قرّر رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو وضع حدّ لعمله على رأس الحكومة و”حزب العدالة والتنمية”. وقد أعلن ذلك الخميس 5 مايو من خلال دعوته إلى مؤتمر استثنائي للحزب في 22 مايو الجاري وإعلانه عدم ترشحه مجدداً إلى رئاسة الحزب، الأمرالذي يوضح تلقائياً استقالته من رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة.
كل الدلائل في الفترة الأخيرة كانت تشير إلى أزمة داخلية في “حزب العدالة والتنمية”. وقد استفحلت الأزمة أكثر منذ 29 أبريل الماضي, حيث شهد اجتماع اللجنة الإدارية المركزي للحزب ومركز قراره توقيعَ 47 عضواً من اصل 57 عضواً فيها على مذكرة تقضي بسحب صلاحيات الرئيس العام للحزب من داود أوغلو.
وجاء اللقاء الذي جمع الرئيس التركي أردوغان ورئيس الحكومة داود أوغلو بمثابة حلقة الختام في الأزمة، إذ تم فيه إقرار التوجّه إلى المؤتمر الاستثنائي للحزب. ويشير الإعلام التركي في هذا السياق أنها رغبة أردوغان وقد تحققت، كونه الرئيس الفعلي للحزب. وهذا، مع أن الدستور التركي يقرر الفصل بين رئيس الجمهورية وحزبه السابق، ويؤكد على وقوف رئيس الجمهورية على المسافة نفسها من جميع الأحزاب السياسية في البلاد.
انقلاب ناعم من رفاق الدرب
لعلها المرة الأولى في التاريخ السياسي لتركيا الحديثة التي يُطاح فيها برئيس حكومة جمع مع حزبه 49,5 % من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ونال حزبه 317 مقعداً في البرلمان التركي! لكن المؤكد أن الإطاحة برئيس الحكومة هذه المرة يختلف عن السوابق التركية في هذا السياق. فالإطاحة بـ”أحمد داود أوغلو” ليست ناجمة هذه المرة عن تدخل المؤسسة العسكرية العلمانية، وليست الإطاحة بناء على إخلال الحكومة بالقيم العلمانية الأتاتوركية النافذة في البلاد منذ تأسيس الجمهورية في عشرينيات القرن الماضي، وهي الحجة الأثيرة لدى عسكر تركيا مراراً في مسلسل إطاحتهم بالحكومات التركية المنتخبة طيلة عقود. لكنها، هذه المرة، ناجمة عن “هوس السلطة” لدى أردوغان، الذي يتطلع إلى تجسير الهوة التي تفصل تركيا الحديثة عن حقبة السلطنة العثمانية.
عند البجع الخبر اليقين
يتحدث الإعلام التركي عن خلافات حادة بين رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، وأنها بدأت منذ تولي الأخير رئاسة الحكومة خلفاً لأردوغان. لكن أجواء الاحتقان والخلاف بين الرجلين لم تظهر على السطح إلا بعد نشر ما يسمى بـ“ملف البجع“ الذي يتضمن أسرار العلاقة بين أردوغان وداود أوغلو وقادة بارزين آخرين في حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث بدأ التوتر في العلاقات بينهم منذ تولي داود أوغلو رئاسة الحكومة ورئاسة الحزب. ويشار في هذا السياق إلى أن كتّاب “ملف البجع“ هم مؤيدو الرئيس التركي أردوغان في قيادة الحزب.
لماذا قرر أردوغان الإطاحة بداود أوغلو
يظهر ” ملف البجع ” التركي أن إحدى نقاط الخلاف بين أردوغان وداود أوغلو هي انزعاج أردوغان من السياسة الخاطئة لداود أوغلو في الملفالسوري، حيث ان داود أوغلو نقلَ لأردوغان معلومات مغلوطة عن الوضع السوري. وبناء على معلومات داود أوغلو (عقب لقائه بشار في دمشق في أبريل 2011) رسمت الحكومة التركية التي كان يترأسها أردوغان سياساتها تجاه نظام بشار الأسد.
وحسب الملف، فإن مرد انزعاج أردوغان من داود أوغلو أنه ورط تركيا في المستنقع السوري، وخلق حالة عدائية بين البلدين.
ويعدد “ملف البجع“ العديد من النقاط التي سجلها أردوغان وحلفاؤه في الحزب على رئيس الحكومة داود أوغلو. ويُفهَم من هذه النقاط أن أردوغان كان يأمل في طاعة عمياء من داود أوغلو، وأن يتحول داود أوغلو إلى مجرد مدير للحكومة والحزب ودمية متحركة لا قائداً أو رئيساً لهما. وتُسلسٍل أوراق الملف الكثير من تصرفات رئيس الحكومة التي عُدت بمثابة انقلاب من داود أوغلو على أردوغان وخروجاً على طاعته، ومن هذه النقاط:
أن الرئيس التركي أردوغان لم يتوقع أن يتفاهم داود أوغلو مع الغرب في الملفين السوري والفلسطيني، أو أن يتفاهم مع الغرب على الإطاحة بأردوغان وتهميشه! وتمضي أوراق الملف في هذا السياق إلى حد توصيف داود أوغلو وجماعته بـ”أحصنة طروادة” تعمل لمصلحة الغرب في تركيا! وأن أردوغان لم يتوقع أن يتفاهم داود أوغلو مع “الجماعات الموازية” (في إشارة إلى جماعة الداعية “فتح الله غولن”) ولا مع “مجموعة دوغان” الإعلامية، وهما جماعتان مناوئتان للرئيس التركي أردوغان.
كما أن أردوغان (وفقاً لـ”ملف البجع”) لاحظ ان داود أوغلو لم يفِ بوعوده في العمل على تحويل النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي! إذ تم تنصيبه على رأس الحكومة والحزب من قبل أردوغان شريطة اضطلاعه بدور هام في هذه العملية. لكن داود أوغلو خذل أردوغان وعرقل طموحات أردوغان، وتنكر لوعوده، إلى جانب العديد من النقاط، منها المتعلق بالشأن الداخلي في تركيا، ومنها المتعلق بالعلاقة مع الغرب.
الخلفاء المحتملون لـ داود أوغلو
الأزمة الحالية توضح دون أدنى شك أن التوجه في المؤتمر سيكون لصالح اختيار شخصية موالية وتابعة لـ”رجب طيب أردوغان” على رأس الحزب وبالتالي الحكومة. وأن دور الرئيس القادم للحزب سيكون دوراً إدارياً، وأنه لن يستطيع رسم السياسات باستقلالية عن أردوغان، ولن يتمكن – مثلما كان الحال مع داود أوغلو – من تجاوز الخط الأحمر الموضوع من قبل أردوغان أو رجاله ذوي النفوذ في الحزب.
يتم الآن تداول أسماء عديدة في الإعلام التركي, وهي لشخصيات قوية في الحزب مثل : نعمان كورتولموش، ويالجين أدوغان، وبينالي يلدرم، وبكر بوزداغ، وبيرات آلبايراك.
يتوقع الصحفي التركي عبد القادر سيلفي في حديثه لمحطة التلفزيون التركية “أن تيفي”، وإلى حد الجزم، بفوز أحد الثلاثة : بينالي يلدرم، أو بكر بوزداغ، أو برات آلبايراك برئاسة الحزب، وهم رجال أردوغان الأقوياء داخل الحزب.
ملف البجع.. أصل التسمية
بمجرد طرح تسمية “ملف البجع“، يتبادر إلى الذهن الفيلم الهوليوودي الذي يحمل الاسم إياه، وهو الفيلم الذي أخرجه “آلن جي. باكولا“، ولعب دور البطولة فيه كل من جوليا روبرتس ودينزل واشنطن، والفيلم مأخوذ عن الرواية التي تحمل الاسم نفسه للكاتب “جون غريشام“ وقد حققت مبيعات قياسية.
يتحدث الفيلم عن قاضيين في المحكمة العليا يتعرضان لعملية اغتيال، وتقوم طالبة في كلية الحقوق (جوليا روبرتس) بإعداد ملف متعلق بظنونها حول الجريمة، الأمر الذي يبعث على دهشة أحد أركان في الحكومة، ويعاون الطالبة في نشر تلط الأسرار صحفي يلعب دوره “دينزل واشنطن“.