يبدو أن فترة “الاختبار” والسماح لحكومة الرئيس نواف سلام شارفت على نهايتها، إن لم تكن قد انتهت فعلاً بخيبة أمل بحجم الآمال التي عُقدت عليه. فقد فشلت الحكومة على مختلف الصُعُد، وليس أدلّ على هذا الفشل من تصريحات رئيسها! إذ أعرب مرتين عن امتعاضه من قرارات اتخذتها حكومته، وكأنه مدير لشركة فاقد الصلاحيات، لا طاقة له ولا قدرة على تعديل مسار حكومته، الذي يبدو مع الرئيس سلام قدراً محتوماً.
اتفاق الطائف أناط بمجلس الوزراء مجتمعًا الكثير من الصلاحيات التي كانت حصرًا بيد رئيس الجمهورية، وما يُلزم الرئيس سلام هو أمر بسيط جدًا: تنفيذ اتفاق الطائف ونصوص الدستور، كما وعد اللبنانيين المتعطشين لتطبيق الدستور وبناء الدولة.
ومجلس الوزراء مجتمعًا، يرأسه رئيسه، الذي هو اليوم القاضي نواف سلام. فمن غير المقبول أن يخرج رئيس مجلس الوزراء إلى اللبنانيين ليقول إنه غير موافق على تعيين حاكم لمصرف لبنان، بغض النظر عن الاعتبارات التي أملت عليه عدم الموافقة. ومن غير المقبول أيضًا أن يخرج ليعلن اعتراضه على التعيينات الأخيرة قبل أيام، مشيرًا إلى “سيطرة الوزراء الشيعة” على مجلس الوزراء. وهنا، تجدر الإشارة إلى إصداره نَفياً لهذا التصريح الأخير.
“النقّ” هو من خصائص المواطنين المعارضين والموالين، لا من صفات المسؤولين، خصوصًا أولئك الذين يمسكون بمقاليد القرار، ويرتبط مصير الناس بقراراتهم.
وهذا غيض من فيض. فحكومته لم تستطع حتى اليوم تحقيق أي من الوعود التي قطعتها، وأعلنت التزامها بها في البيان الوزاري، الذي أصبح أثرًا بعد عين، على قاعدة: “إسمع تفرح، جرّب تحزن“.
مخالفة الدستور الذي تعهّد الرئيس سلام بتطبيقه، باتت يومية وعلنية. فما شأن رئيس مجلس النواب بالتعيينات الإدارية، وهي من صلاحيات الحكومة التي بذلت جهدًا لإقرار آلية للتعيينات، إلا أنها أضافت عليها بندًا خفيًا، بالحبر السري، وهو “عدم الالتزام بالآلية” التي أقرتها!
كيف يسمح رئيس الحكومة لمستشاريه بالتفاهم مع الرئيس بري على التعيينات؟ أبسط ما يمكن أن يقوم به، هو طرح الأسماء التي اجتازت آلية التعيينات على التصويت في مجلس الوزراء، ليوافق من يشاء من الوزراء، وليعترض من يشاء، وبدل “النقّ”، يُطالعنا رئيس الحكومة بنتائج التصويت، فنفهم نحن المواطنين من يريد بناء دولة تعتمد على فصل السلطات، ومن يريد الاستمرار في دولة المحاصصة والمزرعة.

هل يستقيل وزراء “القوّات”؟
في جانب آخر، قد يواجه الرئيس سلام استقالة عدد من الوزراء بعد عجزهم عن تنفيذ وعودهم، خصوصًا وزراء حزب “القوات اللبنانية”. فبعد ستة أشهر، لا تزال وزارة الطاقة على حالها: لا “هيئة ناظمة” للقطاع، ولا فتح لملفات الفساد، من “الفيول المغشوش”، إلى تفريغ بواخر الفيول، إلى الجباية المتعثّرة، ومتعهدي الجباية، وتقزيم دور “مؤسسة كهرباء لبنان”، وعدم تعيين مجلس إدارة جديد للشركة. وهذه أمور لا تتطلب انتظار تسليم سلاح حزب الله للبت بها.
وهذا كله في وزارة الطاقة وحدها، علمًا أن حال بقية الوزارات ليس أفضل.
القوات اللبنانية قد لا تستمر في الحكومة، إذا استُدرجت إلى فخ العجز عن تحقيق شعارها “نحنا فينا ونحنا قدا”، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات النيابية، حيث ستكون إنجازات الحكومة الفيصل في تحديد اتجاهات الناخبين. ولا يمكن للقوات أن تستنسخ خطاب وزراء “التيار العوني” في العهد السابق، وخلاصته “ما خلّونا”. فعندها، لا فضل لوزير قواتي على وزير عوني؛ فكلاهما سواء في الادّعاء والعجز، وهذا ما لن ترتضيه القوات، وقد يكون سببًا رئيسيًا في استقالة وزرائها، ما يضع الحكومة في مهبّ الريح.
وبعيدًا عن هذا كله، هل إصدار إجازات السَوق يحتاج إلى سحب سلاح حزب الله؟ وكذلك رخص سير المركبات؟ ولماذا لم تُفتح الدوائر العقارية في جبل لبنان؟ ولماذا تتعطّل الأنظمة التشغيلية في المرفأ؟ ولماذا لا توجد طوابع أميرية؟ ولماذا أصلًا الحاجة إلى الطوابع، ألا يمكن استبدالها بدمغة “استُوفي الرسم” تُدفع في الدائرة المعنية؟ هل هذه الأمور البسيطة، التي تعقّد حياة المواطنين ومعاملاتهم، بحاجة إلى سحب سلاح حزب الله لاتخاذ قرارات بحلها؟
المراقبون في بيروت يشيرون إلى أن الحكومة الحالية قد لا تستمر حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وأن عمرها قد لا يتجاوز نهاية العام الحالي، وأن الرئيس نجيب ميقاتي هو البديل الجاهز لتولي رئاسة الحكومة التي ستشرف على الإعداد والتحضير وإجراء الانتخابات النيابية المقبلة.
وبالفعل، فقد بدأ ميقاتي (الذي شعر بالمهانة بعد المشاورات النيابية الأخيرة التي أعطته عدداً هزيلاً من الأصوات) بإجراء مشاورات واتصالات تمهيداً لعودته.. القريبة!
إقرأ أيضاً:
الانتخابات النيابية اللبنانية بين غياب مشروع الدولة ومتغيرات المشهد الإقليمي
نهج “القوات اللبنانية” الجديد في الشارع المسيحي: تحالفات أم احتواء؟
