البند الاول فى حل الازمة الليبية هو إلغاء المجالس العسكرية، وحل الكتائب الشرعية وغير الشرعية ولو كانت منضوية تحت راية الجيش أو الشرطة، وأولها كتائب “درع ليبيا” و”السحاتي” و”١٧ فبراير” و”النواصي” و”السويحلي” و”القعقاع” وغيرها، ومنع حمل السلاح فى الشوارع، ومنع خروج الاليات المسلحة من ثكناتها!
البند الثاني هو أن تمتنع الدولة أو الحكومة عن استخدام كلمة “ثوار” فى مراسلاتها أو تصريحات وزرائها أو المسؤولين فيها، وألا تسمح لمن يرتدى الزي العسكري بالدخول إلى مقرات الدولة أو التعامل مع موظفيها، وأن تمتنع محطات التليفزيون عن استقبال رؤساء الكتائب فى برامجها، وأن تمتنع عن تعيين رؤسائهم فى المناصب العليا فى الدولة أو توزيع المنح عليهم، وألا يدخلوا فى مناظرات تليفزيونية مع أي منهم.
والبند الثالث الذى يمكن أن تبدأ به الحكومة، مهما كانت ضعيفة، طريقها لفرض سيطرتها هو أن تجفّف منابع التمويل. فهذه الاعداد الضخمة من حاملي السلاح وسياراتهم الفاخرة ونفقات معيشتهم ومرتباتهم وملابسهم، ومصاريف الحركة وإدارة المعسكرات وتوفير السلاح والذخيرة، يحتاج لمبالغ ضخمة يستحيل أن يفي بها فرد أو شركة أو جماعة مهما كانت درجة ديانتها أو وطنتيها أو غِناها.
والميليشيات أو الكتائب التي خرجت تتحدى سلطة الدولة وتطالب بتغيير الحكومة هي قوات تابعة للجيش ترتدى زيه، وتستخدم سياراته، وتقبض رواتبها من خزانته، وتقدم لهم الغذاء اليومي ووسائل النقل الفاخرة والسلاح المتوسط والثقيل.
ولم يكتفِ السيد وسام بن حميد رئيس “درع ليبيا” التابع للجيش الليبي بذلك بل هاجم “فندق تبيستي” واعتدى على المحامي والوزير السابق “فتحي تربل”، وطلب منه أن يقرأ تحت تهديد السلاح بيانا يؤيد فيه مبدأ العزل السياسي! وللعلم فإن السيد قائد قوات درع ليبيا فى بنغازي كان يعمل قبل الثورة فني كهرباء متخصصاً فى إصلاح السيارات الامريكيةـ وهو الان قائد مشهور يقارن نفسه بـ”روميل” و”منتجومري” أو بـ”خالد بن الوليد” و”عمرو بن العاص”!
لماذا تكون الدولة من الضعف والغباء أن تخضع لمن يبتزها، وتسدد الاتاوة لمن يهددها ولا يحميها؟ لماذا لا يكون قرارها واضحا بقطع المرتبات عن الخارجين عليها وحرمانهم من المزايا التي تقدمها لهم ما داموا لا يحترمون التزاماتهم نحوها؟
ما يزيد الازمة الليبية تعقيدا هو طريقة المسؤولين فى مخاطبة المواطن الليبي بأسلوب يكتنفه الغموض والتضارب فى التصريحات، ومخاطبة المواطن وكأنه طفل صغير يمكن خداعه إلى أن يحدث حدث جلل آخر فينسى الاول ويلهو بالقضية الثانية! خذ مثلا على ذلك موضوع الوديعة أو القرض الممنوح لجمهورية مصر. فرئيس الوزراء يقول أن مصرف ليبيا المركزي ليس تابعا له ولا يخضع لسلطاته، والمجلس الوطني يصرح بأن لا علم له بالموضوع، ومحافظ المصرف المركزي يطلق تصريحا ثم ينكر ما قال! ثم يلومون الاعلام على فشلهم ويتهمونه بإثارة البلبلة!
توقف الحديث عن القرض او الهبة ليبدأ الحديث عن احتلال الميليشيات للوزارات والمؤسسات الحكومية. ثم توقف الحديث عنها ليبدأ الحديث عن الوضع الأمني فى بنغازي. والمثل الحديث عن التضارب والغموض فى التصريحات هو تصريح رئيس المؤتمر بتعليق الجلسات وسفره إلى بنغازي، ثم تسمع منه أن المؤتمر أصدر قرارا بتشكيل غرفة أمنية دون أن يبين متى اجتمع الاعضاء وهل يجوز لهم الاجتماع في غير مقرهم؟
مخاطبة الجماهير لا تحتاج إلى علوم ومستشارين، بل تحتاج إلى البساطة والصدق. تحتاج إلى أن يخرج مسؤول ليطرح الحقيقة كما هي، وأن يمتنع عن التصريحات الغامضة حينا والكاذبة حينا أخر. ولو خرج رئيس المؤتمر الوطني أو أحد أعضائه فصرّح علنا بما يقبضه كل شهر من أموال وما يحصل عليه من مزايا لكان أفضل. لكنهم، وباختلاف أحزابهم، حريصون على أن ينالوا كل ما يلوح أمامهم من امتيازات، وفقد الناس ثقتهم فى المؤتمر بعدما بدأ أعضاؤه يقررون الامتيازات لأنفسهم، فحاولوا أن يعامل العضو معاملة رئيس وزراء ويعطى راتبه، ويتمتع بمزاياه! وجميعهم يصرون على السفر فى مقاعد الدرجة الاولى، وفى الحصول على السيارات وفرق الحراسة والاقامة الفاخرة فى فنادق النجوم السبعة، والسفر فى وفود رسمية بأعداد تزيد عن المطلوب- عدد الوفد الليبي لاتحاد البرلمانات الدولي كان اثنين وعشرين عضوا وكان عدد أعضاء الكونجرس الأمريكي ومجلس العموم البريطاني ثلاثة أعضاء – وعدد من سافروا لأداء فريضة الحج كانوا خمسين عضوا أي ربع الاعضاء! هذا غير فرص السفر المتوافرة دائما بصحبة الرئيس او مكلفا بأداء مهمة لا قيمة لها فى معظم الاحيان. ولا تنسوا القرار الذى أصدره المؤتمر لصالح بعض أعضائه يتيح لهم الحصول على عشرة بالمئة من قيمة الاموال الليبية المجمدة فى اليونان.
ومن أجل هذه المزايا، فليس من مصلحته تحريك ساكن بل إن بقاء الحال على ما هو عليه هو كل ما يرجو.
والسيد وزير العدل الذى يتحدث عن احترام القانون كان أول من تحايل عليه. فعندما أصدرت هيئة النزاهة قرارها بإبعاد وكيل الوزارة لعدم انطباق معاييرها عليه، نفذ القرار وعزله فعلا من منصب الوكيل ثم عينه مستشارا للوزير، والمستشار لا تسري عليه أحكام النزاهة، ومنحه كل صلاحيات الوكيل وبقي يمارس عمله فى مكتبه محصنا ضد القانون وضد العزل كما كان.
وأود أن أنتهز هذه المناسبة فأسأله عن التحقيقات في الخمور المسمومة التى قتلت مئة شخصاً وأصابت ألفا آخرين بأضرار مختلفة: أقصد لماذا الاهتمام بقتل ثلاثة أو أربعة نتيجة خطأ، ولا يتم التحقيق فى قتل مئة شخص عن إصرار وتعمد؟ ومهما كانت خطيئتهم فهم لا يستحقون الموت.
والسيد علي زيدان رئيس الوزراء يعين قريبه أو صديقه “محمد عبد الله عقيل” مستشارا اقتصاديا له صحبه فى زيارته إلى تركيا وكان هو أداة الوصل بينه وبين الشركات التركية المتوقفة عن تنفيذ عقودها فى ليبيا. ولمن لا يعلم فالسيد عقيل هو أوضح الرموز الدالة على فساد العهد السابق وأكثرهم وقاحة فى النصب على الدولة والاستيلاء على أموالها وجرائمه فى السرقة والتحايل ورشوة موظفيها وسرقة أصولها مثبتة بتحقيقات ومستندات! وأتحدى السيد زيدان أن يحيله إلى التحقيق أو يحيلني بتهمة التشهير أو البلاغ الكاذب.
والحكومة ليست ضعيفة، وإن أرادت أن تتحرك بنية صادقة فإنها تملك القوة وتملك الشرعية وتملك اعتراف المجتمع الدولي بها ورغبته فى مساعدتها. ووظيفتها أن تفرض سلطتها وتبرز قوتها وألا تمتنع عن استخدام السلاح إذا لزم الامر. ولا معنى لان تقف أمام هذا الانفلات عاجزة بحجة أنها لا ترغب فى سفك الدماء، لان الدماء سكبت بالفعل وكثيرون ماتوا تحت التعذيب وألقيت جثثهم فى الصحراء وكثيرون فى حوزتهم يسومونهم سؤ العذاب.
فإذا كان لا بد للدماء أن تسيل، وهى تسيل فعلا منذ فترة، فمن الافضل أن يسيل دم القاتل على أن يسيل دم الضحية، لأنك بقتل مسلح واحد تنقذ عشرات الابرياء من ظلمه. ولأنه إن قتل مرة فسيسهل عليه القتل فى كل مرة.
وفى مظاهرة الجمعة الماضية أمام مبنى وزارة الخارجية، كان أعضاؤها اشخاصا مسالمين، كثير منهم سيدات وأطفال وكهول، خرجوا فى موكب سلمي مطالبين الدولة بأن تبسط نفوذها لانها القوة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح والمنوط بها بسط الامن وتحقيق العدالة.
البند الرابع هو استبعاد الحلول المطروحة باستيعاب حملة السلاح فى الجيش أو فى الشرطة لانها ليست حلا للمشكلة بل ترحيل لها ودفعها للأمام لتكبر وتتضخم وتزداد تعقيدا. لأن لقبول الجندي أو الشرطي فى الجيش أو فى الشرطة مواصفات خاصة، أولها الا يتجاوز عمره واحدا وعشرين عاماً، وأن يخضع للكشف الطبي لإثبات لياقته. كما أنهم جميعا لم يعتادوا على الطاعة واحترام القائد وتنفيذ أوامره بدون نقاش، بل يتميزون فى عملهم بالتسيب وعدم الانضباط، واعتادوا الحصول على الراتب المريح. والسلطة غير المحددة بقانون علمتهم الغطرسة واحتقار المدني الاعزل والاعتداء عليه دون تأنيب ضمير، مما يجعل تأهيلهم للعمل جنودا منضبطين شيئا غير قابل للتحقيق وسيجعل الجيش والشرطة مصدر تهديد لسلامة المجتمع واختياره الديمقراطي.
وسياسة التدليل والسفه فى إغرائهم بالأموال ومزايا السفر وتمييزهم عن المواطنين الذين لا يحملون السلاح فيه إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ أن الليبيين سواء أمام القانون.
البند الخامس هو كشف الاطماع القطرية ومواجهة الليبيين بالحقيقة. فلا جدوى من خداع المواطنين وخداع أنفسهم. ولا معنى لإخفاء الحقائق، لان تدخلات الامير وأطماعه لا تخفي نفسها تناولتها أقلام كثيرة. وبحسب تصريح السيد مصطفى عبد الجليل وتأكيدات سليمان دوغة، فأن كل من زار قطر حصل على مبلغ محترم من اليورو – قال مصطفى عبد الجليل أنه رد مبلغ مئة ألف يورو ألي الخزانة الليبية.
توظف الامارة القطرية قناة تليفزيونية خاصة هي “ليبيا الاحرار” التي تستعد لأطلاق “قناة ليبيا مباشر” ثم تتبعها بقناة أخرى تحت الانشاء وصحيفة يومية يراد لها أن تُطبع فى دول الربيع الثلاثة. ويعلم كل من يمارس العمل في الصحافة أو التليفزيون ولو من بعيد أنها مشروعات اقتصادية فاشلة، وهذه القنوات ليس لها موارد إلا المال القطري. وهذه النشاطات الاعلامية ليست من مصارف الزكاة، والمال المستثمر فيها مطلوب منه أن يحقق غايات خفية أخرى لا نستطيع تجاهلها أو إنكارها. ولا نستطيع أن نمنع أنفسنا من السؤال لماذا لا تفتح الامارة القطرية قناة تليفزيونية تسميها السعودية الاحرار أو الامارات الاحرار أو السودان الاحرار!
البند السادس هو أن يلزم مفتى عام ليبيا – هذا المنصب منحه لنفسه ولا وجود له فى قانون دار الافتاء ويمكن محاكمته بانتحال صفة ليست له – بأن يحدد موقفه من الصراع القائم بين سلطة الدولة وسلطة السلاح: عليه أن يقول إن كان خروج هؤلاء على سلطة الدولة ينطبق عليه صفة “الخروج على الحاكم” فيكون جزاؤهم أن يُصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خِلاف، أم أنهم أصحاب حق يجاهدون الدولة الكافرة فى سبيل الله ولا ينبغي أن تأخذهم فى الحق لومة لائم!
فإن كان يصر على أنهم على حق، كما صرح بذلك، فمعناه أنه لا يعترف بأن الحكومة هي ولي الامر بل أنها كافرة. وحيث أن من أعان ظالما عليه سلط كما ورد فى الاثر، فإن عليه أن يمتنع عن قبض معاشه منها، وأن يتنازل عن المزايا التي تمنحها له ومغادرة دار الافتاء. وحينها يستطيع أن يرفع العلم الاسود، ويشبك السيفين، ويعلن الجهاد وينضم إلى الثائرين!
المشكلة الحقيقية فى ليبيا هو أن الجميع يبحث عن المزايا، ويبحث عن الغنيمة! المشكلة هى ازدواج المعايير والانتقال من جبهة إلى أخرى. فالثوار يقبضون رواتبهم من الدولة ويثورون ضدها. والمفتي عينته الدولة وأغدقت عليه من خيرها ثم ينقلب عليها ويفتي ضدها. وأعضاء المؤتمر الوطني العام يتمتعون بكل مزايا العضوية، ثم يثورون ضده ويخططون للإطاحة به. وقطر تقول أنها تعمل لصالح الشعب الليبي، ثم تعمل بكل جهد على تقويض سلطته وتشجع العناصر الخارجة على نشر الفوضى والتخطيط لقيام دولة الخلافة وتنصيب أمير المؤمنين!
من حق أي إنسان أن يتخذ من المواقف ما يريد، لكن لا بد إن يعلن عن موقفه بوضوح وصراحة، وليس له أن يتخذ الموقف ونقيضه فى وقت واحد.
والمأساة أن أياً من هؤلاء لا يعمل لصالح ليبيا، ولا لصالح ما يظهره من عقيدة. بل كلهم “طالب صيد يمشي رويد” متحينا الفرص للقنص والصيد!
وليرحمكم ألله ويرحمنا.
magedswehli@gmail.com
رجل أعمال وكاتب ليبي
أزمة ليبيا: ليس معهم، ليس ضدهم، ولكن بدونهم!
كلام في الصميم
أزمة ليبيا: ليس معهم، ليس ضدهم، ولكن بدونهم!
أزمة ليبيا: ليس معهم، ليس ضدهم، ولكن بدونهم? ألى أين المفر يا أخي ؟ والله لقد ضاقت بنا الدنيا بما رحبت . ولاكن الله المستعان .