يتوقّع أحمد رشيد، الذي يُعتَبَر واحداً من أبرز المحلّلين السياسيين في باكستان ضربة كبيرة لـ”القاعدة” في أوروبا، ويتحدّث عن عناصر “نائمة” تستعد للتحرك حينما تأتيها الأوامر من قيادة “القاعدة”. ويعتبر أحمد رشيد أن خطأ أميركا الرئيسي في باكستان وأفغانستان كان شنّها الحرب على العراق! ويشير أحمد رشيد إلى الصعوبة التي تواجهها المؤسسة العسكرية الباكستانية في مواجهة “طالبان باكستان” الذين كانوا لسنوات طويلة رديفاً لهذه المؤسسة. مقابلة أحمد رشيد نشرتها جريدة “الفيغارو” الفرنسية:
الفيغارو: هل ستنجح الدولة الباكستانية والجيش الباكستاني في مقاومة تقّدم الطالبان؟
أحمد رشيد: سنعرف الجواب قريباً، حينما نتخطّى المرحلة الدقيقة والحاسمة التي نعيشها اليوم. إن مآل المواجهة الدائرة حالياً سيكون بمثابة إختبار. والمشكلة في باكستان هي الغموض السائد بالنسبة للطالبان. في أفغانستان، الوضع أسهل، ووجهات النظر واضحة:، إما أن تكون مع الطالبان او ضدهم. وليس الحال كذلك في باكستان، حيث ساند الجيش وأجهزة الإستخبارات “الطالبان” في الماضي. لكي ينجح في مكافح الطالبان، فإن على الجيش أن يقطع صلاته معهم، وأن يتوقّف عن التذرع بمخطط هندي لزعزعة إستقرار البلاد. وينبغي على السلطة أن تعيد تعريف طبيعة العدو. والمشكلة هي أن الجيش نشأ حول فكرة مفادها أن الهند هي العدو الأول لباكستان. ويصعب تغيير هذه الفكرة بسرعة. فالجنرالات يخشون أن يتسبّب تغيير الأولويات بانقسامات ضمن الجيش.
الفيغارو: ما هي طبيعة الصلات التي تربط، حالياً، الجيش والإستخبارات بحركة طالبان؟
أحمد رشيد: يتخذ جهاز الإستخبارات المشترك (أي إٍس أي) موقفاً متساهلاً إزاءهم لأنهم درّبوا الجماعات الكشميرية ولأنهم يدعمون طالبان أفغانستان الذين يقيم جهاز الإستخبارات الباكستاني صلات قوية معهم حتى في يومنا هذا. موقف الجيش أكثر وضوحاً: فقد باتت هيئة الأركان مدركة للخطر الذي يمثّله الطالبان على البلاد. ولكن القوات المسلحة تمثّل مرآة لمجتمع يتخلّله تيار قوي مناوئ للأميركيين. وهذا ما يجعل المراتب الوسطى في الجيش صريحة في إبداء التعاطف مع الطالبان، على أساس أنهم يقاتلون ضد الولايات المتحدة.
الفيغارو: هل يوجد خطر إنقلاب عسكري في باكستان؟
أحمد رشيد: كلا، ليس الآن. الجيش يملك مصلحة في بقاء حكومة مدنية في باكستان، حتى يحمّلها مسؤولية الأحداث الأخيرة. وأيضاً، لأن المجتمع الدولي لن يقبل إنقلاباً عسكرياً. لكن الوضع سيصبح مختلفاً إذا ما تأزّمت الحالة.
الفيغارو: هل تتمتّع المرافق النووية بحماية كافية؟ وهل يمكن أن تقع في أيدي الطالبان؟
أحمد رشيد: البرنامج النووي الباكستاني يخضع للجيش، الذي يظل موحداً ومنضبطاً. وطالما لم تظهر تفسّخات ضمن الجيش، فليس هنالك خطر فوري. إن آليات الحماية مجرّبة ومتقنة. وتسهر قوات عسكرية على المنشآت بصورة دائمة. ولكن يصعب التكهّن بتطوّر أوضاع باكستان. فماذا سيحدث إذا ما واصل الطالبان تقدّمهم في أنحاء البلاد؟
الفيغارو: هل يشارك الأميركيون في حماية المرافق النووية؟
أحمد رشيد: كلا. قدّمت إدارة بوش لباكستان مبلغ 100 مليون دولار لحماية المرافق. ولكن المسؤولين الأميركيين لم ينجحوا في معرفة كيفية إنفاق هذا المبلغ. وقد رفض العسكريون الباكستانيون السماح لهم بدخول المرافق: فهم يخشون من أن يقوم الأميركيون بإقفال مرافقهم النووية… إن أحداً لا يعلم كيف تمّ إنفاق المال الأميركي.
الفيغارو: ما الفرق بين الطالبان الأفغان والطالبان الباكستانيين؟
أحمد رشيد: الطالبان الأفغان والطالبان الباكستانيون والجماعات المرتبطة بـ”القاعدة”، جيمعهم متقاربون ويعملون معاً على المستوى الإستراتيجي. وكانت “القاعدة” قد اعتمدت على الطالبان لخلق منطقة آمنة يتم فيها تدريب جميع الجهاديين. ولكن الطالبان الأفغان هم كلهم تقريباً من “الباشتون”، أي أنهم مزارعون وفلاحون يحملون السلاح لأسباب محلية وليس لأسباب إيديولوجية. أما رفاقهم الباكستانيون فهم أكثر خطورة، لأنهم أكثر تطرّفاً وأكثر إيديولوجية. وتضمّ صفوفهم جماعات كثيرة ليست “باشتونية” وإنما هي “بنجابية”. وكثير منهم من خريجي “المدارس الدينية” ولهم تاريخ حافل بالتطرّف. كما أن لديهم أهدافهم الخاصة: فهم يريدون الإستيلاء على باكستان وفرض “الشريعة” عليها. ولتحقيق هذه الغاية، فإن إستراتيجيتهم تقوم على فتح مزيد ومزيد من الجبهات. وسيدافعون عن “وادي سوات” حتى النهاية وسيشنّون حرب عصابات لاستنزاف الجيش. إنها حرب إرادات.
الفيغارو: هل باتت “القاعدة” أقوى منذ 11 سبتمبر 2001؟
أحمد رشيد: بدون أدنى شك. حالياً، هنالك خلايا في كل البلدان، بما فيها أوروبا. ويكمن مقاتلون متطرّفون جداً ومدربون تدريباً رفيعاً في ألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال، وبريطانيا، وفرنسا. والواقع أن البلد الوحيد الذي لم تنجح “القاعدة” في التمركز فيه هو العراق. بالمقابل، لديها خلايا كثيرة في جميع البلدان، سواء اليمن، أو الصومال.. وبات “حلف الأطلسي” هدفاً إستراتيجياً مهماً لـ”القاعدة”. وأعتقد أن هدفهم الأكبر هو شنّ هجوم إرهابي على نطاق واسع في أوروبا. وليس مستبعدا أن يعمدوا، وبغية إضعاف حلف الأطلسي، إلى تنفيذ مخططاتهم في لحظة تعزيز الأميركيين لقواتهم في أفغانستان…
الفيغارو: هل تعمل “القاعدة” بنفس الطريقة السابقة؟ هل توجد قيادة، أم أن مختلف الجماعات تعمل بصورة مستقلة؟
أحمد رشيد: تقيم الخلايات علاقات في ما بينها. ولا توفّر “القاعدة” أية مساعدة يومية لها. ولكن القيادة الإستراتيجية ما تزال موجودة. وإذا ما تقرّر تنظيم هجوم في أوروبا، مثلاً، فإن “القاعدة” هي التي تتخذ القرار وهي التي تختار البلد. أما تنفيذ الهجوم فيوكل إلى الجماعات المحلية.
الفيغارو: ما هي الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون إزاء أفغانستان وباكستان؟
أحمد رشيد: الخطأ الرئيسي هو حرب العراق، التي استهلكت كل الأموال وكل الوقت اللذين كان ينبغي أن يخصّصا لإعادة إعمار أفغانستان ولتعزيز إٍستقرار باكستان. فغداة انتصارهم العسكري في كابول، كان المسؤولون الأميركيون قد بدأوا يفكّرون بالعراق. وكانوا متأكدين أنهم كسبوا الحرب في أفغانستان، فركّزوا كل طاقاتهم في العراق. ولكنهم ولكنهم فوّتوا الفرصة، وأقفلت نافذة الفرص الآن. ويسعى أوباما الآن للقيام بما كان ينبغي على بوش أن يقوم به في العام 2002.
الفيغارو: ما هو تقييمك للإستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء باكستان؟
أحمد رشيد: أعلن أوباما أن العراق هو حرب سيئة وأنه ينبغي التركيز على أفغانستان. بوجود قوات عسكرية أجنبية ومعها منظمات غير حكنومية، ما زال باستطاعة الأميركيين أن يغيّروا مسار الأمور في أفغانستان. أما في باكستان، فخياراتهم محدودة. لقد فوجئوا، ولم يكونوا يتوقعون مثل هذا التقدم السريع للطالبان. كانت سياستهم الجديدة تقضي بتركيز 90 بالمئة من جهودهم لأفغانستان و10 بالمئة لباكستان. وبات عليهم الآن أن يعدّلوا هذه النِسَب. في باكستان، يستطيع الأميركيون أن يدعموا الحكومة مالياً وأن يدرّبوا الجيش. ولكنهم لا يملكون قوات أميركية على الأرض. كما أنهم غير قادرين على توليد إرادة في المجتمع المدني.
الفيغارو: لماذا؟
أحمد رشيد: بسبب مشاعر العداء للأميركيين القوية في باكستان. ولأن السلطة أظهرت قدراً من التشوّش والغموض منذ 11 سبتمبر 2001 إلى حدّ أن الناس باتوا عاجزين عن فهم ما يجري. قيل للباكستانيين لفترة طويلة أن الولايات المتحدة وباكستان حليفان، ومع ذلك كانت الإستخبارات والجيش يدعمان الطالبان. وكانت الأحزاب السياسية متردّدة على الدوام: فلم تتّخذ يوماً أية مبادرة ضد الطالبان. ويسود التردّد نفسه في وسائل الإعلام: فكيف يمكن للناس أن يكوّنوا رأياً في مثل هذه الظروف؟
أجرت المقابلة مراسلة “الفيغارو” Isabelle Lasserre ، لمناسبة صدور كتاب جديد لأحمد رشيد بالفرنسية:
Le Retour des Talibans, Editions Delavilla