إختارت مجلة “فوربز” الأميركية “أقوى الرجال” لسنة 2013، إلى جانبهم “أقوى النساء”. فكان اللقب الأول من نصيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما توفّقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل باللقب الثاني. من دون قصد ربما، أفسحت لنا هذه المجلة “التنافسية” مجالاً للمقارنة، أو بالأحرى، مجالا لالتقاط الفكرة “العالمية”، الحاكمة لعناصر القوة السياسية لدى النساء ولدى الرجال.
أنجيلا ميركل كما يعلم جميع من شاهدها، بالصورة أو الشاشة أو شخصياً، أن مظهرها الخارجي باهت، عديم الجاذبية؛ جسمها مرتبك خلف “تايور” لا تتغير قصّته، كانت قبل وصولها الى السطة ترتديه باللون الواحد؛ والتعديل الأول الذي أدخلته على هذا الهندام، بناء على نصائح مستشاريها، هو إختلاف الألوان بين “تنورة” هذا “التايور” وبين “جاكيتته”. وعندما تعرّضت مؤخراً لحادثة سقوط وهي تقوم برياضة التزلج، صوّرتها الرسوم الكاريكاتورية رافعة فخذاها الغليظين فوق حوضها العريض… أي ان الكاريكاتور أبرز ثقل جسمها وعيوبه المختلفة.
التعديل الثاني والأخير الذي أدخلته ميركل على مظهرها، بعد تغيير ألوان “الجاكيت” أو “التنورة”، هو ترك شعرها يطول قليلاً بقصّة “كاريه” ثابتة، بعدما كانت تقصه “ألا غارسون”، أي مثل الصبيان.
هكذا، تبحث في وجه ميركل عن “جاذبية” ما، في وجهها، بعد اليأس من جسمها الذي يمزج الرخاوة بالنتؤات… فلا تجد غير تعابير حيادية، لا تنم عن غضب أو رغبة، أو أي إحساس آخر. كل ما فعلته يوم فازت للمرة الثالثة بمنصبها، انها شبكت يديها ورفعتهما بالقدر الذي تسمحه جاكيتتها الضيقة عليها…. أو هكذا تتخيل بعدما تكون شاهدتها وهي تستقبل رؤساء الدول الأوروبية بنصف الإبتسامة إياها، المطمْئنة، الراضية، القائمة بمسؤولياتها على أتم وجو، كأنها تردد لازمتها الواردة في كل خطاباتها إلى مواطنيها: “أنتم تعروفني…”.
سر نجاحها؟ سر تجديد ولايتها على الألمان للمرة الثالثة على التوالي؟
الجواب في تلك التظاهرات المؤيدة لها والتي تتوجه اليها بصفتها “أمي”؛ عالمة النفس الألمانية تيا بوريدل تصف هذه الأمومة الحاكمة، فتقول: “الناخب الألماني يعرف كيف هي، هذه الأم، هي تماماً كما نتمناها. سوف تعرف كيف تتدبر كل الأمور، وسوف تقوم بها على النحو الصالح. كل شك بهذا الخصوص يوضع جانباً”. إذن، ما يجعل الالمان بغالبيتهم يقترعون لها، وللمرة الثالثة، انها “أم” بالمعنيين، الظاهري والعميق. أم حاكمة بديمومة مدهشة، أمّ منزوعة الجاذبية، وخصوصا الجنسية منها.
أقوى إمرأة في العالم تذكرنا بـ”أم” أخرى، ميشال باشوليه، التي تمكنت مؤخراً من الوصول الى الرئاسة في تشيلي، لأنها خلال حملتها الإنتخابية أثارت هذه المشاعر بالذات، التي تربط بين الأمومة المنزوعة الجاذبية الجنسية وبين الحكم. وما ساعدها على ذلك وقتها أن “جسمها تغير وازداد وزنها مع العمر” (بحسب رينيه فرغوسي).
أما فلاديمير بوتين، “الأقوى” من بين رجال هذا العالم، فهو عكس ميركل تماماً. يصغرها بعامين، (هو من مواليد 1952 وهي 1954). ولكن “البوتوكس”، تلك الحقنة التي تمحي التجاعيد، مرّت على جبينه وخدّيه وفمه، بحيث صار يصعب عليه أن يبتسم أو يضحك، أو ينفعل. وهو ينظم عرض نفسه على الإعلام نصف عارٍ في وضعيات مثيرة: على الحصان، أو حاملاً رشاشاً، أو في وسط الطبيعة؛ أو “محتشماً” في وضعية ممارس الجودو أو التزلّج أو لعبة التنيس.
وبوتين يثير الشهية الجنسية للروسيات، وربما يغذي مخيلة الروسي. منذ عامين، أصدرت اثنتي عشر شابة جامعية روزنامة مهداة اليه، عن كل شهر فيه واحدة منهن من دون ثياب تقريباً، وبوقفات مغرية. أما حياته الشخصية، فلا تقل “جاذبية”؛ هو “مغروم” بالشابة ألينا كابايفا، بطلة روسيا في الجمباز، التي تصغره بتسعة عشر سنة، أي من جيل إبنتيه من زوجته؛ وهذه الأخيرة طلقها منذ أشهر، وبتغطية تلفزيونية منظمة، بدا فيها “راقياً هادئاً”.
هو أيضاً، يصبو إلى أن يحمل لقب “أب روسيا”، مثل الحكام العرب، الذين تربعوا بـ”أبوة” على عروشهم. و”أبوتهم” هذه ليست كأمومتنا. أبوتهم تسمح لهم بالسباحة الجنسية التي يشتهون، من غير أن يكونوا على قدرها بالضرورة. ولكن المهم الصورة؛ صورة الحاكم الذي مهما حمل من ألقاب فإن أعزّ الألقاب عنده، ولو همساً، هو اللقب “العنتري” الجنسي. وهو ما يقدمه له المجتمع من شرعية مريحة، على طبق من فضة، فلا يحتاج إلى جهد كبير. فالنصف الأنثوي لهذا المجتمع يهتاج تلقائياً أمام أي صاحب سلطة؛ تقول سيسيليا ساركوزي، الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي السابق، بأنه منذ أن تولى زوجها وزارة الداخلية الفرنسية، حتى تساقطت عليه النساء “مثل الذباب”؛ وعندما أصبح رئيساً تزايد الذباب على نحو مريع.
أما النصف الذكري من هذه المجتمعات، فسوف يعجبه رئيساً تدوم رغباته وقدراته ورشاقته كل هذا الدوام؛ انه أجمل تحية لهذه الطاقة التي تهددها النسوية الصاعدة… وبوتين، بمغالاته في تقديم رشاقته وقوامه على مختلف الأوضاع والأوجه الممكنة، لا يعبّر إلا عن قلق واحد: أن يصل به العمر لا تعود تنفع معه لا حقن بوتوكس ولا رياضة ولا صور عارية ليقنع مواطنيه برغباته وقدراته الجنسية؛ ولكن “نموذج” الإيطالي سيلفيو برلسكوني، سوف يسعفه، ويضمن “خلود” جاذبيته الجنسية.
نتيجة أولية بسيطة لهذه المقارنة: ان المرأة، لكي تحكم، عليها ان تتسلح بصفات الأمومة. وليست أية أمومة! إنما أمومة منزوعة الجنس، حيادية الجنس، أن يكون جسمها مهترءا من كثرة الولادات، الحقيقية أو الرمزية، أن تلبس ما يشير الى “يأسها” (“سن اليأس” يسمونه) من احتمال أن تجذب أو ترغب أو تُثار. وبذلك تكون ملامح الأم وملامح الحاكمة قد انضمت الى جنس الملائكة. الأم والحاكمة لا يجب ان “تستفز” (كما قيل عن منافسة ميشال باشولييه، التشيلية افلين ماتيي، “استفزت التشيليين” بمظهرها الممشوق ووجهها المشدود).
أما الاستثناءات، أي الحاكمات الجميلات، الجذابات، اللواتي قد يشعلن الرغبة الجنسية، فهن وريثات أزواجهن أو آباءهن. ما يردع أي احتمال لـ”تدنيس” ذكرى الوارث. تلك هي حالة كريستين كيرشنر، رئيسة الأرجنتين، بعد زوجها، والتي تتمتع بأناقة وجاذبية ملفتة؛ كذلك كانت بنازير بوتو، التي حملت الشعلة عن أبيها… وغيرهن الكثير على مستويات أدنى.
أما الرؤساء الرجال، حتى لو كان مظهرهم لا يوحي بأي إغراء جنسي، فما أن يبلغوا موقعهم الأعلى، حتى يحط “الذباب”؛ آخر الأمثال على ذلك، الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، الذي يشبهه مواطنوه بطير البطريق، بوجهه المنفوخ، وبجسمه الخجول، وبمشيته المرتبكة… فرنسوا أولاند هذا، ما أن فاز في الإنتخابات الرئاسية حتى كانت سيغولين روايال رفيقته السابقة، وأم أولاده الأربعة، تتناحر مع رفيقته الجديدة فاليري تريرولر، حول أحقية الواحدة منهن عليه. وما ان انطفأ سجالهما، حتى وقع أولاند في “غرام ممثلة فرنسية”، جولي غاييت، التي تصغره، أيضاً، بعشرين عاماً. ماذا نريد أكثر من هذا لفتح الشهية على رئيس، لو مشى في الشارع، من دون رئاسة، لما لاحظه أحد؟
dalal.elbizri@gmail.com
المستقبل