بيروت- خاص بـ”الشفّاف”
إذاً بين ليلة وضحاها تخلى صلاح عز الدين عن تاريخه الطويل في ادارة مال «عام»، أي مال حزب الله إضافة إلى عدد كبير من المستثمرين اللبنانيين والعرب الذين أرادوا دعم الحزب الذي يقاتل العدو الإسرائيلي. وهذا، اضافة إلى حصول عز الدين على أموال “شرعية” أخرى تخلى عنها واتجه برفقة أشخاص موثوقين إلى “المباحث الجنائية” لتسليم نفسه بـ«تهمة» الافلاس المالي.
أكثر من 27 عاماً قضاها عز الدين في تأسيس “الحزب” ومؤسساته مع أخوته المجاهدين، وفي تأسيس ما أمكن من البنى الخلفية والتحتية التي سيتكل عليها الحزب فيما لو توقفت «أنابيب النفط» الايراني عن امداد الثورة الاسلامية في لبنان. التفت الرجل للمرة الأخيرة إلى ضاحيته التي كان يعيش يومياتها من انتفاضة مسجد بئر العبد في العام 1983 إلى “حروب الاخوة” في الطائفة في العام 1987، وبعدها الحرب ضد العدو الإسرائيلي التي غيّرت الأحوال في العام 2006.
كان عز الدين يخرج من الضاحية وهو متأكد ان التاريخ قد ينصف أحياناً وقد يضع المرء في القعر أحياناً أخرى، يسير في طريقه باتجاه الزنزانة التي لم يكن قبل أشهر يفكر انه سيكون فيها أو حتى سيزور أحداً من سكانها.
في طريقه في السيارة التي تمر من “اوتوستراد هادي نصرالله”، يرى عز الدين المؤسسات التي ساهم في تأسيسها: «الهادي» كدار نشر وتلفزيون وغيرها، وكذلك المؤسسات التي وضعت أموالها في الصندوق المالي الذي صُنِع ليكون حرز الحزب في أوقات القهر أو توقف التمويل الايراني لسبب ما. فالحركات الثورية كلما كبرت احتاجت للتمويل. ولذلك كان الحزب يفتش لبقائه عن تمويل دائم لا يتوقف في حالات تغير الحكومات التي تدعم الحركات الثورية. الصورة نفسها كانت موجودة في الأحزاب الشيوعية والراديكالية في العالم: شركات أنشئت ومولت لتدعم صمود المناضلين في حال سقط الاتحاد السوفياتي. وكذلك كانت هذه الصورة في شركات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
“أوتوستراد هادي نصرالله” يحوي أيضاً “مؤسسة الشهيد”، التي ترعى عائلات شهداء الحزب وأبناءهم. هذه المؤسسة ساهمت أيضاً بمبالغ كبيرة في مشاريع عز الدين، فطار مال الأيتام، في الوقت الذي يحاول الحزب تأمين قوت عائلات الشهداء قبل تأمين رواتب المقاتلين والمناضلين.
الروايات المتناقلة عن المبالغ المفقودة في أسواق المال العالمية تزيد وتنقص حسب الرواة. فالحزبيون يتحدثون عن 350 مليون دولار كرقم شبه نهائي، فيما البعض يقول ان الرقم يتعدى المليار دولار. جماعة “المعارضة” القريبين للحزب يتحدثون عن أرقام تتعدى الملياري دولار، ولكن الكل يجمع ان «فخ» الخسارة بدأ بـ300 مليون دولار ليصل إلى 900 مليون. ولكن كما يقول البعض فأشغال عز الدين حول العالم ردّت جزءاً من الخسائر، ولكن الكل يعيد السؤال الى مكان غريب وهو: كيف لا يمكن للمؤسسات ان ترد خسارة بسيطة ان كانت فقط هذا الرقم، أي 350 مليون دولار؟ وكذلك كيف يمكن للمؤسسات أن لا تحمي مليارات ناس آمنوا بسيرة حزب سرّي بنى سنواته على أشخاص ثقة في المدن والقرى معروفين بالتقوى والقدرة على عدم الوقوع بالموبقات؟
تمويل سفينة صواريخ كورية شمالية لإيران!
بالعودة إلى واقع الحرب التي يتعرض لها الحزب، فهناك ضربات تلقاها في “المثلث الحدودي” الذي يجمع الباراغواي والبرازيل والأرجنتين، حيث هناك مجموعة كبيرة من اللبنانيين يعملون بالتجارة، وفيهم متمولون كبار قُتِلَ ثلاثة منهم محسوبون على “الحزب” منذ أشهر: قتال ضروس بين من يلاحق “ينابيع الحزب المالية” محاولاً تجفيفها، ومن يحاول العمل بأسرع ما يمكن لدعم الحزب الوحيد الذي يقاتل إسرائيل في العالم.
لماذا أحرقت محلات اللبنانيين في “بور جنتي”؟
وضربة أخرى مرّت أيضاً بهدوء. سفينة شحن روسية كانت تنقل السلاح من كوريا الشمالية إلى إيران، خطفها الموساد الإسرائيلي، وأفرغها من صواريخها وأعاد تسليمها إلى روسيا! من اشترى السلاح، وبأي مال؟ وكيف استطاع الموساد الوصول إليها؟ وهل المال المستعمل كان استثمارات عز الدين؟ أسئلة تترافق مع قصص حول الضربة التي تلقاها الجنوبيون في الغابون من أجل 312 صوتاً أعطوها للرئيس المنتخب علي بونغو. فكرة مضحكة أن تتحول متاجر اللبنانيين في “بور جانتي” إلى منهبة ومحرقة لأن علي بونغو أخذ 312 صوتاً لبنانياً من صندوق انتخابي في مدينة النبطية!
اجتمع تجار الغابون اللبنانيين وتداولوا بالمشكلة. صاروا وحيدين لا حزب يحميهم ولا وزير خارجية حليف للحزب يتدخل لدى الدولة الفرنسية لإدخال جنودها إلى مناطق اللبنانيين. تجار “بور جانتي” اللبنانيون اتفقوا على متابعة الاتصالات وعدم القيام بتصليح مؤسساتهم إلا بعد الحصول على تعويضات، تشبه تعويضات حرب تموز! وكذلك طالبوا بحماية تُفرض من مكان ما تمنع الضربات. بعض هؤلاء هم من متمولي الحزب الذين خسروا إضافة إلى مؤسساتهم مستودعات مليئة بالسلع التي كانوا استوردوها لتجاراتهم، فكانت الضربة قوية أيضاً من هذا المكان.
في لبنان وإفريقيا يتخوف البعض من ضربة قريبة للبنانيين في “أنغولا”. انهم الشيعة في كل مكان يتعرضون للمضايقات، ولكن القريبين من الحزب يتعرضون للضربات. أنغولا الدولة الافريقية التي لم تجرِ فيها انتخابات منذ العام 1992، لا تعرف ماذا سيجري فيها خلال الأشهر القادمة.
ضربات قاسية تلقتها مؤسسات الحزب، وكذلك صورته بين جمهوره وأهله. فهنا المشكلة تكبر ولا يمكن ايقافها، وخصوصاً ان من ليس مع حزب الله ولديه مال مع استثمارات عز الدين يعلو صوته أكثر من أصوات الآخرين. وخصوصاً المقربون من الرئيس نبيه بري أو أعضاء حركة “أمل”، فهذه فرصتهم لتوجيه سهام تاريخية من مشاكل وحقد وايام سوداء لم ينسها البعض.
يقول بعض رواة الضاحية الجنوبية ان عز الدين كان لديه شنطة «سامسونايت» فيها كل شيء عن أمواله. أي انه لم يكن لديه لا محاسبون ولا مدققو حسابات. فكرة مضحكة! فهذا الكلام هو لمنع اخراج الأوراق الرسمية لمؤسسة أو شركة فيها حياة الحزب المالية، وكذلك حياة بيضاء وتجارات مختلفة، حياة لا يمكن عرضها أمام الناس. أسرار كثيرة تفتقد البحث، وأصوات كثيرة تنتظر من يدعوها للكلام. فالحرب التي كانت في أول السكة، صارت بعيدة لأن ما كشف حتى الآن يستأهل التوقف وبحث الأمور بروية، وعدم الدخول في نيران يجب البحث جيداً في كيفية إطفائها.
oharkous@gmail.com
3 تعليقات
صلاح عز الدين: علاقة بالحزب منذ 25 سنة وانهياره ترافق مع ضربات في البرازيل والغابون و.. زائير!
عندما تطعن من الخلف اعلم انك في المقدمة
صلاح عز الدين: علاقة بالحزب منذ 25 سنة وانهياره ترافق مع ضربات في البرازيل والغابون و.. زائير!
عار على لبنان أن يترك إسرائيل تخلصه من سرطان حزبل السوري الإيراني الملتهم نهماً جسمه منذ عقود. المبادرة للتصدي لمافيا الأسد وعمائم التخلف الطهرانية، إنما هي حرب وجود، لا مجرد مسلسلات شرطية-قضائية. عسا القادة اللبنانيون يفهمون، ويبادرون.
صلاح عز الدين: علاقة بالحزب منذ 25 سنة وانهياره ترافق مع ضربات في البرازيل والغابون و.. زائير!
قلت مواقع ايرانية رسمية عن فيروز آبادي في المراسم التي شارك فيها كبار القادة العسكريين الايرانيين، قوله “إن دعم القضية الفلسطينية بالرغم من التكلفة السياسية والدعائية والمالية لايشكل امرا عبثيا ومكلفا لنا ولم يفرض علينا بل انه يعد ضربا من الاستثمار لتحقيق مصالح اقليمية ودولية لنا”. هل يعقل ان يكون ضعف المالكي او استضعافه احد اسباب التوتر المتصاعد بين سوريا والعراق؟
طبعاً لا، يجيب المتابعون انفسهم. فهناك اسباب اخرى كثيرة تدفع في اتجاه التوتر المذكور اعلاه، ابرزها اثنان. الأول، قرار ايران الاسلامية وبعد تجربتها المرة مع العراق ايام صدام حسين الحؤول دون عودة هذا البلد مصدراً لأي خطر عليها الآن ومستقبلاً. ولتحقيق ذلك لا بد من تكوين نفوذ داخله وذلك ممكن من خلال حكم الغالبية التي هي شيعية وابقاء التوتر السنّي – الشيعي قائماً في كل المنطقة الأمر الذي يبقي العراق الجديد الشيعي في حاجة الى الحماية الايرانية كما هو ممكن من خلال اقصاء اي نفوذ عربي حليف او معادٍ عن العراق. من هنا ضرورة إبعاد نفوذ سوريا عن العراق وخصوصاً ان ما يجمع البلدين ليس العروبة فقط، وانما ايضاً حزب البعث “الكافر” ايرانياً والحاكم في سوريا والداعم للبعث العراقي في مقاومته لأميركا المحتلة وكذلك للنظام المرشح للتحول اداة في يد ايران وشيعتها.
اما السبب الثاني، فهو ايضاً قرار ايران عدم التنازل عن مكامن قوتها التي ستفرض على المجتمع الدولي وفي مقدمه اميركا الاعتراف بأنها دولة عظمى في المنطقة. ومن هذه المكامن قوتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية التي تفرض الخوف على الجميع في المنطقة من اصدقاء واعداء. ومنها ايضاً نجاحها في الوصول الى قلب العالم العربي بواسطة “حزب الله” في لبنان و”حماس” في فلسطين ونظام الاسد في سوريا. وقرار عدم التنازل المذكور يعكس خوفاً من خطط اميركية لفرض التنازل عليها، ذلك ان تصاعد قوتها خليجياً بل عربياً واسلامياً وتسليحياً صار يشكل تهديداً مباشراً لأميركا ومصالحها الحيوية في المنطقة وفي مقدمها اسرائيل والنفط وعرب النفط. وهذه الخطط موجودة وتركز كلها على فصل سوريا عن ايران الاسلامية تارة بالضغط عليها وطوراً بتقديم الاغراءات لها باعتبار انها الأقل خطراً والاكثر قابلية للتفاهم في حين ان الخطر الاكبر صار ايرانياً وعصياً على الاحتواء. لكن هذه الخطط فشلت حتى الآن. وايران تعرف ذلك، لكنها لا تزال حذرة وخائفة من استمرارها لان المواجهة بينها وبين “العالم” دخلت مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد والحساسية. ذلك ان الفشل المشار اليه، والذي كانت ساحته لبنان، يمكن ان يتكرر في العراق اي يمكن ان تستعمل التطورات العنفية السلبية في العراق لفض التحالف الايراني – السوري وخصوصاً اذا تفاقم الخلاف بين بغداد ودمشق وبادرت بغداد الى استضافة معارضين سوريين للنظام ورعت ايواء مجموعات مقاتلة معادية لسوريا الاسد وتدريبها وتمويلها وتسليحها وارسلتها الى سوريا لضرب استقرارها السياسي والأمني.