الأحزمة التي ستتخلل في حديثي هنا لا تبتعد كثيراً عن تلك التي يقوم بتفجيرها انتحاريون في العراق، وفلسطين، ولبنان، وأفغانستان، بل تشبه من حيث المضمون، والنتيجة تلك العمليات الانتحارية، الإرهابية، الاستشهادية، وذلك بحسب تأويلات رجال الدين، والسياسة، والأنظمة الداعمة لتلكم العمليات، وأولئك الانتحاريين. أحزمة لا تلف حول خصر، أو بطن بشري، محشوة بمواد قابلة للانفجار، وانفجارها لا يقتل فقط أحداً، أو اثنين، أو أكثر، يخلف أضرار مادية جسيمة بعد أن تزهق الكثير من الأرواح، وتخلف أشباه بشر مقعدين مبتوري الأطراف، أو ذوي عاهات دائمة. ليضمن الانتحاري تذكرة دخول الجنة، والعشاء مع الأنبياء، والحشر معهم، والصديقين. أو ليقدم نفسه قرباناً لقضيته بحسب تأويله، وأفكاره، وخلفيته الانتحارية.
أحزمة موقوتة قابلة للنسف، والتفجير في أية لحظة، وعلى العكس تماماً فمداها المجدي لا يقتصر على شارع، أو محلة، بل سيغوص في غياهب مستنقعات نتنة. أحزمة ستفجر شعب بأكمله في وجه شعب. الأول فيه تضرر بانتزاع أرضه بحج واهية، والأخر قد تضرر بغمر أرضه بمياه سدود هنا، وهناك. فأية حالة احتقانية ستخلقها هذه الأحزمة الناسفة؟؟؟ وأية مواجهة ستضفيها محصلة تطبيق هذه القرارات الجائرة؟؟؟
يعاني الشعب الكردي في سوريا من سلسلة مشاريع عنصرية مطبقة بحقه منذ عقود، في انتهاك صارخ لكافة القوانين الدولية، وأبسط الحقوق الإنسانية، والمدنية، وأعظم تلك المشاريع الإحصاء الاستثنائي الجائر، والذي تم بموجبه تجريد أكثر من ربع مليون كردي من الجنسية السورية التي كانوا متمتعين بها قبل صدور المرسوم التشريعي رقم /93/ بتاريخ 23/آب/ 1962 الذي طبق في الخامس من تشرين الأول من العام نفسه، وتأتي مشكلة الحزام العربي كأعقد المشاكل في المنطقة الكردية، وأكثرها خطورة، لما يتعلق الأمر بالأرض، وانتزاعها من مالكيها الأصليين، وتوزيعها على العرب المغمورين بمياه نهر الفرات، أو استملاكها من قبل الدولة تحت تسمية ما تسمى (مزارع دولة).
في الرابع والعشرين من حزيران في كل عام، تأتي ذكرى البدء بتطبيق الحزام العربي –الاستيطاني- كما أراد مهندس المشروع وصفها، حيث أصدر رئيس الشعبة السياسية بالحسكة آنذاك الملازم أول محمد طلب هلال كراساً في بداية الستينات، وأعيد طبعه في 12/ تشرين ثاني/1963هي دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، والاجتماعية، والسياسية، وضمت توصيات هدفت إلى كيفية تذويب الشعب الكردي وحصرهم وتهجيرهم، وكانت أبرز مقترحاته: “إسكان عناصر عربية، وقومية في المناطق الكردية على الحدود فهم حصن المستقبل، ورقابة على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم، ونقترح أن تكون هذه العناصر من شمر لأنهم أولاً أفقر القبائل بالأرض، وثانياً قومياً مائة بالمائة، وجعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية، كمنطقة الجبهة بحيث توضع فيها قطعات مهمتها إسكان العرب، وإجلاء الأكراد وفق ما ترسم الدولة من خطة، وإنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون هذه المزارع مدربة، ومسلحة عسكرياً كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماماً”.
نفذ هذا المقترح، وبدأت السلطات بالاستيلاء على أراضي الملاكين، والفلاحين الكرد مشكلين ما يسمى (مزارع دولة)، وتم بعد ذلك استقدام مواطنين عرب من محافظتي الرقة، وحلب إلى المنطقة، وسلموا الأراضي التي تم الاستيلاء عليها التي تقارب 800 ألف دونم المنتزعة من /335/ قرية، يشغلها أكثر من مائة وخمسين ألف كردي، وفي شتاء /1974-1975/ وصل المغمورون إلى الجزيرة، وشرعت الدولة ببناء تجمعات نموذجية لإسكانهم.
و”بتاريخ 24/حزيران/ 1974 اجتمعت القيادة القطرية لحزب البعث برئاسة الأمين القطري المساعد رئيس لجنة الغمر، وأصدرت قرارها العنصري رقم /521/المتضمن إعطاء الأوامر التنفيذية بتطبيق الحزام على الواقع، وتفويض المسؤولين المعنيين باستلام الأراضي الزراعية، والحاصل الناتج عنها، وتوزيعها على المستوطنين أولاً بأول، وفق استمارات، وجداول نظمت مسبقاً، وبلغ عدد المستوطنات /39/ مستوطنة /12/ في منطقة ديريك، و/12/ في منطقة قامشلو، و/15/ في منطقة رأس العين. حيث بلغت المساحات المسلمة لهم حوالي/800000/ دونم استفادت منها حوالي /4500/ عائلة، وبلغ عدد القرى الكردية التي شملها الحزام /335/ قرية ممتدة ما بين /275/ كم طولاًًً و/10 – 20/ كم عرضاًً من أقصى شمال شرق الجزيرة إلى ما قرب محافظة الرقة غرباً، وحصلت كل عائلة على مساحة من /150/ إلى /300/ دونم من أخصب أراضي الجزيرة”.
أما مؤخراً، وبناءً على توجيه جديد من القيادة القطرية لحزب البعث، ومن خلال كتاب صادر عن وزارة الزراعة تحت رقم /1682/ م د بتاريخ 3/شباط/2007 تحاول السلطة استئناف عملية توزيع أراضي ما كانت تسمى (مزارع دولة)، حيث قامت مديرية الزراعة، والإصلاح الزراعي بالحسكة بتاريخ 15/حزيران/2007 بإبرام عقود منحت بموجبها حوالي /5600/ دونم من أراضي (مزارع دولة) في منطقة ديريك (المالكية) التابعة لقرى (خراب رشك، كري رش، قدير بك، كركي ميرو، قزر جبي) لـ/150/عائلة عربية من منطقة الشدادي جنوب الحسكة، في خطوة تعتبر من أكثر الخطوات شوفينية، واستفزازية. لما يترتب عليها من نتائج قد تكون وخيمة من خلال استقدام عائلات عربية، وإسكانها في قرى كردية، أصحاب تلك القرى أولى بامتلاك، واستثمار تلك الأراضي الزراعية، رغم أن المسألة هي إنسانية أيضاً بالنسبة للعوائل العربية المغمورة أراضيها بمياه سد الحسكة الشرقي، ولكن ليس بهذه الممارسات الاستفزازية، والشوفينية.
القرار الأخير يعيد للأذهان قرارات لجنة الاعتماد التي طبقت مشروع الحزام العربي، ومن خلال تلك القرارات استولت الدولة على أرضي الفلاحين، والملاكين الكرد، ووزعت على عوائل عربية استقدمتهم السلطة من منطقة حوض الفرات في حلب، والرقة منفذة في ذلك مشروعاً استيطانياً عنصرياً لا هدف منه سوى تغيير الطابع القومي، والديموغرافي لمنطقة الجزيرة، وممارسة شتى الضغوط على الفلاحين الكرد لهجرة أراضيهم، ومناطقهم التاريخية، وعرقلة التطور الاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي للشعب الكردي في سوريا، بالرغم من أن السلطة عوضت الفلاحين العرب مادياً قبل الأن، تحاول الأن منح ما تبقى من أراضي منطقة الحزام العربي – المستثمرة أصلاً من قبل بعض المسؤولين- مرة أخرى لهم، في حين تعيش الآلاف من العوائل الكردية في تلكم القرى المشمولة بما يسمى (مزارع دولة) في حال حرمان، وفقر مدقع، مهاجرين قراهم، ومناطقهم باتجاه العمالة في الداخل السوري في مطاعم، ومقاهي، ومداجن، ومزارع.
سياسات تهجيرية شوفينية ممنهجة، تنتهج من خلال هذه المشاريع الاستيطانية العربية، في القرى والمناطق الكردية، والتي لا تخلف سوى حقدٍ، وتفجر ثأرٍ، وتزرع فتنة بين شعبين ظلا منذ عقود جارين متعايشين على حلو الحياة، ومرها، ولم تستطع كل المشاريع الشوفينية العنصرية من خلق الفتن، والاحتقانات بينهما، بل مازالا متعايشين محاولين بناء أفضل، وأحسن العلاقات بينهما كجارين مشاركين الأرض، والهواء، والماء، والشمس.
في منطق أعوج، تحاول مجموعات إعادة خلق الفتن بين الكرد، والعرب في منطقة الجزيرة، حيث فشلت كل مشاريعها التي كانت على هذه الشاكلة، ولم ينجر إليها الكرد، وكان ذلك واضحاً بعيد انتفاضة قامشلو التي حاولت جهات تحويرها كمشكلة كردية عربية، في حين لم تكن حقيقتها تلك التي روج لها إعلامياً، وانجرت بعض العشائر العربية، لاغتصاب المحلات التجارية الكردية، من خلال حملات جنجويدية أثناء مظاهرة نظمها حزبين كردين احتجاجاً على اغتيال الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي، وواجهها الكرد بحكمة، وعقل.
أحزمة ناسفة، تلف حول خاصرة منطقة الجزيرة، من شأنها الإعداد لعمليات تفجيرية، قد لا تقتصر على المنطقة فقط، بل قد تتعداها إلى مناطق أخرى، ولا تعكس هذه القرارات، ولا تطبق توصيات القيادة السورية، وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد، الذي أكد أن الشعب الكردي هم جزء من النسيج الاجتماعي، والتاريخي في سوريا، وهم مواطنون أصلاء في هذا الوطن. إذاً من المستفيد من إعادة طرح مشاريع عنصرية تحاول سحب هذا التاريخ وهذه الوطنية من الكرد الذين يتفاخرون بأجدادهم الذين كان لهم بصمات واضحة، وجلية في تاريخ سوريا؟؟؟
أحزمة ناسفة، تنتج فتناً، وقنابل موقوتة، ومن يقدم على هكذا مشاريع لا يريد سوى خلق شروخ أكبر، وتوسيع الهوة بين الكرد، والعرب. في وقت الكل أحوج لرأب التصدع القائم بين أبناء الشعب السوري بكل أطيافه، وألوانه، وقومياته، والأجدر بهؤلاء إعادة النظر بهكذا قرارات، ووقف هكذا مشاريع التي لا تحمل بين طياتها سوى أنفاساً شوفينية، قمعية تحاول وأد الكرد، وتحريضهم، وإجبارهم على هجرة مناطقهم باتجاهات مختلفة لكي يتسنى لهم استكمال، وتنفيذ مشاريعهم العنصرية.
أحزمة ناسفة تزرع في مناطق، من شأنها خلق جيل كردي عربي، يبغضون بعضهم بعضاً، لا ينظر أحدهم للأخر إلا كأنه مغتصباً أرضه، سارقاً لقمة عيشه، مرتكباً أفظع الجرائم بحقه، وإلا كيف سينظر طفل كردي إلى آخر عربي استقدم مع عائلته، ويأخذ أرضه فيتحول الطفل الكردي تلقائياً إلى بياع يانصيب، أو نادلٍ في مطعم، أو معلم أركيلة، أو ماسح أحذية، وينعم الطفل العربي بما تتكرم الأرض في تقديهما، والتي عودت الإنسان أن لا تبخل عليه أبداً. أيها السوريون في كل مكان، أيها الشرفاء أنقذوا الجزيرة من مشاريع أحزمة ناسفة لن تحصد سوى الفتن، والحقد، والغل، والكراهية.
akkopress@gmail.com
* كاتب سوري
أحزمة ناسفةالأفكار العنصرية-خالص جلبي – نحن الآن في “جون” حزيران من عام 2008م ننعم بالسلام في الأرض نسبيا، ولكن ساعات الفجر الأولى من يوم السادس من شهر حزيران (يونيو) من عام 1944 ميلادي كانت قصة مختلفة. فقد قام الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، بإنزال ناجحٍ لأكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ، على الشاطئ الفرنسي في منطقة النورماندي، محمولة على ظهر 6800 سفينة حربية، ومساندة بـ 6500 طائرة مقاتلة، في محاولة لاختراق ما عرف بجدار (الأطلنطي) الذي بناه النازيون، وبناء رأس جسر اندفعت منه 37 فرقة عسكرية، وفي المؤخرة قبع 1,5 مليون جندي أمريكي، و1,7 مليون جندي بريطاني و 175000 جندي كندي،… قراءة المزيد ..