إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
وُصِفَ خطاب سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمام الوزراء والنواب في مجلس الأمة في جلسة أداء اليمين الدستورية أميرا للكويت، وُصِفَ، وفق العديد من المراقبين، “بالحزم”.. حزم تجاه الحكومة وكذلك تجاه نواب المجلس.
أولى نتائج هذا “الحزم” تمثّلت في تقديم رئيسِ الوزراء الشيخ أحمد النواف استقالةَ حكومته التي قَبِلَها أميرُ الكويت على الفور. تلا ذلك توقّعات بحل مجلس الأمة. فسموُّ الشيخ مشعل الأحمد اتّهم في خطابه الحكومة والنواب “بالتعاون، وباجتماع كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”.
أما التوقُّعُ الثالثُ فتمثّل في إمكانية إلغاء قرارات وزارية ومراجعة تشريعات نيابية لها علاقة بعنوان “الإضرار”، على الرغم من أن هذه القرارات والتشريعات توافقت مع الأطر القانونية والدستورية. غير أن بعض المراقبين تحدّثوا عن “توافق سياسي من تحت الطاولة” ساهم في صدور هذه القرارات والتشريعات، ما اشتمّ من ذلك وجود صفقة “فساد إداري”.
ردودُ الأفعال على خطاب أمير الكويت تباينت بين رفع شعار “السمع والطاعة”، وبينَ اعتبارِ الخطاب خطوة حازمة لابد منها لوقف مسلسل “الفساد” الحكومي/النيابي بعد فترة طويلة من انحراف التوجهات والمخرجات، وبين من احتجّ على محتوى الخطاب ومضامينه مراعيا احترام الذات الأميرية كشرط أوّلي يسبق كل احتجاج.
النائب شعيب المويزري، طالبَ بعد الخطاب بعقد جلسة برلمانية لمعرفة الجهات المتورّطة في موضوع “الإضرار”. بعد ذلك بساعات، صدر بيان من نواب (دون وجود أي اسم أو توقيع لنائب على البيان) يدافع عن عمل المجلس ويشيدُ بالتشريعات التي صدرت منه، ويؤكد الإلتزام بالتعاون مع الحكومة، منتقدا بشكل ضمني الاتهامات الموجّهة ضد عمل البرلمان. وجاء في البيان: “آثرَ (مجلس الأمة) منذ بداية الفصل التشريعي مبدأَ التعاون الذي نصَّ عليه الدستور والمبني على خارطة تشريعية قابلة للتنفيذ وبجدول زمني واضح ومعلن”.
وأكد النواب في بيانهم أن “قطار التشريع الذي انطلق واستبشر الشعب الكويتي به خيرا لا يجب أن يقف بسبب قرارات تنفيذية اختلفت القيادة السياسية في قناعاتها حول جدواها وهي من صميم عملها من خلال وزرائها وذلك إعمالا لمبدأ فصل السلطات وفق المادة خمسين من الدستور”.
من طبيعة الديمقراطيات وجود فريقين سياسيين (أو أكثر) يتنافسان، وأنْ يتفوق أحدهما دون أن يتم إقصاء الفريق الآخر من المسرح السياسي، أو أن يتم “التفاهم” بين المتنافسين. غير أن الأمر مختلف في الكويت، وهو ما يجعل التجربة الديمقراطية الكويتية خارج ترتيب المؤشر الدولي.
فحينما يحاصرُ النواب الموقفَ الحكومي “العليل” إن صح التعبير ويراقبون أداءَ الوزراء ويشرّعون بما يخالف توجهات الحكومة والسلطة، وينتهي الأمر إلى الكشف عن الكثير من “الفساد” و”الألاعيب” الحكومية، وإلى تورّط وزراء في ملفات معينة ينخر منها – مثلا – التعدّي على المال العام، فتعارض الحكومة الموقف النيابي الرقابي والتشريعي، وتتدخل السلطة في الأمر وتقصي مجلس الأمة، وتقوم – مثلا – بحل المجلس وتدعو لانتخابات جديدة، أو تقوم بتعليق الدستور وتلغي وجود المجلس بالكامل، أو قد تزوَّر الإنتخابات، أو تعدّل الدوائر لكي تضمن ظهور مجلس أمة “مُتفاهم” مع الحكومة، وبالمناسبة فإن جميع هذه الأمور حدثت وموثّقة في التاريخ السياسي الكويتي، إن ذلك كله من شأنه أن يجعل التجربة الديمقراطية الكويتية محل تساؤل لماذا هي خارج المؤشر الدولي.
فالديمقراطية تسير في إطار ميزان “المصالح”. وحينما يختار الشعب فريقا يحقق مصالحه، يجب احترام هذا الاختيار حتى موعد الانتخابات القادمة. لكننا وبدلا من احترام اختيارات الشعب تحقيقا لمصالحه، نرى صعودا لنهج الدفاع عن “مصالح” مغايرة، تفسّرها وتدعمها مواد في الدستور ولو جاء ذلك في الضد من النهج الديمقراطي.
مَن الذي يجب أن يُحدّد “مصلحة” البلد في ظل ما يسمى بالممارسة الديمقراطية في الكويت؟ هل هذه الممارسة هي من تُحدّد ذلك أم دستور البلاد هو الذي يحدد ذلك؟ إذا كانت الديمقراطية هي من تُحدّد ذلك، فلا بد من السعي الحثيث لتعديل الدستور إن كان يحتوي على مواد تخالف هذا التوجّه. أما إذا كان الدستور هو من يُحدّد “المصلحة”، فيجب هنا إلغاء الديمقراطية.
إن الديمقراطية وآلياتها هي التي يجب أن تخوض في موضوع “المصلحة”، ولا أحد غيرها يمكنها أن تفعل ذلك حتى لو قال الدستور غير ذلك. وهنا يمكن طرح السؤال التالي المرتبط بأحد الآليات: ماذا لو تم إجراء استفتاء شعبي في الكويت، وقيّمَ الناس المرحلةَ السياسية الراهنة (مرحلةَ التفاهم بين حكومة الشيخ أحمد النواف المستقيلة ومجلس الأمة الحالي) واعتبروا هذه المرحلة من أفضل المراحل السياسية منذ عام 2006 حتى الآن؟
إننا في الكويت نفتقدُ لآليات الديمقراطية – باستثتاء الانتخابات – لتنظيم الحياة السياسية. فعلى سبيلِ المثال لا يوجد أيُّ تصوّرٍ لتفعيل آلية الاستفتاء كمؤشر لقياس رضى الناس من عدمه حول عمل البرلمان والحكومة أو حول التفاهم بينهما. وآليات الديمقراطية هذه أهم من أي مؤشر آخر يسعى للتدخل في الحياة الديمقراطية بغية تنظيم موضوع “المصلحة”.
فالديمقراطية تستند إلى موقف الناس تجاه الشأن العام (ويقاسُ ذلك عن طريق هذه الآليات، مثل الإنتخابات والإستفتاءات والإستطلاعات). أما المواقف الأخرى وإن كانت دستورية فلا مكان لها في هذا الإطار. فإذا تم تجاوز هذه الآليات نحو تفعيل أوامر دستورية غير ديمقراطية، فذلك سيفضي إلى ورطة، ورطة تجاوز كاملَ الديمقراطية على الرغم من البقاء داخل أسوار الدستور. إن احترام الديمقراطية وآلياتها ونتائج ما تفضي إليه، هو ضمان لعدم التورط في اللاديمقراطية بمبرِّر متطلبات وضرورات المصلحة العامة. فلا مساومة على الديمقراطية، فإمّا هي أو اللاديمقراطية.