(الصورة: مصحف او مخطوطات صنعاء كما عُثر عليها في 1972 في سقف الجامع الكبير، مكوّنة من 4500 قطعة من رقائق ورقية شبه تالفة، يُعتَبَر أَقدم مصدر قرآني والوحيد الذي خُضع لدراسة مستفيضة من قبل جهات متخصصة على مدى فترة زمنية جاوزت اربع سنوات وبتكلفة 2,2 مليون مارك الماني.)
*
مقدمة هامة
الدراسات الكلاسيكية القرآنية في الجامعات الإسلامية في وطننا العربي، كالأزهر الشريف أو جامعة الزيتونة، غالباً ما تكون معتمدة على العلوم القديمة الخاصة بالتفسير مثل التأويل وشرح الألفاظ واسباب النزول والناسخ والمنسوخ. اليوم، وبسبب الأزمات المتعاقبة منذ احداث 11 سبتمبر 2001 م, والهجمات الارهابية التي تشتعل في اوروبا، قفز اسم الإسلام إلى الصدارة وزاد الاهتمام بالدراسات الإسلامية.
الدراسات القرآنية في الغرب بدأت منذ القرن التاسع عشر الميلادي على يد العديد من العلماء والمؤرخين المسيحيين واليهود. ويُعتبر العالم الالماني (ثيودور نولدكه) رائداً في مجال الدراسات القرآنية. كتابه (تاريخ القرآن 1860) فتح باباً مهماً لعالم جديد في التعاطي الأكاديمي مع القرآن. بعد نولدكه عمل كثير من المستشرقين على فهم القرآن في سياقات مختلفة، فظهرت موسوعة عالم اللغات السامية للبروفيسور الاسترالي (آرثر جفري) التي ترجمها الكاتب السوري المتخصص في تاريخ الأديان نبيل فياض تحت عنوان (فروقات المصاحف). بعد اكتشاف مصحف صنعاء عام 1972م، ظهرت مدرسة جديدة من مدارس الدراسات القرآنية اعتمدت على المخطوطات ومحاولة اقتفاء أثر المصاحف الاولى. و مؤخراً، ظهرت مدارس حديثة وصلت للعديد من النظريات قوبلت بالرفض في الاوساط الإسلامية والاكاديمية مثل فرضية الجذور الآرامية السريانية للقرآن لـ(كريستوف لكسنبرغ).
الدراسات القرآنية اصبحت اليوم واقعاً موجوداً في العديد من الجامعات الغربية في اوروبا وامريكا، واصبح القرآن يُشغِل العديد من الباحثين الذين ادخلوا علوما متنوعة مثل الأركيولوجيا (علم الآثار) والأنثروبولوجيا (علم الأنسان) وعلم المخطوطات والنقوش في محاولة فهمهم للقرآن.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوةٍ اليوم هو: هل المسلمون على علم بما يدور في مختبرات البحث حول كتابهم المقدس؟
المشكلة الكبرى ان علماء المسلمين قد اغلقوا باب الدراسات القرآنية واكتفوا بالعلوم التي وصل اليها الاقدمون، وكأن الحكمة انتهت عند الاقدمين ولا تعديل عليهم! وكأنهم ليسوا اصحاب اجتهاد يمكن ان تُضيف اليه او تطوّر منه وتُحدّثَ فيه، وكأننا ثبتنا وجمدنا عندهم! ولا نزال حتى هذا اليوم نتحدث عن المحكمات والمتشابهات واسباب النزول والتفسير الباطني والاعجاز العلمي للقرآن. قد تكون اجتهاداتٍ هامة، ولكن لا يجب ان نتوقف عندها ونتصلب، ولا يجب ان ينغلق عقل المسلم على تفسير وفكر واحد بينما نحارب من يريد ان يفتح الباب امام مناهج علمية عصرية حديثة في التعامل مع القرآن الكريم…
الجامعات الغربية وصلت لمراحل متقدمة في هذا المجال. مزجت ما بين علوم الآثار واللغويات وعلم البيئة وتحليل المخطوطات، واستخدمت الكربون المشعّ والاشعة فوق البنفسجية لمعرفة حقبة الكتابة وتأثير الاختلافات البيئية والثقافية في كتابة النص القرآني. وصلوا الى نتائج متعددة مذهلة وفتحوا افاقاً جديدة قد تكون غير موضع راحة بالنسبة لنا ولا تحمل الحقيقة المطلقة، ولكن تستحق ان نتعرف عليها ونفهمها ونستفيد منها. تجاهلُ هذه الحقائق العلمية بشكل مطلق لن يفيدُنا بشيء، وايضاً تسفيهها وتفسيقُها من باب انها مؤامرة استشراقية صليبية طاعنة بالإسلام لن يُفيد ايضاً! يجب ان نَعي بأن قراءتنا الأحادية للقرآن هي التي اوقعتنا في هذه الحفرة المظلمة التي انحبسنا فيها الآن، وجعلت المتشددين والمنغلقين يحتكرون فهم الدين، ويسيطرون على الأدمغة والقلوب، ويتعاملون مع اقوال قُدمائهم على انها ثوابت نهائية لا يجوز مناقشتها. خلقوا بيئة متطرفة وشعوبا متوترة للغاية تفرض رأياً واحداً في كل ما يتعلق بأمور الدين وتُكفّر الآخر أياً كان.
كنا نعتقد بأن القرآن الذي بين ايدينا هو نفس القرآن الذي انزل على محمد بالنص والحرف والتدقيق كما انزله واملاه جبريل بدون زيادة او نقصان ودون ان يتغير منه حرف واحد او نقطة او كلمة، لا تقديم ولا تأخير، تيمناً بالآية (إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، والآية (وَلَا مُبَدّلَ لِكلمَات اللهِ) وان الله حفظ القرآن من عبث العابثين. هذا الايمان لا يصمد امام البحث العلمي المعاصر ومخطوطات صنعاء تثبت بشكل قطعي ان القرآن تعرّض للتغير والتبديل وتطور في الكتابة والمصطلحات والآيات على مراحل زمنيه مختلفة تزامناً مع تطور قواعد النحو والصرف والبلاغة في اللغة العربية.
***
نبذة عن اقدم مخطوطات القرآن:
- مخطوطات صنعاء المجموعة الاولى ــــــــــــ النصف الاخير من القرن الاول الهجري.
- مخطوطات صنعاء المجموعة الثانية ــــــــــــــ الربع الاخير من القرن الاول الهجري في عهد عبد الملك بن مروان
- مخطوط باريس ـــــــــــــــ الربع الاخير من القرن الاول الهجري
- مخطوط برمنغهام ــــــــــ اواخر القرن الاول الى بداية القرن الثاني الهجري
- المخطوطات البريطانية ــــــــــــــ النصف الاول من القرن الثاني الهجري
- مخطوطات سمرقند (مصحف طشقند) ـــــــــــــ اواخر القرن الثاني الهجري
- مخطوطات القاهرة (مصحف المشهد الحسيني)ـــــــ القرن الثالث الهجري
- مخطوطات طوب قابي سراي في اسطنبول ــــــــــــــ اواخر القرن الثالث الهجري
هذا كل ما لدينا حسب الترتيب التاريخي. وهي أجزاء من مصاحف وليست مصاحف كاملة، اقدمها مخطوطات صنعاء، يُضاف اليها (مصحف سان بطرسبورغ) الذي ليس له اهمية تاريخية ولا يُنافس المصاحف المذكورة اعلاه من ناحية القِدَم.
اذاً، لا توجد لدينا نسخة اصلية كاملة للقرآن من القرن الاول الهجري… عشرات الآلاف من الأحاديث مروية عن رسول الإسلام في الصحاح ولكن لا وجود لنسخة قرآنية مأخوذة مباشرة من لسان محمد، ولا سمعنا أو قرأنا بأن النبي محمد شرح في إحدى خطبه سورة قرآنية أنزلت عليه. ولا وجود لأي نسخة عن صحابة محمد. و لا نسخة عن الخليفة الثالث عثمان. أغلب الباحثين المتخصصين في علم الآثار والعلوم اللغوية يؤكدون نفي صلتها بعثمان بن عفان بل أن كُتّاب هذه المصاحف، وهم مسلمون، ذكروا في المقدمة انهم يعتقدون انها ليست نسخاً من مصحف عثمان!
هذا الادعاء بدأ مبكراً منذ اواخر القرن الهجري الاول! كل من يدوّن مصحفاً ينسبه الى الخليفة عثمان بن عفان! بل إن عشرات المصاحف تم تلطيخها بالدم، ليقولوا ان ذلك هو المصحف الذي كان عثمان يمسكه بيده عندما قُتِل، فيبيعوها بأسعار باهظة جداً. وكذلك، فالإدعاء بوجود مصحف للإمام علي بن ابي طالب بالخط الكوفي أملاهُ عليه رسول الإسلام محمد بن عبدالله لا أساس له من الصحّة! والخط الكوفي نشأ في أواخر القرن الاول الهجري واستُخدم رسمياً في بداية الدولة العباسية أي بعد وفاة الإمام علي بحوالي مائة عام، وأُضيفت اليه الفواصل والنقاط والتشكيل في اواسط القرن الثاني الهجري.
السؤال هو: لماذا لم تحتفظ لنا الدولة الاسلامية في القرن الثاني الهجري (الدولة الاموية) بمصحف كامل موحد بالرغم من امتلاك الأمويين للقوة المادية والنفوذ السياسي، فقد كانوا يحتلون معظم دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا؟
والجواب على هذا السؤال بناء على الاستنتاجات المنطقية هو أمران:
الأول؛ لم تكن هناك لغة عربيه مكتوبة مُوحَّدة ( كما ذكرنا في الجزء الثاني من حلقات « كيف دُوِّنَ التاريخ الإسلامي؟ ») و لم تكن هناك أيُ محاولة لجمع اللهجات واللغات العربية المختلفة في شبه الجزيرة العربية وتوحيدها ضمن لغة واحدة نموذجية قياسية تُستخدم في القراءة والكتابة.. وكان لكل جزء او منطقة او حتى قبيلة في شبة الجزيرة لهجتها وطريقتها في التواصل. ويُعتبر (الخليل ابن احمد الفراهيدي توفي 173 هجرية) هو أول من حاول جمع اللهجات وجعلها موحدة وقياسية وجعلِ اللغة العربية لغة كتابيه بعد ان كانت كلامية وشـفهية. وعمل أول معجم عربي للكلمات والمفردات الشـائعة والمسـتخدمة في الحياة اليومية سماه « كتاب معجم العين ». الأمر الأخر والذى كان محوريا لتوحيد اللغة العربية نبوغُ أحد تلامذة الفراهيدي، وهو عالم النحو سـيبويه و تأليفه كتاب (« الكتاب ») في 170 هجرية و هو أول كتاب منهجي ينـسق ويدون قواعد اللغة العربية والذي قال عنه الجاحـظ أنه «لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله». كان ظهور هذا الكتاب مصيريا لتطور قواعد اللغة العربية، وصار مرجعاً لغوياً لأكثر من ألف عام لا يضاهيه أي مصدر آخر. وقلنا ان سيبويه، ومن قبله الخليل بن أحمد، واللاحقين له من أعلام المدرسة البصرية كانوا يُخْطِئُون القراءات القرآنية و لم ينظروا إليها بقدسية، وإنما تعاملوا معها على أنها لغات عربية تمثل لسان قارئيها وانتماءاتهم القبلية والمكانية، وانهم اعتمدوا على الشعر العربي في بناء قواعد النحو أكثر من اعتمادهم على الآيات القرآنية لكثرة تداوله على ألسنتهم. وكان سيبويه، عندما يُعقب على القراءات القرآنية، فإنه يقول: (هذه لغة ضعيفة). ويُشكل البحث في موقف ورأي النحويين من القراءات القرآنية ركيزةٌ أساسية لمعرفة اصل القرآن ومراحل التدرج في كتابة النص القرآني تزامناً مع تطور قواعد الصرف والنحو في اللغة العربية. لكن كتب الفراهيدي وسيبويه لم تُنشَر وتُدَرس الا بعد انتشار حرفة صناعة الورق في عصر هارون الرشيد (190 هـ)
الامر الثانيً؛ لم يكن وجود لـ(قرآن نموذجي موحد كامل بين الدّفّتين) كالذي بين أيدينا اليوم عندما كانت المدرسة البصرية (نسبةً لمدينة « البصرة ») تشيّد صرح النحو العربي في القرن الثاني الهجري، وتحديداً في 180 هجرية عندما أتم سيبويه كتابه في قواعد الصرف والنحو. بل كان بَدَلاً منه في تلك الحقبة الزمنية اكثر من قراءة قرآنية متفرقة غيرُ مكتملةٌ تراكمت عبر العصور، الى ان اصبحت سبع قراءات متواترة! وكان أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد (توفى ٣٢٤ هـ) أول من ألّف كتابا في القراءات السبع ثم اضيفت ثلاث قراءات أخرى على يد الإمام محمد ابن الجزري الدمشقي الشيرازي (توفى 833 هجرية)، اقرها علماء اللغة العربية في بحثهم لتحديد القراءات المتواترة. فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات، جمهعا الجزري وكانت أولى المحاولات لتوحيد القراءات في مصحف واحد. نَخلصُ من هذا إلى ان توحيد القراءات القرآنية وظهور قرآن واحد كالذي بين ايدينا كان بعد حقبة محمد ابن الجزري، أي قبل نحو خمس مائة عام. (راجع في النت مؤلفات محمد ابن الجزري)
بمعنى اكثر وضوحاً، لا يُمكن في أي حال من الاحوال فصل أو تجزئة تاريخ تطور النص القرآني عن مراحل تطور اللغة العربية الفصحى.
***
- تعد من أقدم النصوص القرآنية الموجودة وبالتالي اقدم وأهم مصدر للتاريخ الإسلامي، بل المصدر الوحيد الذي خُضع لدراسة مستفيضة وتحرٍّ شامل من قبل جهات متخصصة على مدى فترة زمنية جاوزت اربع سنوات. تم اكتشاف مصحف صنعاء بالصدفة في عام 1972 عندما تسببت الأمطار الغزيرة بإلحاق أضرار جسيمة في السقف الخارجي لمكتبة الجامع الكبير بصنعاء القديمة في اليمن التي سرعان ما تهاوت ليتم بعد ذلك، أثناء محاولة ترميمه، اكتشاف مخزن قديم خفي داخل المكتبة، بين السقف الخارجي والداخلي، يضم عددًا كبيرًا من المخطوطات التاريخية لنصوص قرآنية مكونة من 4500 مخطوطة من رقائق ورقية شـبه تـالفة من (الرَق) مصنوعة من جلد الماعز المعالج بمحلول الجير أو الطباشير، وهو أكثر تحملاً للاستعمال من أوراق البردي، وأكثر قابلية للطي على هيئة كتاب، بعضها طرس Palimpsest (معنى طرس انه يمكن محوُ ما كتب عليها ليكتب عليها غيره).
- وافقت ألمانيا في 1979 بطلب من القاضي والمؤرخ إسماعيل الأكوع، الذي كان رئيسا لهيئة الآثار اليمنية، على المساعدة في عمل ورشة لترميم المخطوطات وصيانتها. بدأت عملية الصيانة من فتح وتنظيف ومعالجة وتصنيف وتجميع من قبل علماء متخصصين. وكان (البرخت نوث) Albrecht Noth من جامعة هامبورغ مشرفاً على مشروع الصيانة ، الذي استمر من 1981 الى 1985، وبتكلفة بلغت 2.2 مليون مارك ألماني تبرعت بها وزارة الخارجية الألمانية. بُعثَ جزء من المخطوطات الى جامعة سـتانفورد في كاليفورنيا للفحص المختبري والجنائي والإشعاعي، كما تم تصوير المخطوطات بالكامل على الميكروفيلم في 1996، والمخطوطات بعد التصليح والتجديد ونسـخة أخري منها مصورة بالميكروفيلم موجودة حالياً فى دار المخطوطات في مدينة صنعاء.
كانت نتائج البحث والتحليل ما يلي:
- هي مخطوطات وليست مخطوطة واحدة، تعود إلى فترات مختلفة من القرن الهجري الاول والثاني والثالث.
- تركيز الدراسة كان على الرَق المصنوع من جلود المواشي وهي الأقدم. والأقدم هو الذي سوف يوصلنا الى مرحلة مبكرة من الإسلام، وليست الاوراق التي ظهرت في القرن الثاني الهجري.
- الفحص الكربوني لا يعطي نتائج قاطعة عن تاريخ الكتابة، وإنما عن عُمر الجلد المُستخدم. والتحليل الكربوني المشعّ لأكثر من عينة من مخطوطات صنعاء المصنوعة من الجلود تُرجح بنسبة 95% أن تكون نشأت في 50 هجرية، ولكن تحديد الصفحات وزخرفة الهوامش تُشير إلى عهد الوليد بن عبد الملك (90 هجرية).
- بعض المخطوطات القديمة المكتوبة بالخط الحجازي « طرس » Palimpsest (« الطرس » هو الصفحة التي محي ما كتب عليها ليكتب عليها غيره) يوجـد بها نصان.. نص سفلي مَمحو ونص علوي ظاهر، أي انه تم كتابة نص قرآني فوق نصٌ قرآني آخر. فمثلاً سورة لقمان كُتبت فوق سورة التوبة، النص الممحو لا يُرى بالعين المجردة ويمكن رؤيته باستخدام الأشعة فوق البنفسجية ويمكن تثبيتها بواسطة الأشعة السـينية الفلوريسينية. الخط الظاهر والممحو مكتوبان بالخط الحجازي البدائي المائل الخالي من التشكيل والتنقيط والفواصل. هذا يعنى ان المسافة الزمنية بينهما قصيرة. (كانت اللفافات الورقية قديماً المصنوعة من الجلود ثمينة ونادرة وتُستخدم لأكثر من مرة، كتابة 50 صفحة من اللفافات كان يتطلب ذبح عددٍ كبير من الماشية، والناس كانت تذبح لتأكل لا لتكتب).
- النص السفلي (الخلفي غير الظاهر) يحوي العديد من الاختلافات عن النص العلوي الظاهر والنص القياسي للقرآن الذى بين ايدينا. والسؤال هنا لماذا في فترة زمنية متقاربة يتم محو نص قرآني لكتابة نص قرآني آخر؟
- اختلاف في ترتيب السوَر بين الممحو والظاهر: سورة الشعراء (26) تتبعها الصافات(37)، سورة التوبة (9) في النص الممحو تتبعها مريم( 19).
- سيقول قائل انها تحمل نفس المعنى، لكن القرآن كما تعلمنا لم ينزل بالمعنى ومحفوظ بالحرف والكلمة والنقطة والجملة (وَلَا مُبَدّلَ لِكلمَات اللهِ)… نص يتم محوه ويُكتب نص آخر فوقه والنص الممحو يختلف عن المصحف الحالي تقريباً في كلِ آية، وهذا يعني ان القراءات القرآنية التي ظهرت في القرن الأول الهجري تعرضت لمراحل تغير وتطوير عبر تغير معاني الكلمات واقحام كلمات واستبدالها بكلمات اخرى…. كل كاتب كان يُغّير بحرية وأريحيّة… حدث هذا بعد فترة الوحي أي بعد وفاة الرسول محمد.. كاتب يكتب (من المفلحين), يأتي آخر ويغيره إلى (من المهتدين). كاتب يكتب الآية (جاهَد في سبيل الله ولم يخش إلا الله) ثم يأتي كاتب آخر يُعيد صياغتها إلى (أقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله). كاتب يُدوّن يعذبهم الله في الدنيا وما لهم)، يأتي آخر ويُضيف (يعذبهم الله عذاباً أليما في الدنيا والآخرة وما لهم)… ماذا اذا وجدنا آيات تتعلق بالاحكام أو الميراث والحدود والحروب وقارناها بمصحفنا؟
- الباحثون في الاكاديميات الغربية والمستشرقون اليوم يطمحون للعثور على المصاحف الأولى التي كُتبت في عهد النبي محمد أو الخلفاء الراشيدين، لأن هناك قطيعة تاريخية بحوالي 100 إلى 200 عام بين قراءات مخطوطات صنعاء وحياة رسول الإسلام محمد كما تقول المؤرخة الفرنسية جاكلين شابي Jacqueline Chabbi، وسيكون هذا الاكتشاف بمثابة كنز.
خاتمة
- المؤسسات الاكاديمية المعتدلة في العالم الغربي التي تسعى إلى التواصل مع الحضارات وبناء الحضارات وايجاد المحتوى الحقيقي للحضارات لا نجد لها صوتاً في مجتمعاتنا المنغلقة للأسف الشديد… الجهود المضنية التي بذلها العلماء المسلمين العرب لفك الخط الهيروغليقي المصري المنقرض جميعها بائت بالفشل، وفي النهاية نجح العالم اللغوي الفرنسي (جان فرانسوا شامبليون)، في 1822، في فكّها ومعرفة اسرار الحضارة الفرعونية التي حوّلت مصر إلى مقصد سياحي عالمي. لماذا نرفض رفضاً قاطعاً الإستعانة بعلماء الغرب المتخصصين في علم الآثار والمخطوطات وعلم الانسان لمعرفة بدايات الإسلام؟ الموروثات ليست جميعها مقدسة! يجب ان ننتقد ونختلف مع موروثنا التاريخي. لا ادعو إلى قطع خيوط الماضي. نتواصل مع الماضي للتقدم ومعرفة الثوابت الحقيقة وليست المفتعلة والمزورة والمزيفة.
- الدراسات اللاهوتية والدينية في الغرب أُدخلت عليها العلوم الانسانية والعلوم الاجتماعية التي سمحت لنا معرفة تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام. لأن الشائع عند المسلمين انها كانت « جاهلية » وفوضى اجتماعية وظلامية، وأن الناس كانوا يعيشون في ضنك… البحث الاركيولوجي اثبت ان العرب قبل الإسلام كانوا ممالك وكان لهم تاريخ سياسي واجتماعي وثقافي، كانت « مملكة الحيرة » في العراق و« مملكة كنده » في وسط الجزيرة العربية، وكانت هناك رسائل بين سفراء هذه الممالك وملوك الفرس تُكتَب بالخط (المُسند) الذي نشأ في اليمن في القرن التاسع قبل الميلاد وكان يُستعمل في شبه الجزيرة لوقت طويل.
- التاريخ الإسلامي كان شفويا ثم اصبح مكتوباً ووصل الينا بعد مئات السنين. والذي كتبه انسان مُعَرض للخطأ والنسيان. وهناك مصالح ايدولوجية وسياسية تتحكم به.. هل كان خارج السلطة، مع السلطة، ضد السلطة؟ كل هذا يؤثر في كتابة المتون والمصادر الإسلامية! فبالتالي، الشيئ الاكثر دقة هو ما يوجد في باطن الارض وعلم الآثار، فهو دقيق بشكل يُقارب 100%. والدول العربية كالسعودية واليمن والاردن سمحت بالبحث الاثري في سبعينيات القرن الماضي.
- البحث العلمي يتطلب الحرية والشك وعدم الإنطلاق من المسلّمات أو البداهات. أما الايمان فهو يفترض التسليم. والدراسة النقدية لأي وثيقة نقدية أياً كانت تعني تعليق تصوراتي المسبقة التي تأتيني من ثقافة النشأة أو الدراسات الكلاسيكية التي تُدَرَّس عندنا في المدارس والجامعات والصحافة والاعلام.
في الحلقة القادمة سوف نتحدث عن لغز الشعر الجاهلي.
تحياتي…
مقال جيد
ھل ھذه المقالة موجود بالpdf
سادات وزعماء قريش مثل عتبة وشيبة وابي سفيان والوليد بن المغيرة وأُمية بن خلف, اشترطواعلى رسول الإسلام بأن يأتي (بكتاب سماوي) مقابل إيمانهم به كرسول من الله, ولكن الرسول لم يأتيهم بهذا الكتاب و هذا دليل آخر دامغ على عدم وجود القرآن كاملا في عهد الرسول, ويظهر هذا جَلياً في سورة الإسراء : «وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن… قراءة المزيد ..
مقال مهم وضروري! القران فى محتواة ؛ حوالى 80% تراث وقصص وتجارب أنسـانية مكتوبة فى التوراة.. بدليل ان أبطال التوراة هم نفسهم أبطال القرآن, موسى ذُكر مدحاً في القرآن 136 مرة و ابراهيم 69 مرة….و عدو التوراة هو نفس عدو القرآن ..فرعون ذُكر ذماً في القرآن 71 مرة…! بيد انه ورد ذكر محمد فى القرآن أربعة مرات فقط…! حتى المسيح ذُكر 25 مرة ومريم 24 مرة و لوط 27 مرة ! وفي القرآن أدلةٌ دامغة تؤكد أهمية ومرجعية التوراة والأنجيل وأن فيهما هداية ونور , إليكم بعض الأدلة ؛ (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ… قراءة المزيد ..
مقال ممتاز.
القراءة النقدية والعقلانية هي ما تفتقر إليه الثقافة العربية والإسلامية الحالية.
مقال مهم!
لدي سؤال، بما أن القرآن الموحد ظهر من ٥٠٠ سنة فقط وقبل ذلك لم يوجد قرآن؛ فكيف صلي المسلمون دون قرآن؟