. همممممم ..الآن؟؟ الزمن الوحيد الذي تعجز عقارب الساعة على تحديده بثبات وثقة.. هذا آن مرّ.. وآن آخر مر وثالث ورابع.. وهي لم تصل بعد..
تملل عماد من الوقوف أمام النافذة وهو يحدق في المارة.. يبدون وكأنهم “روبات” بتقاسيم بشرية وبمشاعر مصطنعة.. عاد للمقعد الممتد وجلس على حافته.. وأخذ يجول بناظريه في أجواء المكتب.. لا تـَميز فيه.. مثل أي مكتب لإمرأة تقمصت شخصية رجل لا يجد وقتاً لنفسه ولا لمن يحبهم.. أوراق وكتب مصففة.. أقلام موزعة بترتيب خانق على سطح المكتب.. أجندة مواعيد وجهاز كمبيوتر يتسم بالبلادة.. شاشته معتمة.. لوحة فنية على الحائط امتزج الفن فيها بالمرارة.. تُصور إمرأة متشحة بالسواد من رأسها الى أخمص قدميها، لا لشيء إلا لأن حظها العاثر أوجدها على أرض تمقت النساء..
قَطَعَ تأمله السكرتير مرة أخرى… التفت إليه وهو يتحرك بسكينة والابتسامة ترسم تقاسيمه.. كان يحمل صينية ضيافة فيها طلبه.. اقترب منه ووضع كوب القهوة على الطاولة المستديرة مع كأس ماء بارد.. تمتم بعبارات لا معنى لها.. اصطنع الانشغال بأمر ما.. ثم خرج من الغرفة لكي يبين له أهمية الوقت في هذا المكان.. لم يكن السكون قط مزعجاً بالنسبة لعماد كما هو الآن.. المكتب مليء بكل شيء سوى حبيبته الذي صوتها يبعث فيه الحياة.. ها هي حيطان الغرفة تبث مللها من الصور المتشبثة بها.. لا تشتكي.. الصمت يكسوها لأنها حيطان.. لا يعرف مشاعر الحيطان وبؤسها سوى شعوب العالم الثالث الذين تربوا طوال حياتهم على أن يلوكوا الصمت ويجتروه..
جلس عماد على المقعد واحتسى القهوة الأمريكية بسرعة.. ومن ثم ارتشف كأس الماء.. للحظات لم يفرق كثيراً بين طعميهما.. ماذا شرب؟؟ ومن أتى بعد الآخر؟؟ هل يسألهما؟؟ القهوة لا تدري كيف اكتسبت مرارتها.. والماء لا يدري من قدّر له في أن يكون منزوع الطعم واللون والرائحة.. القهوة ساخنة.. الماء بارد.. كلاهما اختلطا على عماد كسنين عمره التي مرت بين سراء وضراء، بالرغم من الاختلاف الشاسع بين الإثنين..
استرخى عماد بهدؤء على المقعد.. ورفع رأسه الى السقف.. غرز بصره في تفاصيله.. وأخذ يفكر بالرحيل.. ليس لأن نادية تأخرت عن القدوم بل لأنه يرى أنه أتى مبكراً جداً.. إن حياتها مليئة.. لن تستطيع دسه فيها… فهو يمقت اللعب في الوقت الضائع.. والتحرك بين الهوامش.. لم يكن الزمان والمكان مناسبين لحدوث أول لقاء بينهما.. لا يدري لماذا قَبِلَ أن يأتي ليلاقيها في عرينها.. اختيار سيء.. امرأة غنية مثل نادية حين تجلب رجلاً إلى مكانها تتصرف بسيادة وثقة.. رجل بسيط مثله حين يجلب امرأة إلى مكانه فإنه يتصرف بحميمة وكياسة.. فجأة دخلت حبيبته نادية المكتب بطولها الشامخ وهيبتها المثيرة ووجهها الجميل.. وقف ليحييها ومدت يدها له.. سحبته إليها واحتضنته بقوة وقبّل خديها، ثم لمها إليه وهو يرحب بمجيئها إليه وهي تعتذر عن تأخرها..
جلسا جنب إلى جنب على المقعد، لم يجرؤ ان يقترب منها كثيراً.. باب المكتب مشرّع على مصراعيه، والسكرتير قد يأتي في أي وقت.. صارا يتحادثان في أمور مختلفة وبعيدة عما يشعران به في تلك اللحظات.. كان الموقف أشبه بتمثيلية أعطي فيها الدَّوران الوحيدان لمبتدئين يحتاجان إلى كثير من التدريب والتوجيه.
بعد زمن ليس بقصير.. قدِم السكرتير ليبلغهما برحيله.. لقد انتهى الدوام.. كان آخر من خرج من الشركة.. حينها قرر عماد أن يغادر المكان هو أيضاً.. فقد شعر بأنه لا جدوى من الاستمرار، فاللقاء كان مصطنعاً.. وكل شيء حولهما كان ثقيل الظل.. ربما لأنه غير مرتاح من وجوده في هذا المكان معها وفي هذه الساعة المتأخرة من النهار..
اعتذر عماد لها.. وأخبرها برغبته في الرحيل.. فجأة غضبت نادية منه.. فأغلقت الباب بعصبية.. وأجبرته على البقاء.. يعرف أنها عنيدة ولديها حب الاستحواذ والسيطرة، وهذا ما يخيفه منها ويعشقه فيها في الوقت نفسه.. علاقتهما كانت كلها عشق وحب وزهو لكن بدون لقاءات..لم يعرف ماذا يفعل.. هل يقبل ويرضخ لها أم يقاومها وينفذ ما عزم عليه ويخرج؟؟ لكنه تساءل مع نفسه: لماذا يقاومها وهو انسان يحب المجازفة؟؟ ألم يكن متلهفاً لحدوث هذا اللقاء لأنه يعشق كل ما فيها..؟؟ أليست رغبته العارمة هي التي جلبته إليها؟؟ إذن لن يتصرف كالمراهق الآن.. هي التي وافقت أن يكون التعارف في قلعتها.. هو ضيفها، وما عليه سوى أن يحترمها ويقبل بكرم الضيافة..
بالفعل، قَبِلَ بتمضية تلك اللحظات الجميلة معها.. انقلبت الادوار فجأة.. تحولت هي الى حمل وديع بين يديه..عانقها وقبـّلها.. نزع عنها ملابسها وتعرى أمامها.. اجتاحها كالمستعمر الذي يحمل أجندة الاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة ..اكتشف جميع تضاريسها بعقلية المستَبِد الذي لا يقبل سوى الرضوخ وتقديم الطاعة.. تحسس مقتنياتها الثمينة.. تمسح بهضبتيها المشرأبتين بولع وعشق كصوفي مفعم بحب الله ..تبّرك بمحرابها القدسي حتى كادت نادية تذوب بين يديه من شدة اللذة.. كانت تئن تحته، وهو يلعقها في كل مكان.. كان مجنوناً بها.. وكانت منبهرة بجنونه..لم يترك لها أمراً لم ينـّفذه.. ولم يترك فيها منفذاً لم يلجه.. كيف لمكتب بهذه البلادة أن يتحول إلى مضجع بكل هذه الاثارة والتوهج؟؟ شعرَ أن كل العالم يدور من حوله.. كلما أغمضت حبيبته عينيها لتحلم.. أجبرها على فتحهما وحدّق بها وهو يرتشف رحيقها.. لم يكن يهمه إن كان سيظل مندساً في أحشائها أم لا.. طالما ظل جسده ملتحماً بجسدها.. فقد تحولا إلى جسدين بروح واحدة.. الروح تقاسمتهما بحب شديد وشبقية لا مثيل لها.. ومرّ الزمن بسرعة كعادته في اللحظات السعيدة.. وكعادته سجّل تاريخاً في عمق الذاكرة..
بعدها .. جلست بجانبه عارية وضحكت بشدة.. نَظرَ اليها وبدأ يضحك هو الآخر.. ارتدى قميصه والابتسامة مرسومة على تقاسيم وجهه بدأ يستفسر عن سبب ضحكها الجميل المبهج.. فأجابته بلهجة المرأة الحكيمة.. “انت اليوم سجّلت التاريخ الذي مسح ذاكرتي كلها …كل من عشقوني لم يحسنوا مخاطبة جسدي وارتبكوا كثيرا في استيعابه. كان لكل واحد منهم له طعمه اللذيذ الخاص به..لكنك أنت من كنت ابحث عنه منذ عقود طويلة..تكاذ تكون قروناً..انت الألذ والأجمل والأكثر حميمية يا عماد..كأن فيك مسّ من روح الحلاج المباركة. كأنه مُبعث فيك مرة اخرى برسالة سماوية وبنبوة لم يعرفها بشر قط..اتدري يا عماد أن أهم مهنة للرجل في هذا العالم هي تحقيق السعادة الجسدية والنفسية للمرأة..؟؟ لكن الكثير من الرجال تخلوا عن تلك المهنة، وصاروا عاطلين إنسانياً وأخلاقياً وروحياً ..مما ادّى الى انتشار الخراب الذي نراه اليوم في انحاء الدنيا.” ابتسم عماد لها برحابة صدر واريحية وأجابها “لن أقبل أن أكون عاطلا معك..سأفعل المستحيل أن اظل موظفك النبيل المُجـّد، طالما أن المهنة شاغرة، وطالما لم تعثري بعد على من هو أجدر مني ليقوم بتلك المَهمَة..”
salamhatim2002@yahoo.com
* السعودية
أهم مهنة لرجل!اعتقد أن بعض الناشطات في حقوق المرأة قد أسان استخدام الأساليب التي توصل حقوق المرأة إلى ما هو مطلوب. فالكاتبة هنا، وهي محجبة على أنها لا تعترف بالملابس كدليل لتصنيف الإنسان، تتجاوز الكثير من الخطوط فقط لتؤكد شيئاً كان بإمكانها الوصول إليه بطرق أخرى كثيرة. فهل من الضروري: أن تذكر جمل مثل “العبث الإلهي” أو “كأنه مُبعث فيك مرة اخرى برسالة سماوية وبنبوة لم يعرفها بشر قط”، وكأن الزنا صار مساوياً لدرجة النبوة. وانا هنا لا أنكر أن الرجل قد أساء لنفسية المرأة وأخطأ في فهمه لطبيعة حاجاتها الجنسية، وذلك بسبب اختلافهما في احتياجتهما الجنسية. وكان من الأفضل… قراءة المزيد ..