كتب أدونيس، في صحيفة “الحياة” اللندنية السعودية، يردّ على افتتاحية الدكتور سماح إدريس في شهرية “الآداب” اللبنانية، والتي تننقد موقف أدونيس من أفكار الإمام محمد بن عبد الوهاب. وفي الردّ اعتبر أدونيس
أنّ إدريس يفعل “كما فعل من قبل أصدقاؤه الثوريون، بروحٍ سلفيّة، والسلفيون بعباءةٍ ثورية”، دون أن يذكر أيّ اسم، ممّا دعا إدريس (محقاً، في تقديري) إلى أن يبادر فيسعف القارىء بتسمية اثنين من أفراد هذه الفئة الباغية: الدكتور صبري حافظ، وكاتب هذه السطور.
وسأل إدريس، مخاطباً أدونيس: “لماذا لم تُجِبْ إلى هذه اللحظة عن الأسئلة التي طرحها عليك في “الآداب”، قبل 12 عاماً، منتقداك الدكتوران صبري حافظ وصبحي حديدي (الذي تخاله، من دون أن تسميه، صديقي مع أنّني لم أره ولم أتحدَّثْ إليه يومًا)؟ إنْ كنتَ قد نسيتها فسأختصرُها لك هنا: كيف تُدْرج، يا عزيزي، الإمام بن عبد الوهاب ضمن “فكر النهضة” وهو الذي حرّم أنواعاً من الموسيقى، وسوّغ الحجاب، وأفتى بما لا يحصى من الممارسات الرجعية… إلاّ إذا كانت الرجعية مرادفةً للنهضة؟”…
وسواء كان أدونيس يضعني حقاً في تلك الفئة، وهذا ما أرجّحه بقوّة، ، أو يقصد سواي، فإنّ الإتيان على اسمي يحتّم عليّ العودة إلى بعض تفاصيل ذلك الملفّ المحزن، أدونيس والوهابية، الذي كنت أظنّ أنّ الشاعر الكبير قد طواه بعد 12 سنة. وأبدأ بالقول إنني كنت، في حدود ما أعلم، أوّل مَن اثار حكاية قيام أدونيس وخالدة سعيد باختيار وتقديم نصوص من محمد بن عبد الوهاب، وذلك في هذه الزاوية من صحيفة “القدس العربي”، أواخر العام 1994. وكانت المختارات قد صدرت في بيروت سنة 1983، عن دار العلم للملايين، ضمن مشروع بعنوان “ديوان النهضة” ضمّ مختارات من معروف الرصافي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد
رضا وجميل صدقي الزهاوي. وقد تساءلت يومذاك عن أمرين:
ـ كيف يبرّر أدونيس إدراج العقيدة الوهابية في فكر النهضة؟
ـ لماذا رفض ـ ويرفض حتى اليوم في الواقع ـ إدراج الكتاب ضمن لائحة أعماله وترجماته ومختاراته؟
ثمّ شهدت مجلة “الآداب”، صيف 1995، سجالاً حول الأمر بدأ من أدونيس، وشارك فيه تحرير المجلة والدكتور صبري حافظ وكاتب هذه السطور. وقد أوضح أدونيس أنّ مقدّمته تلك ليست إلا فصلاً من كتاب “الثابت والمتحوّل”، وإذا كانت قد صدرت في سلسلة النهضة فإنه “أوّل من نقد تلك التسمية، ودعا إلى تغييرها”، مضيفاً: “قدّمت الوهابية بموضوعية كاملة (…) وقد طرحت عليها، بعد عرضها، أسئلة تُظهر مدى الخلل فيها ومدى انفصالها عن الواقع المعيشي الحيّ”.
والحقّ أنّ أدونيس، كما ساجلت يومذاك، لم يكن يضيف جديداً بقدر ما يزوّدنا بمادّة لتساؤلات إضافية:
1 ـ أن تكون مقدّمته فصلاً من “الثابت والمتحوّل” (وهي كذلك بالفعل، إذْ يحيلنا أدونيس إلى الطبعة الرابعة، 1994!)، أمر لا يغيّر من حقيقة أنها نُشرت قبلئذ في سلسلة النهضة، ثمّ أدخل عليها أدونيس جملة تعديلات تناسب المقام، أوضحت بعضها في حينه ولن أعود إليها مجدداً، إلا في مثال واحد: في الكتاب يقول أدونيس إنّ “التقدّم في الإسلام، على الصعيد اللاهوتي، ليس أفقياً بل عمودي”، وفي المقدّمة يقول إنّ “التقدّم في الإسلام، على الصعيد اللاهوتي، ليس أفقياً أو عمودياً، بل دائري”! كيف، في غضون زمن قصير قياسي، كان التقدّم الإسلامي عمودياً، فانقلب إلى دائري؟
2 ـ أين، في المقدّمة، نعثر على أسئلة أدونيس التي “تُظهر مدى الخلل” في النظرية الوهابية، و”مدى انفصالها عن الواقع المعيشي الحيّ”؟ أقصى ما تنطوي عليه تلك “الأسئلة” هو غمغمة غامضة حول التاريخ والتقدّم ووثنية المال والواحد السياسي، وليس فيها أيّ موقف نقدي ملموس، وهي لا تشير قطعاً إلى خلل أو انفصال عن الواقع. وفي جميع الأحوال، ليس ثمة التباس في العبارة التصالحية الأخيرة التي تختتم المقدّمة: “هذه تساؤلات [ليست “أسئلة”، إذاً؟] لا تقلل في شيء أهمية التصانيف التي تركها الإمام محمد بن عبد الوهاب. وليس هذا مما تهدف إليه”.
3 ـ أين، في المقدّمة أو في أيّ مقام آخر، نقرأ نقد أدونيس لتسمية النهضة أو اعتراضه (الذي يتوجب، والحال هذه، أن يكون واضحاً صريحاً بلا غمغمة) على إدراج العقيدة الوهابية في أيّ فكر نهضوي؟ ولماذا لم يُسجّل هذا النقد في المكان الأبرز اللائق به، أي في المقدّمة ذاتها؟
4 ـ في المقابل، ولضرب مثال واحد جوهري، هل من النقد أو الاعتراض، ام التبرير والتجميل والتهذيب، أن يساجل أدونيس بأنّ وراء تحريم الإمام للصورة “رؤيا دينية ـ ميتافيزيقية، وأنّ هذه المسألة ليست محصورة في حدود الشرع، كما يذهب بعضهم، وليست مسألة تفسير متزّمت أو ضيّق للدين، كما يرى البعض الآخر”؟ أليس عجيباً أن ينفي عن تحريم الصورة أيّ تزمت أو تفسير ضيّق للدين؟ أليس مدهشاً أن يرى في التحريم “رؤيا”… هكذا، ليس أقلّ؟ بل يذهب أبعد، إلى حيث لم يتجاسر أيّ من أنصار الإمام أنفسهم، فيحدّد معنى الجمال والقيمة الجمالية في الإسلام كما يلي، بل ويشدّد على الكلمات بالحرف الأسود: “الجميل في الإسلام هو ما لا يمكن تصويره. هو ما يفلت من الحسّية، وما يتخطّى الإدراك الحسّي. الجميل متعالٍ سامٍ، لا يمكن احتواؤه في أيّ شكل محسوس، ولا يمكن أن يخضع لمعيارية الحواسّ”؟ وأمّا ذروة هذه السفسطة في تأويل أفكار الإمام، فهي ختام الفقرة: “وهذا يعني، فنّياً، أنّ القيمة الجمالية ليست في “الصورة” أو “الشكل”، وإنما هي في “المعنى”، وأنّ الجمالية هي في اللانهائية التي لا تُصوَّر، أو هي في ما “لا يتشكّل”. ويعني، تقويمياً، أنّ الجميل هو ما يقول الشرع إنه جميل”!
لله درّ إمام الحداثة المعاصرة!
ما الذي أبقاه لنا، نحن معشر الثوريين بروحٍ سلفيّة، والسلفيين بعباءةٍ ثورية؟
s.hadidi@libertysurf.fr
أدونيس والوهابية: عود على بدء!الوهابية في الواقع ليست مذهباً دينياً حتى يصار الى نقدها أدبياً وثورياً , ودينياً .. من يتأمل في الحركة الوهابية والزمان الذي انبثقت فيه , لا يمكنه النظر اليها كحركة إصلالاح ديني محردة , خاصة وأن الواقع الديني آنذاك , كان بحاجة الى إصلاح (على الأقل في الساحة العربية كماهو اليوم) . والباحث المؤرخ , أو الناقد , لا ينبغي أن يخضع تلك الظاهرة لمققاييس ثقافته الذاتية , بغرض تشويهها ونقضها وتحطيمها , ولا لمقاييس فهمه الذاتي للدين والحضارة والفقهيات , كاتعليق على بعض الفتاوى أو الإجتهادات التي تبدو في نظره متزمتة ـ لمغايرتها لمفاهيم وأهواء… قراءة المزيد ..
أدونيس والوهابية: عود على بدء!
ليست هذه اول مرة يماليء ادونيس الاصوليات والسلطات ولا ننسى رثاءه للامام الخميني او الشيخ العلوي محمد حيدر وبقصيدة عمودية عصماء لكل منهما ومن يريد الاطلاع على مواقف شبيهة من امام الحداثة ليس عليه الا قراءة كتابات الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي والشكر الجزيل لك استاذ حديدي على جرأتك وعميق مساجلتك لهذا الامام الحداثي المزيف ..