يضرب لنا القرآن مثلاً بقصة النبي يوسف وامرأة العزيز التي أثارت شهواتها مفاتن النبي المليح، فظلت تطارده و تنصب له الكمائن و تتحايل عليه ليطفأ ثورة شهوتها المتقدة لهفاً عليه، و هو ما يعني أن امرأة العزيز رأت في يوسف ما شغفها به حباً و كاد أن يهم بها لولا حرصه على عفته، فحادثة الزنا لها طرفين إن امتنع أحدهما لم تقع، كما حدث في القصة القرآنية بمحافظة يوسف على عفته. و أن الذي حرك شهوات امرأة العزيز و كسر عفتها هو رؤيتها لشاب مليح، و هكذا لا تفهم كيف يكون الحجاب صانعاً لعفة المرأة، لأن امرأة العزيز منتقبة كانت أم سافرة، فإنها كانت ستشتهي الشاب المليح، و لو لم يكن يوسف معصوماً بعفته لتمت الجريمة بفعل و تحرك و اشتشهاء امرأة العزيز.
و هنا أزعم أن النتائج المترتبة على تنقيب المرأة هي على عكس المراد منه بالمرة، لأنه أوسع الأبواب للمرأة لكسر قيمة العفة و كل ما يرتبط بها من قيم، النقاب هو الباب السحري إلى الرذيلة العلنية.
تعالوا نتفهم الموقف: هل سيقوم النقاب بإلغاء شهوات المرأة و يمنع رغبتها في الاتصال الجنسي بغريب عنها ؟ لقد أحاطنا القرآن علماً أن الشهوة – كما حدث مع امرأة العزيز- تأتي من العين و من المشاهده و المعاينة و الرؤية، و النقاب لن يمنع كل هذا، فالعين ترى و تزني كما في صحاح الأحاديث. و المرأة المختفية وراء نقابها سيتاح لها إطالة النظر و التمعن و التأمل في تقاطيع الشاب المليح فتتصاعد شهوتها و تتزايد مع استمرار التأمل الشهوي، و هي مخفية بنقابها، مطمئنة لعدم معرفة الناس لشخصيتها، و هو ما يعطيها فرصة للتملي و التشهي مع مقبلات تخيلية للحالة الشهوية مما يرفع درجة الاشتهاء، ليدفعها للاحترار النزوى لمحاولة الإغواء دون خشية من فضيحة، و إن صادفها صد من الشاب المليح لعفته مثل يوسف، فهي آمنة و لن يذهب ليحكي عن التي غازلته و هو لا يعرف من هي، بينما لو كانت سافرة و نظرت إلى مليح باشتهاء سيلاحظها الناس، مما يؤدي إلى حيائها و خجلها و الحرص على سمعتها، مما يردعها عن الاستمرار في النظر الشهوي. فالعيون حولها تحسب عليها الشاردة و الواردة لذلك تحرص على أن تبرز كصورة كاملة للعفاف. ألا ترون معي أن النقاب هو تمكين للمرأة من هتك ستار العفة و ليس العكس، بل هو أيسر السبل إلى الرذيلة.
و إذا كان الحجاب و النقاب من شئون الدين، فإن الدين أكمل من أن يضع مثل هذه الشروط المعكوسة التي تؤدي إلى نتائج عكسية. كذلك لا يليق بأي دين أن يكيل بمكيالين ليحمي طرفاً دون طرف، فيحجب المرأة و ينقبها و لا يحجب الرجل و ينقبه، و الله ليس بغافل عن شهوات خليقته و أوضح لنا ذلك في قصة يوسف و امرأة العزيز،إن الدين لا يحمي فريقاً من اتباعه دون فريق، و لا يميز بين أتباعه و لا يستقوى على الأضعف ظاناً أنه يردعه بينما هو يدفعه دفعاً إلى الرذيلة.
و إذا كان الدين يضع قيوداً على النساء طلباً للعفة فيلزم أن يضع مقابل ذلك على الرجل تحقيقاً للعدالة، لأن الشهوة عند كليهما، و لأن العفة يجب أن تكون لكليهما، و لأن كسر العفة بالزنا يلزمه كليهما، و أن الحدود تقع على كليهما، و لن يحمل طرف مسئولية جريمة مشتركة بين اثنين دون الطرف الآخر.
يضاف إلى هذا خاصية خلقية تجعل النقاب طريقاً مفروشاً باليسر و السرية إلى الرذيلة، هو أن المرأة لا تفشل في اتمام الفعل الجنسي فهي قابلة له طول الوقت، لعدم حاجتها حاجة الذكر للانتعاظ، هي فقط تعطي الإشارة التي تعرب للرجل عن رغبتها، و تترك له باقي المهمة التي قد ينجح فيها أو يفشل حسب ظروفه الصحية و النفسية و مدى هدوءه أو توتره، فالرجل قد يفشل، أما هي فلا تفشل، قد تقع الجريمة من الرجل أو قد لا تقع حسب حالته، لكنها واقعة حتماً متى أرادت المرأة إلا مع من رأى برهان ربه و حرص على عفته كما حدث مع يوسف الصديق.
إن إكراه المرأة بحبسها في البيت، أو دخولها الدير رهبنة يحافظ على العفة لعدم وجود ذكر و الرؤية و الاشتهاء، لذلك يجب أن تكون العفة قناعة داخلية بقيمتها بوازع من ضمير يتم تربيته في الطفولة المبكرة، فيصنع العفة الحقيقية، لأني عندما أمنع نفسي عن لذة متاحة غير علنية فإني أكون مقتدياً بالصديق يوسف، لدي عفة داخلية تمنعني عن امتهان نفسي بفعل شهوي غير قيمي أخلاقياً. يهين الرقي الأخلاقي لإنسانيتي، و عندما يقول أحدهم اليوم أن الحجاب عفة فإنه يكون أول طاعن في الدين، لأنه يصور ديننا غير قادر بذاته و ممكناته البرهانية على خلق عفة داخلية لدى المؤمنين، هو كمن يقول أن قرآنه و حديثه و كل إيمانه غير قادر على خلق عفة للمؤمنات. و هو ما يعني أن رجال الصحوة قد أمسوا غير واثقين فى أنفسهم بالمرة، وأيضا غير واثقين فى نسائهم، و غير واثقين من قدرة الدين على ردعهن، فذهبن إلى الأداة الإكراهية الخارجية.
رغم أن الفلاحة المصرية كانت تتعرى و هي تعمل في طين الأرض الطاهرة، و أن المعلمة المصرية كانت تقف في الأسواق سافرة متبرجة تدير أعمالاً و تشغل أموالاً و رجالاً عتاة جبابرة، و عفتها محمية بذاتها لا يجرؤ رجل على خدشها، بينما المنتقبة في قصور الحريم ظلت في الحكي الشعبي الدرامي لعازف الربابة، رمزاً لإنعدام العفة في سعيها لاشباع شهواتها مع أي إنسان حتى لو كان من عبيدها، بل يصل المدى إلى معاشرة الحيوان طلباً للاشباع كما في الملاحم الشعبية و ألف ليلة و ليلة.
ملحوظة أخرى لا تفوت فاحص، هى ما صاحب الصحوة و حجابها و نقابها من ألوان زواج غريبة، و الأغرب أنها مشروعة بفتاوي مشايخنا، رغم أنها لا تنشئ أسرة و هي الهدف من الزواج، و ذلك مثل الزواج العرفي و الهبة و المؤقت و السياحي و المصياف و المسيار و الفريند، و هي ألوان لم تعهدها مصر قبل اصحوة، و ما كانت الواحدة من أمهاتنا أو جداتنا السافرات تقبل عرضاً بزواج كهذا، لأنه كان يعني الإهانة الكاملة للعرض و الشرف و العفة و الكرامة الإنسانية، و لو قال أحدهم بمثل هذا الزواج حينها لرموه بألف نعل و نعل.
إن العفة الحقيقية تكون عندما تكون السبل ميسرة إلى كسرها، لكننا لا نكسرها احتراماً لذواتنا الآدمية الراقية، العفة الحقيقية تحدث عندما توجد المثيرات و نعف عنها كما عف يوسف، و إن انهيار العفة في بلادنا جاءنا ضمن منظومة كاملة، تبدأ بأن الرزق لا حيلة فيه لأنه بيد الله مهما تكاثرنا و تناسلنا، فضاعت الأسرة و تربى الأبناء في الشوارع، و لم يتلقوا الجرعة التربوية اللازمة لنقش القيم في أرواحهم و هي بعد غضة تتشكل.
لذلك جاء معه بالحجاب و النقاب و معه ألوان فضائحية لأنواع زواج هي إهانة بكل المعاني لأي امرأة محترمة مسلمة كانت أو غير مسلمة و لمعنى الزواج نفسه. إن قيمة امتناعي عن الخمر لا تكون قيمة إلا عندما يتوافر الماء و الخمر في السوق فأختار الماء صوناً لآدميتي من ارتكاب زلل قد يهينه السُكر، أما عندما لا تتوفر الخمر بجوار الماء فلا مجال للحديث عن قيمة إنما عن قمع فقط.
و لأن الثقافة الجنسية في بلادنا لا تعدو متعة الفعل الشهوي للذكر وحده، دون لوازم أخرى ضرورية لصنع الحب السليم بين الطرفين، فإن الزواج يقوم أساساً على المذاهب السنية الأربعة مع الجعفري على مبدأ المتعة و الاستمتاع بالأنثى، لذلك يقال عنها متاع، و يقال أيضاً للأريكة و الحمار و الفرس متاع، و يقال عنها هي الفراش، فهي ليست طرفاً له أي دور في الموضوع، هي محل متعة الرجل أما إنسانيتها و كرامتها و حالتها النفسية و صحتها الجنسية كل هذا غير موجود في موضوع الزواج بالذات، لكنه موجود في حالة الزنى حيث بإمكانها أن تقبل أو ترفض، أما في الزواج فالجنس جبري على المرأة حتى لو كانت على التنور أو فوق ظهر قثب. لذلك يكوت الزنا هو الألذ لأنة قام على اختيار ورغبة، لذلك يجوز لنا الاعتداء على طفولتها البريئة بالختان الجائر أو غير الجائر كعقوبة مُقدمة ثم نعزلها بالحجاب و النقاب لحفظ عفتها، بينما هي طوال الوقت في حالة تهيج دائم بزوجها الذي يمارس دون اشباع لغريزتها المختونة لبلوغ الأورجازم، و لا تصله إلا بشق أنفاس الزوج حتى الموت.
و المرأة منقبة أو غير منقبة عندما تبحث عن إشباع الغريزة لا تخضع في بحثها لما يخضع له الزواج من شروط التكافؤ و المستوى الإقتصادي و التوافق العائلي و العلنية و المهر و الحسب و النسب و الدين، لذلك سترتمي في أحضان القادر على الإشباع لأن الزواج لم يشبع بضعها المختون، و المنتقبة أولى بالقدرة على ذلك لإستتارها، حتى أن يهود زمن البطاركة الأوائل كان لديهم عرفاً مسنوناً بعدم كشف وجه الداعرة المنتقبة حتى لا يعرفها أحد ستراًً لها، و هو ما تجده في قصة بوعز و تامارا عندما كان النقاب زياً خاصاُ بالعاهرات يُعرفن به فكانت المنتقبة تعلن بنقابها عن الرغبة فى لفاء جنسى سريع ومؤقت وينتهى دون ان يعرف الذكر من كانت شريكتة فى الفعل، أما العفيفات فكُن هن السافرات. لذلك إن وجدت الشهوة المقموعة بأداة خارجية الفرصة، فستنطلق دون أى شروط بلا رابط و لا ضابط لأن المنتقبة مستورة مطمئنة البال هادئة الجأش، لأنها غير محمية و غير مصونة بتربية الضمير الأخلاقي في الطفولة ناهيك عن قمعها بالنقاب.
تعالوا معي ننظر إلى نساءنا المسلمات المهاجرات إلى بلاد الغرب العاري، ستجد أن ما يصون عفة نساءنا هناك ليس الحجاب و لا النقاب، إنما يصونها الوازع الأخلاقي الذي تربي عليه الشارع الأوروبي، هذا الشارع يغص بالفاتنات الرشيقات الحمراوات البضات مليحات القد الرقيقات.. قل ما شئت أو تَغنى، و مع ذلك لا يتعرضن مع ملبسهن الكاشف للاعتداء، فماذا عن الرجل المسلم في شارع الفاتنات الغربي ؟ ما بالة لايفعل معهن ما كان يفعلة مع بنات وطنة و لا يعتدي عليهن و لا يتجرأ على التحرش بهن و لو لفظاَ، لأن المجتمع حوله سيتدخل فوراً ناهيك عن الردع القانوني المُغلظ، لذلك هو بدوره يعف عن الفاتنات ولو مُكرها، لديهم أمن و سلام اجتماعي رغم أنهم لا يملكون هيئة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟!! و من لديهن مثل تلك الهيئة يختطفن الرجال الملاح.
ولأننا أصحاب الأعاجيب، فجأة تصيب العدوى مسلمي المهجر ليرفعوا في أوروبا ذات الشعارات بالحجاب والنقاب (الحجاب والنقاب عفة و طهارة). فإذا كان النقاب يخلق لدى المرأة العفة، و أي امرأة في الدنيا لو سألتها ستقول لك أنها تطلب العفة، فلا يبقى سوى أن يقنع المسلمون مجتمعات مهجرهم بقيمة النقاب و فوائده، كما اقتنعونا بسياراتهم و طائرتهم و أزيائهم كالبدلة و الكرافته، لماذا لا يقدم المسلمون لبلاد مهجرهم الأدلة و البراهين المقنعة على عائد هذا الزي الإسلامي و ما سيحققه من فوائد مُنتظره، و ربما تنمكنوا من إقناع أهل الغرب كما اقنعونا، أم أنهم شطار و لهاليب معنا وحدنا ؟ و ربما اقتبس الغربيون النقاب كظاهرة صحية تدل على سلامة المجتمع و أنه مستقر عقلياً و أخلاقياً، حتى نصحو يوماً على نصر إسلامي و فتح قريب، فنجد نساء اليابان و أمريكا و الصين و قد تنقبن، و نكون قد فتحناهم دون غزو و قتال و دمار، و هي كما نعلم شعوب تتميز بالقابلية للتعلم و الأخذ بالجديد لكن بشرط الاقناع و البرهان و الدليل.
مسلموا المهجر لا هم اندمجوا في ثقافته و لا هم علموهم ثقافتنا، و مع ذلك يصرون هناك على إثبات الزي الإسلامي الموحد، تمييزاً طائفياً للإشارة إلى التميز بالإسلام، لأنه ليس لديه ما يفخر به من إنجاز يديه، فيفخر بدينه الذي لم يختره و ربما لا يعرفه. و لا يبقى سوى أن ارتداء هذه الأزياء في الغرب هو تحدي للأمم المضيفة و لقواعدها، لإثبات تميز ديني إضافة للتميز الطبقي والتميز الخلقي، لأنه إذا كان القصد من النقاب و الحجاب هو العفة فمعناه اتهام لكل المجتمع الغربي بالعهر و الدعارة، و أن العفة و الطهارة ميزة طائفية تخص نساء المسلمات وحدهن. هذا رغم أن المجتمع الأوروبي يعمل بوازعه الداخلي الذي يحترم الأخر و حرياته و عقيدته ولا يقبل أى تمييز بين أعضائة، لذلك لا يعتدي الرجل الغربي على المسلمة ليجرح عفتها و طهارتها حتى لو سارت في الطريق العام ملط زلط. حضارة الغرب آمنة بالوازع الأخلاقي الضميري، و الأوروبي لن يترك فاتنات قومه ليغازل نساءنا (عافاك الله؟!!)، والمعنى أن الزوج المسلم لن يخشى على زوجته أن يلتهمها الرجال الأوروبيون، بل العكس هو الممكن حدوثه، أن تلتهم المسلمة الأوروبي المليح كما حاولت امرأة العزيز. لذلك فإن الحجاب و النقاب في أوروبا هو شعار سياسي تمييزي طائفي طبقي بدائي، لا يحقق عفة و لا يصنع طهارة كما يقول الإعلان الترويجي الكاذب و الشرير.
هو في أوروبا شعار تمييزي يتعالى على أهل البلاد بفضيلة وهمية، و هو هارب إلى جنة بلادهم من جحيم بلاده. و إذا كنا نعلم بالإحصاءات المعلنة في بلادنا حجم حوادث الشرف، سنجد أن الحجاب أو النقاب لم يخلق عفة في بلادنا، فهل بإمكانه أن يخلقها للأوروبيات؟
و إذا كانت العفة في الغرب لا تقوم على استخدام أدوات خارجية حاجبة او مانعة، و إنما تقوم على الضمير الأخلاقي، فلماذا تلبس المسلمة الحجاب هناك او النقاب و تستشهد في سبيله، مادام الغربي لن يشتهيها و لن يغازلها و ستظل محتفظة بعفتها ؟ حجابنا في أوروبا عودة للعصور الوسطى، إلى زمن التمييز بين الناس على أساس ديني، عندما كان اليهودي يلزم بالزي الأصفر، و القبطي بالصليب الخشبي الثقيل و حلق مقدمة رأسه و لبس خفي نعل بلونين مختلفين، و المسلم يلبس الأبيض و يعاقب الذمي الذي يلبس العمامة البيضاء بالجلد لأنه أراد الارتقاء لطبقة العربي المسلم تزييفاً، كمن زور بطاقته الشخصية، و الحجاب و النقاب من زمن كاننت فيه الولاءات دينية و الحروب دينية و الهويات دينية و الحكومات دينية، فكان الدين هو سيد الموقف في العصور المظلمة من تاريخ الإنسانية.
وهذا كله ما تعلمته مصر من الدرس الأوروبي منذ 1919 و حتى نهاية الستينات في القرن الماضي، لذلك نعم الشارع المصري بالأمان الأخلاقي دون شعارات بترودولارية، احترم طرفا المجتمع بعضهما و اعترف كل منهما بحقوق الآخر، و احترموا المشترك الاجتماعي بينهم كالحريات الشخصية، لذلك كانت المصرية المسلمة و المسيحية و اليهودية و بنات الخواجات يسرن في مصر بلا حجاب و لا نقاب، آمنات على عفتهن، و لم نر من السافرات فُجراً إلا بالنسب الضئيلة المسموح بها في أي مجتمع سليم. و لو قلنا أنهن كن فاجرات لسفورهن فكأننا نطعن في شرف المجتمع كله، لقد أدرك المجتمع حينذاك أن الحجاب و النقاب أو البيشة و اليشمك قد أديا دورهما بتعريف المجتمع معنى العفة، و تم المراد من رب العباد، و عاد الرجال واثقون بنسائهم و النساء واثقات برجالهن، و أن كليهما فاضل كريم عفيف ليس بحاجة إلى الأداة القامعة التي أدت وظيفتها و انتهى أمرها، فليس من المقبول أن يظل مكسور اليد ملفوفاً بالجبيرة بعد شفائه. عرف المجتمع المصري الواثق من نفسه أن نسائه مكتفيات و لسن بحاجة لعفة خارجية، فخلعت أمهاتنا و جداتنا الأداة القامعة تعبيراً عن رأي الرجال فيهن، و كانوا نعم الرجال أفعالاً و أقوالاً، كانوا رجال النهضة و التنوير، و كن نعم الأمهات و الجدات. لقد كانت العفة في بلادنا قبل الصحوة السبعينية مصانة و بألف خير، و عندما بدأ الفرض و التدخل الخارجي تراجع الضمير و أخلى نفسه من المسئولية الأخلاقية برضى و موافقة المجتمع ليسلمها لمشايخ الوهابية.
ثم أنه إذا كان لابد من استخدام أداة خارجية لصون العفة، فستكون خياطة الفرج هي الأنجح و ربما كان حزام العفة هو الأكثر نجاعة، لأن النقاب يسمح للمرأة بالرؤية و الاشتهاء، و رجال اليوم ليسوا كيوسف الصديق و لن يروا برهان ربهم، لذلك يصبح الحل الأمثل هو خزق عيون النساء و إصابتهن بالعمى، و ربما يستحسن البدء بإجراء تلك الجراحة الهامة مبكراً في سن الطفولة مع عملية الختان في يوم واحد، أو أن يحتجب الرجال بدورهم تحقيقاً للعفة في الطرفين. أو أن نطلب من صديقتنا الصين التي تتفهم مواقفنا و تصنع لنا كل متعلقات و أدوات التعبد من دلع أطفال المسلمين بفوانيس رمضان إلى بوصلة الكعبة و السجادة المؤذنة، أن تصنع لنا قفلاً إسلامياً بأرقام سرية، و ليكن الشعار الجديد هو (قفل العفة ضمان و امان).
سادتي الفضلاء من تجار الدين السياسي في مصر المحروسة و أي مصر، لو كان النقاب صانعاً للعفة ما أنجبت لنا نساء الجاهلية أبا بكر و عمراً و عثمان و طلحة و الزبير و حمزة و علي و غيرهم من خيرة رجال الدنيا و الدين، لأن نساء الجاهلية كن سافرات، و لما أنجبت لنا آمنة السافرة محمداً الصادق الأمين بتربيتها الجاهلية مثل كل هذه الأسماء العظيمة في تاريخنا، و إن نساءاً ينجبن رجالاً كهؤلاء لا شك كُن عفيفات رغم الجاهلية، فإذا كان المجتمع الجاهلي قد أنجز عفة ضميرية بدون نقاب، بل كن حاسرات متبرجات، و مع ذلك حفظت عفتهن النطف الأصيلة، و ربتهم على القيم الأصيلة، أفلا يكفل لنا الإيمان بالإسلام ذلك؟
سادتنا المشايخ المسيسين، نحن نرى أن تقاليد مجتمعنا المصري وحدها كافية (كما كانت و كما ستظل) هي الضامن للأمان الاجتماعي و العفة و الخلق الرفيع، شرط أن تعود مصرُ… مصراً.
elqemany@yahoo.com
• القاهرة
أبعاد ظاهرة الحجاب والنقاب (1 من 4): البُعد التاريخي