هذه تهنئة مُتأخرة نوعاً ما إلى أحبابى وأصدقائى وتلاميذى الأقباط بمناسبة أعيادهم. وهى مُناسبة لتحية رفيق كفاحى المهندس مُحب زكى، وصديقى الناشط الحقوقى ناجى وليام، والإعلامى المُتميز ألبرت شفيق، وصديقتى الوفية مريم ميلاد، وتلاميذى كريم صُبحى وسعيد عبد المسيح، وسليمان شفيق، وزميلاتى فى الجامعة الأمريكية د.منى مكرم عبيد، وغير هؤلاء المئات ممن لا تتسع المساحة المحدودة فى هذه الصفحة لذكر أسمائهم.
ومُناسبة هذه التهنئة الجماعية هو الرد على مُفتى الإخوان المسلمين، وعضو مكتب إرشاد الجماعة، الدكتور عبدالرحمن البر، الذى صرّح لصحيفة اليوم السابع بأنه «لا يجوز شرعاً تهنئة الأقباط بالمناسبات الدينية المُخالفة لعقائدنا، ومن ذلك تهنئة الأقباط بعيد القيامة».
وقد أزعجنى فى تصريحات عبدالرحمن البر، أنها تنطوى على جهل فاضح بعلم الأديان المُقارن. ولست أعلم أيضاً أين وماذا درس عبد الرحمن البر. ولكن وضع حرف «د» أمام اسمه يوحى بأنه يحمل درجة «الدكتوراه» فى أحد فروع المعرفة. ومن مبادئ المنهج العلمى الذى لابد أن يدرسه كل طالب للدكتوراه ـ من الفلسفة إلى الطبيعة النووية ـ هو التدقيق فى صياغة المقولات، والصرامة فى اختبار الفرضيات.
وأول درس فى علم الأديان المُقارن ألا نفترض أن أى دين يحتكر «الحقيقة» أو «الفضيلة» أو «الأخلاق». فكل منها يُلقن أتباعه منذ الصغر أنه «الدين الحق»، وأن ما عداه هو هرطقات، وخُرافات، وأساطير، وأن هذا هو السبب الذى يجعل أبناء كل دين يتمسكون به، ويكونون مُستعدين للذود عنه، والدفاع عن اسمه وصورته حتى الموت. وهكذا نسمع أن من مات فى سبيل دينه فهو «شهيد»، ويغفر الله له كل ذنوبه فى الدنيا، ويُدخله فسيح جناته فى الآخرة.
لذلك استغربت شديد الاستغراب تصريحات الدكتور عبدالرحمن البر، مُفتى جماعة الإخوان المسلمين، التى تنطوى على جهل أو جهالة لصحيح الدين والاجتماع والتاريخ.
فإذا كان الرجل واعياً بالآية الكريمة «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» لما حرّض المسلمين على هذه الكراهية وهذا التجاهل.
ولو كان الشيخ عبدالرحمن البر واعياً بصحيح التاريخ المصرى، لأردك أن أقباط مصر هم أصحابها الأصليون، وهم الذين تزوج الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، إحدى بناتهم، وهى مارية القبطية، التى أنجبت للرسول ابنه إبراهيم، عليه السلام، كما فعلت هاجر المصرية للنبى إبراهيم، عليه السلام، فهى التى أنجبت له ابنه إسماعيل، عليه السلام.
ولو كان الشيخ عبدالرحمن البر واعياً بصحيح علم الاجتماع لأدرك أن أقباط مصر هم الذين حفظوا وحافظوا على تراث مصر وثقافتها وتقاليدها، منذ الفرعون نارمر (الملك مينا) موحد القُطرين.
ولو أن الشيخ الإخوانى كلف خاطره ودرس تاريخ الكنيسة القبطية، لأدرك أن تلك الكنيسة كانت رمز ووعاء الوطنية المصرية، حتى قبل أن يظهر مفهوم الوطنية بمعناه المُعاصر، أى «حُب الأرض والوطن». فقد استقلت تلك الكنيسة عن الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، ورعت أولئك الذين دخلوا المسيحية من بعدهم، فى بُلدان حوض النيل، فظل بطريرك الإسكندرية والكرازة المُرقسية، هو أيضاً الأب الروحى للكنيستين الإثيوبية والسودانية. أى أن مسيحية مصر ارتبطت بأرضها ونيلها منذ القرن الأول الميلادى. وتحمل أرثوذكسية الكنيسة القبطية من التُراث والطقوس الفرعونية القديمة الشىء الكثير. بل إن معظم ما يوجّه للكنيسة القبطية من انتقادات بسبب جمودها الفكرى خلال الألف سنة السابقة لولاية البابا شنودة، كان يرجع إلى حِرص تلك الكنيسة على كينونتها المستقلة، وتراثها الذى يضرب بجذوره فى نيلها وترابها وهوائها وصحاريها.
ولو عرف الشيخ الإخوانى أن المسلمين فى عالم القرن الحادى والعشرين، لا يُمثلون إلا عشرين فى المائة من سُكان البشرية، وأن ثلاثة أرباع هذه البشرية هم من غير المسلمين، لما صدرت عنه هذه التصريحات الاستعدائية. فإذا كان هذا الإخوانى يُريد قطيعة بين مسلمى مصر وأقباطها، الذين هم من أهل الكتاب، فما بالنا بغير المسلمين، وبغير الديانات السماوية، مثل الهندوكية، والبوذية والتاوية.
فهل سيُعادى مسلمو مصر (75 مليونا)، بقية البشر (7500 مليون)؟
يقولون إن الدكتور عبدالرحمن البر هو مُفتى جماعة الإخوان المسلمين، وهو عضو مكتب إرشادها، أى أنه لا ينطق عن الهوى. ولكنه يُمثل عقل الجماعة ووجدانها. وما لم يستنكر مكتب الإرشاد تصريحات عبدالرحمن البر، فإنه يصبح شريكاً له فى جهله، وجهالته وتعصبه. ولا نندهش والأمر كذلك إذا أصيب بعض الأقباط بالحُزن، وإذا شعر بعضهم الآخر بعدم الأمان فى وطنهم، وإذا شعر فريق ثالث منهم بضرورة البحث عن أرض أخرى أكثر أماناً من أرض الآباء والأجداد.
قاطع الله الشيخ عبدالرحمن البر، وقاطع كل من والاه من دُعاة الفرقة والكراهية. ولا حول ولا قوة إلا بالله، الذى لا يُحمد على مكروه سواه.
وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
المصري اليوم