أربعة وأربعون عاما تفصلنا عن يوم 8 / 3 / 1963 عندما توقفت إذاعة دمشق عن بث برامجها العادية، ليعلن المذيع الأمر العسكري رقم / 2 / الذي يتضمن ما يلي:
” إن المجلس الوطني لقيادة الثورة يقرر ما يلي:
تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية ابتداء من 8 / 3 / 1963 وحتى إشعار آخر”.
أربعة وأربعون عاما مضت ولم يأت الإشعار الآخر ـ وتستمر حالة الطوارئ ـ الفعلية ـ التي لا تستند إلى أية أسس قانونية تبررها. لأنها فرضت خلافا لأحكام قانون إعلان حالة الطوارئ. ولم تعرض منذ أن أعلنت على السلطة التشريعية لإقرارها ـ ولم يؤكد إعلانها السيد رئيس الجمهورية بعد إقرار دستور الجمهورية العربية السورية.
*
لقد قرر مجلس قيادة الثورة بتركيبته يوم 8 آذار 1963 التي تعكس حركة الضباط الناصريين والبعثيين وتحالفهم، الذي انفرط عقده كليا في 18 تموز 1963 عندما وقع بعض من شاركوا في إعلان حالة الطوارئ ضحية لها. بمعنى أن انتزاع السلطة والمحافظة على الإمساك بها كانت غاية الإعلان وسببه. ولم تكن الغاية مواجهة مخاطر أو كوارث أو فتن تتعرض لها البلاد.
ويعكس التسلسل التاريخي للأحداث صورا مأساوية لنتائج هذا الإعلان ـ عندما استخدم أول مرة لتصفية الحسابات بين حلفاء تقاسموا المواقع أولا بإسم بناء الوحدة العربية. بدون أن يكون أي من الفريقين راضيا بحصته. وإنما كان يتطلع إلى الاستئثار بالمواقع كلها. لذلك لم يكن هناك بد من شحذ قاموس الاتهامات ـ ثم المطاردة والاعتقال , ليتوجه فعل الملاحقة بعدها ـ إلى أنصار التيار الماركسي والتيار الديني. وبعد ثلاثة أعوام تحكم القوة بين رفاق الحزب الواحد ـ وتكال التهم المتبادلة. ويصبح بعض القادة “متآمرين” بلغة من غنّى وصفق لهم وتمنّى ودّهم.
*
أربعة وأربعون عاما يصبح المواطن خلالها ملاحقا أو عرضة للملاحقة. ويتأذّى الجميع ـ بمن في ذلك أعضاء وقادة من صفوف حزب البعث. وأعضاء وقادة من صفوف أحزاب ” الجبهة”. وكم نتمنى أن يتوقف قادة هذه الأحزاب التي أتقنت التأييد والتحشيد أمام السنوات الماضية لجرد حساب سياسي. يستعرضون النتائج ـ بدلا من إجهاد أنفسهم في التبرير. فيكون من النافل التأكيد إن حالة الطوارئ التي فرضت على شعبنا منذ العقد الثاني من القرن العشرين على فترات متقطعة ثم استمرت خلال أربعة عقود ونصف بدون انقطاع أدت إلى تخدير الشعور بالشأن العام. وأفقدت المواطن فعاليته وغيّبت الصراحة في المجتمع. وزرعت الخوف والحذر.
وفي ظل هذه الحالة ـ كانت هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 التي برع أصحاب السلطة في التنكر لحقيقتها، وأعلنوا: أن العدو لم يكن يريد احتلال الأرض وإنما يريد إسقاط ” الأنظمة الوطنية التقدمية”. ليحوّلوا بذلك الفشل والهزيمة إلى امتياز لهم. ويصبح من ينتقد هذه الأنظمة ممن يصبّون الماء في طاحونة الأعداء. ويصبح الوطن مشخصا بهم.
وفي ظل هذه الحالة أطلقت الأيدي القامعة والناهبة والمصفقة. أما اليد المبدعة والمنتجة والنظيفة فإنها تحمل جمرها على مضض وتعاني ـ شظف العيش. وغيّبت قيم الحرية والنزاهة , وجرى ويجري تهميش مبادئ بناء الدولة , وبخاصة مبدأ سيادة القانون بوصفه المبدأ الأساس الذي يحكم علاقة السلطة بالمواطن.
ويطول الحديث عن الاعتقال الكيفي والتعذيب الجسدي والنفسي. وحالات الحرمان من العمل , وتغييب حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي.
وأمام الواقع المؤلم الذي نعانيه ـ وأمام مهمات حماية الوطن والذود عن حياضه. وتحرير المحتل من أرضه , دعونا نقف وقفة موضوعية صريحة نعلن فيها ـ إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية. ليكون هذا الإلغاء مقدمة لبناء دولة القانون والمؤسسات, وتعزيز حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة, والسير على طريق الرقي والازدهار.
sliman51@yahoo.com
* السويداء – سوريا