لبنان ينخرط اكثر فأكثر في المشهد السوري، والحدود الشمالية وامتداداتها
الداخلية في عكار صارت، بحكم الميدان، امتدادا طبيعيا للمواجهات الجارية بين الجيش السوري الرسمي والجيش السوري الحر. في موازاة تنسيق ميداني بين الجيش النظامي وحزب الله ضد المعارضين على الحدود الشرقية كما تؤكد مصادر المعارضة السورية في بيروت.
هذا الامتداد السوري في لبنان عزّزه تضييق متزايد للمملكة الاردنية على عناصر المعارضة السورية، وعدم استعداد تركي لإزالة ما بقي من احترام للمعايير الدولية ومصالحها، كدولة على الحدود مع سورية.
لم يبق في الميدان غير الشمال اللبناني كمعبر مريح نسبيا لدعم الثوار السوريين
ومتنفس ضروري للجيش السوري الحر من خارج الحدود السورية. وبالتالي بدأ النظام السوري ينتقل من مرحلة التعامل مع هذه المنطقة كمنطقة ملتبسة عسكريا وسياسيا، الى منطقة عدوة.
في خضم هذا التحول كانت زيارة السيناتور الاميركي جون ماكين الى لبنان. فهي زيارة لا تنفصل عن سياق جسّ النبض سياسيا في ما يتصل بالخريطة السياسية اللبنانية ومدى تأثرها وتفاعلها مع الحدث السوري. وتأتي زيارته الى النائب وليد جنبلاط في هذا السياق من جهة، ولمتابعة ما يجري في الشمال في ظل اتجاه واضح ميدانيا لدخول منطقة عكار في المواجهة السورية من جهة ثانية.
ما يفاقم المخاطر في لبنان ان مصادر غربية نقلت، الى بعض من التقتهم في لبنان، ان الجيش النظامي السوري قد يتدخل عسكريا بشكل مباشر وغير مباشر في لبنان، سواء عبر القصف المدفعي المباشر على مناطق باتت عدوة بالنسبة اليه، أو عبر خلق جيوب عسكرية له في بعض البلدات القريبة من الحدود ذات الغالبية العلوية. لكن أهمّ ما نقلته هذه المصادر ان الادارة الامنية العسكرية، فضلا عن السياسية، للنظام السوري باتت تحت اشراف مباشر سوري – ايراني. ولفتت الى ان قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري وشقيق الرئيس، ماهر الاسد، نُحّي عن التحكم بادارة المواجهة العسكرية والامنية لصالح فريق باشراف ايراني مباشر “لفشله” في ادارة المواجهة امنيا وعسكريا. واضافت المصادر ان الحلقة التي تدير امن الرئيس بشار الاسد ومفاصل قيادة الحرس الجمهوري اصبحت تحت اشراف ايراني، حزب الله احد عناصرها الرئيسية. واكدت ان التنسيق الايراني – الروسي يقوم على اشراف روسي مباشر على الفرق العسكرية في الجيش والاسلحة الثقيلة والطيران العسكري، فيما تتولى ايران الجانب الامني والميداني.
في المقابل لا تبدو الدول الغربية في وارد القيام بأي خطوات عسكرية نوعية في سورية، والذرائع متكررة لجهة توزع المعارضة وتنوعها وغياب مرجعية واحدة يمكن ان تضمن عملية تحول في سورية لا تحرج هذه الدول او تضر بمصالحها الاقليمية.
ويمكن القول ان هذه الذرائع تخفي استراتيجية لدى هذه الدول مفادها ان الغرب
بات مقتنعا بحتمية سقوط النظام السوري، وان عدم القيام بخطوات تسرع بهذا
السقوط يهدف الى زيادة الشرخ وتعميقه بين المشروع الايراني في المنطقة من جهة والثورة السورية وامتداداتها في الربيع العربي. كلّ ذلك في ظل تنامي الحديث عن قيام كيانية علوية في الساحل السوري، تمتد الى حمص ومحيطها وتلامس لبنان ليتصل جغرافيا بمناطق نفوذ حزب الله مع مزيد من تبلور الانقسام المذهبي في لبنان. هذا الخيار يبدو وكأنه السيناريو الاخير الذي يُعمَل على تأمين كامل شروطه الميدانية والديموغرافية سواء في الداخل السوري او في الجانب اللبناني.
علماً ان ثقافة الانقسام المذهبي باتت ديدن التعبئة، ضمن مشروع محكوم بالاصطدام مع بعض المفاصل اللبنانية، ولا بدّ أنّ المنطقة العازلة في عكار هي
احد خطوط التماس بين مشروعين ممتدين داخل سورية وفي لبنان.
جسّ النبض الاميركي الميداني والسياسي للحدود اللبنانية والخريطة السياسية
سبقته ورافقته رسائل تحذيرية في اكثر من اتجاه، تتمحور حول فكرة اساسية
عنوانها ان مشروع الدولة في لبنان نحو مزيد من التقهقر، وان الامن في البلد لا يستطيع فكّ ألغاز بعض الالعاب الصغيرة في الشوارع والازقة وفي المصاعد الكهربائية، فضلا عن الغموض المستمر في “أسرار الزهرة والقناص”.
والأهمّ ان البعض يظنّون أن الدولة، بكامل مؤسساتها الامنية والعسكرية والسياسية، اذا لم تكن رهن ارادته فالافضل ان تبقى موجودة شرط ان تظل مصدرا لتأمين بعض الغنائم والمكاسب لمشروع يهمشها ويضعفها ويجعلها في خدمته.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد