ما ستقرأونه هنا هو تحصيل حاصل بالنسبة لكم. فلا شك ان سفاراتكم بتونس أطلعتكم على المعلومات الضرورية عنه. لكني أيضا مُلزَم أخلاقيا باطلاع قرائي في القارات الـ5 عنه.
حكومة “النهضة” او بما هو أدق حكومة راشد الغنوشي، عاجزة، بتكوينها الديني المتطرف الذي يملي عليها احتكار الحقيقة الدينية والدنيوية واحتكار السلطة واحتكار الثروة واحتكار صناعة القرار السياسي ـ الديني الهاذي غالبا، عن ممارسة الحكم الرشيد الذي يشارك الجميع [ = المجتمعان المدني والسياسي والخبراء] في صناعة قراره لإنتاج سياسة داخلية وخارجية واقعية بدلا عن سياستها الحالية الأوتيسْتْ [= المصابة بمرض الانطواء على الذات او التوحد]
اذا كانت سياستها الداخلية والخارجية كفيلة بقيادة البلاد إلى حمام دم في الداخل وربما حرب مع الجزائر في الخارج، وقطيعة مع دول القرار الدولي، كما هو حال إيران، فذلك لأن قرارها يصنعه فرد واحد، راشد الغنوشي، تنقصه جميع مؤهلات صناعة القرار، تنقصه الشرعية السياسية، فهو لم يُنتَخب بصوت واحد ـ ونوايا التصويت له في رئاسيات 2013لا تتجاوز 1,9% ـ ، وتنقصه الكفاءة السياسية فهو مجرد فقيه إرهاب “يوعز” للإرهابيين باغتيال خصومه، ويطالب لـ”الأمة” [= 57 دولة إسلامية] بامتلاك السلاح النووي ويلوم بحرارة باكستان لأنها لم تستخدمه ضد الجيش الأمريكي عندما مر منها إلى افغانستان في 2002! (العفيف الأخضر: هل الغنوشي ارهابي.) فضلا عن ان القرار اليوم تضعه المؤسسات بالعلم.
” حلفاء النهضة في الحكومة لا وزن لهم في اتخاذ القرار (..) الإسلاميون هم الذين يحكمون (..) لا يمكن اتخاذ القرار من دون مصادقة رئيسهم التاريخي ، راشد الغنوشي، عليه ، رئيس النهضة كتوم لذلك لا يتدخل علنا الا نادرا . (..) لكنه هو رجل البلاد القوي الذي لا يمكن الالتفاف عليه (…) فهو اليوم المرجع الأعلى للحركة والحكومة معا ،” ( الأسبوعية الفرنسية ، جون افريك ، العدد 2681) و ( العفيف الأخضر : رئاسة الغنوشي خطر على النهضة وتونس معا) .
حكم الغنوشي المطلق للنهضة وحكومة النهضة ليس إحدى نزوات جنون العظمة عند من لم يسمح بالتداول على رئاسة ” الحركة” الإسلامية طوال 42 عاما. بل هو رؤية دينية شمولية استلهمها الغنوشي من نموذج الدولة الإسلامية الإيرانية التوتاليتارية : كتب دحضا لنظرية مونتسكيو في الفصل بين السلطات الثلاث : التنفيذية ، التشريعية والقضائية قائلا : ” ان نظام الفصل بين السلطات يحوِّل الرئيس مرؤوسا بسيطا ، مجرد أداة تنفيذ. وليس ذلك من العدل في شيء (..) رئيس الدولة في التصور الإسلامي هو صاحب الولاية العامة ، أي صاحب الرئاسة العليا عليهم فكيف يتفق ذلك مع وجود سلطة، غير سلطة الشريعة والأمة ، تزاحمه؟
كيف يجوز للأمة ان تُفرز سلطتيْن متزاحمتين متساويتين؟ (ر الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية ، ص 227، بيروت 1993) ما العمل للخروج من هذا ” المأزق” التشريعي الذي تورط فيه البائس مونتسكيو ؟ إليكم هو : ” أما [في] الإسلام (…) فرئيس الدولة يستقل بإدارة السلطة التنفيذية ويترأس مجلس الشورى [=البرلمان] او يُنيب عنه من يتولّى ذلك (…) وهكذا يمارس الإمام [= الخليفة] وحده السلطة التشريعية (…) والإمام هو الذي يُولّي القضاة” ( نفس المصدر ص ص 238، 242، 243) . وهكذا يجمع الإمام الغنوشي ، كما يفعل اليوم ، رئاسة السلطات الثلاث ، والعصا ” السلفية” لمن عصى ! لأن معارضته ” رضي الله عنه ” كما قال رئيس الزيتونة يوم فتحها للتدريس، هي معارضة للنبي محمد ، لا أقل ! إقرؤوه : ” ان طاعة المسلم لحكومته في هذه الحالة [= اذا طُبِّقت الشريعة] ليست طاعة لشخص الحاكم ، بل طاعة لصاحب الشريعة [ =النبي محمد] يستحق عليها ثوابا . [ اما] تمرده على تلك الأوامر الملتزمة بدستور الدولة ، الشريعة ، فيجعله آثما” ، أي مجرما! ( نفس المصدر ص 105)
بدلا من التسليم بعواقب حكمه المطلق ، الذي هو كما تقول التجربة التاريخية المعاصرة ، فساد مطلق، بتقديم استقالته من رئاسة النهضة ورئاسة الدولة ، تاركا هكذا وسط يمين النهضة ووسط يسارها يختاران الحل الواقعي للخروج من النفق المظلم الذي قاد الغنوشي البلاد اليه ، أي المصالحة الوطنية الشاملة والفورية ، الكفيلة وحدها بتقديم أهل الجدارة المهنية وأهل التجربة الكافية الذين جربوا الحكم ، الرشيد غالبا ، 56 عاما والذين هم اليوم إما سجناء وإما مهددَّون بالسجن ، لتشكيل حكومة ائتلاف وطني لإنقاذ البلاد من التفكك السياسي والإفلاس الاقتصادي والحرب الأهلية الكامنة ، لكن ” الشيخ المجاهد” اختار كعادته ، الفرار إلى الأمام في هذيان مزدوج : ديني وسياسي .
ديني ، الداء التونسي في نظره ، ليس البطالة الحاشدة التي تفكِّك الروابط الاجتماعية ” وليس الافتقاد المأساوي للأمن والإستقرار ، وليس الإقتصاد الذي ينهار كل يوم أكثر ، وليس حمام الدم الذي تتراقص أشباحه أمام عيون الجميع ، بل الداء التونسي في نظره هو ” التَّصحر الديني” في بلد تغصّ فيه المساجد بالمصلين ! ” التصحر الديني” هو ترجمة غنوشية ” لجاهلية القرن العشرين” التي خيّل الهذيان الديني لسيد قطب ان جميع المجتمعات الإسلامية قد سقطت فيها ، وحسب الشريعة : فأرضها أرض جهاد ودم سكانها ” حلال حلال حلال” (انظر: هل الغنوشي إرهابي؟)
الهذيان السياسي : لمكافحة فانتازم ” التصحر الديني” بيَدٍ من حديد ، لا مفر من الاعتماد على قوة ضاربة لاجتثاث أسس ومؤسسات فاعل هذا التصحر طوال 56 عاما: ” الدولة العلمانية الوثنية” كما وصمها راشد الغنوشي في 2009 ، أي دولة الاستقلال من بورقيبة إلى بن علي . اليد الضاربة هي قيادة أقصى اليمين الإسلامي ، والقوة الضاربة هي السلفيون سواء أكانوا من ميليشيات النهضة ، الذين يضعون على رؤؤوسهم طاقية الاخفاء السلفية تسهيلا للتبرؤ من تبعات عدوانهم شبه اليومي على الإعلاميين النقديين لحكومة النهضة او على المتظاهرين ضدها حتى من أعضاء المجلس التأسيسي المعارضين ، والفنانين والنساء والمعارضين ، والمثقفين وكل من تحدثه نفسه بالإشارة إليها بسبابة الاتهام من المواطنين الذي لا صوت لهم او كانوا من السلفيين المتعاطفين مع مشروع راشد الغنوشي الذي عرّفه المؤرخ محمد الطالبي بأنه ” مشروع طالباني” : اللامعقول الديني منطلقه الحرب الغبية على الحداثة رائده . غبية : لأنه سيجني بها على الاسلام ويجني منها ما جناه اقصى اليمين الاسلامي الايراني ، الذي جعلت حربه على الحداثة 1 على 3 من الايرانيين ملحدا.
هؤلاء السلفيون المتعاطفون تقدرهم قيادة النهضة ب 93 الف سلفي ، ويمكن “الإيعاز” لهم اذا جد الجد بتحويل شوارع تونس وساحاتها إلى حمام دم . كان الغنوشي قد هدد في أكتوبر 2011 بأنه : ” قادر على اسقاط 10 حكومات في يوم واحد اذا زُوِّرَتْ الانتخابات ” . لا شك انه كان يفكر فيهم لانجاز هذه الكارثة . بالمناسبة صرّح المرشح محمد مرسي انه ” سيحرق مصر اذا زُوِّرَت الانتخابات ” ! حقا، يشبه قادة أقصى اليمين الإسلامي بعضهم بعضا في التباهي بالعنف والتهديد كما يشبه الماء الماء! طبعا تنكر قيادة أقصى يمين النهضة ، المصابة بوسواس ” إنكار الواقع” وجود ميليشيات سلفية نهضوية . لكن السر ذائع في الإعلام التونسي والدولي . مثلا عياض بن عاشور ، عميد كلية الحقوق ورئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الصورة ” صرح لمبعوث اليومية الفرنسية ” لوفيغارو” : ” تجابه النهضة وضعا غير يسبوق . اذ سيكون عليها إما دمج جناحها السلفي المتشدد ، حتى لو أدى ذلك إلى جعله أكثر راديكالية . أسلحة كثيرة جائت من الجزائر وليبيا منتشرة في تونس . انه لتحدِ وتهديد حقيقي:” ( لوفيغارو 03. 04. 2012) : لكن رئيس النهضة والدولة ، راشد الغنوشي، لا يرى في ذلك خطرا! : ” على سؤال : هل توجد معسكرات تدريب للجهاديين [= أنصار القاعدة] في تونس؟ أجاب :” وزير الداخلية تحدث عن وجود امثال هذه المعسكرات كما تحدث عن تهريب الأسلحة. أما أنا فلا أعتقد بأن في هذا انتهاكا حقيقيا للنظام العام.” ( نفس المصدر السابق)
معروف عن “الشيخ”، لسببٍ لا يخفى على نبيه، انه لا يشاطر المبدأ المؤسٍّس للدولة عند ماكس فيبر القائل: الدولة مؤسّسة متخصصة في احتكار العنف المادي والرمزي الشرعييْن . وتبدأ أزمة الدولة عندما تخسر هذا الاحتكار لصالح الميليشيات مثلا . وهذا المسار يجري اليوم في تونس حيث دشنت الميليشيات المسلحة بداية تهميش المؤسستين المركزيتين والشرعيتين المحتكرتين العنف المشروع : الأمن الداخلي والجيش الوطني!
يبدو ان إدارة البروبوغاندا في النهضة خصصّت ودرّبتْ فصيلا” سلفيا” لتضليل مراسلي ومبعوثي الإعلام العالمي عن هوية أقصى اليمين السلفية الطالبانية باتهامها بما ليس فيها . فالنهضة ، حسب هذا الفصيل السلفي ، المرصود لمقابلة الاعلاميين الأجانب ، “علمانية” ، “ديمقراطية” “ضد الشريعة” الخ . لكن أخصائيي البروبوغاندا لم يقرئوا حسابا لزلات اللسان . خاصة لدى من أرهقت ضميرهم الأخلاقي مشاعر الذنب والعار من ترديد أسطوانة كاذبة . بعد ان استمعت مبعوثة الأسبوعية الفرنسية ” نوفيل أوبسرفاتور” ، سارة دانيال ، للأسطوانة المحفوظة على ظهر قلب ، فاجأت الشيخ ” السلفي” ، مختار، الذي عبّر أمامها ” عن عزمه على قتل المرتدين” : “هل توافق على تحليل هذا الرجل السياسي، الذي رفض إعطاء اسمه ، عندما يقول: “لا تستطيع النهضة السماح لنفسها بالدخول في نزاع مباشر مع السلفيين لأنهم يمثلون قاعدتها وذراعها المسلح” أجابها الشيخ السلفي: “أتفق تماما مع هذا التحليل” : لونوفيل ابس، ” الثورة المصادرة ” 28.06.2010).
بالمناسبة ، رئيس الحكومة ، حمادي الجبالي ، ارتكب هو ايضا زلة لسان لا تقل دلالة عن زلة الشيخ السلفي : قال اثناء خطابه في مؤتمر النهضة : “سنقيم الديكتاتورية” بدلا من “سنقيم الديمقراطية”(اليومية الفيغارو 16. 07. 2010 ) . 10 على 10 . هذا هو مشروع النهضة الحقيقي مكتوبا بين السطور وبين زلات اللسان !
رجل أمن أمين لواجبه في حماية بلاده من “الفوضى الخلّاقة” للفوضى، التي يقوّض بها أقصى اليمين الإسلامي كل يوم أكثر الأمن والاستقرار ، أكد السيد الصحبي الجويني ، عضو الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي والمكلف بالشؤون القانونية ” ان هناك مجموعات تتدرب في الغابات والجبال بتعلة ممارسة الرياضة البدنية ولا أحد يحرك ساكنا ، وحمّل الجويني المسؤولية للمجلس الوطني التأسيسي باعتباره يضم المجموعات السياسية والكتل النيابية . كما أكد الجويني ان البلدان المجاورة بصدد تعزيز منظومتها الحدودية خوفا من تونس ، وأن الوضع الأمني في البلاد في الفترة الأخيرة يعتبر هشا ومتأزما ويزداد خطورة في ظل سكوت الحكومة التي لم تبادر باتخاذ الإجراءات الضرورية خاصة فيما يتعلق بالاعتداءات التي تتعرض لها مراكز الأمن التي اسماها ” بالمقرات السيادية”
كما طالب الصحبي الجويني من وزير الداخلية ان تتخذ الاجراءات اللازمة للتصدي لمثل هذا الأفعال من خلال بلاغ يؤكد فيه انه ” كل من يعتدي بالعنف على رجل أمن او مقر أمني او مقر حكومي يمثل سيادة الحكومة فإنه يعرض نفسه للخطر”
تعليق على هذا التصريح :
” الغنوشي الظلامي الفاشيستي يعد ميليشياته السلفية الجهادية للانقضاض على شعب تونس من أجل ارساء ديكتاتوريته الرهيبة.” المصدر : ” الجريدة الالكترونية” أميلكار نيوز” 09. 07. 2012 .
بهذه المناسبة نقدم تحية حارة لكل رجال ونساء المؤسسة الأمنية الذين ما زالوا صامدين امام محدلة الأسلمة . ، وأتضامن مع ضحايا هذه المحدلة اللعينة.
كما نشر الصحفي الفرنسي نيكولا بو ، صديق معارضة نظام الرئيس بن علي : بأن النهضة تدرِّب بين 1000 و1200 مسلح في الجنوب التونسي .
الصحفية الشجاعة لطيفة موسى، كالغالبية الساحقة من الإعلاميين التونسيين الذين يتعرضون لعدوان ميليشيلت النهضة كل يوم تقريبا ، كتبت :” في تونس اليوم ، يسود حكم أقلية تتقدم كل يوم ، زارعة الخوف والحيرة على مسمع ومرأى من الحكومة الحالية المتغاضية وأحيانا اللامبالية وبقيادة صاحب قرار وحيد هو راشد الغنوشي”. ( الجريدة الالكترونية ليدرز23. 05. 2010)
أنتم قادة دول القرار الدولي ، يُفترض فيكم إنكم حراس السلام والأمن الدولييْن في العالم وفي كل بلد ، فهل ستلتزمون موقف الشيطان الأخرس أمام تحضير أقصى اليمين الإسلامي السياسي لحمام دم محتمل؟
بدلا من تقمص دور الاطفائي الذي يأتي بعد اندلاع الحريق ، لماذا لا تتقمصون دور حارس الحقول الذي يمنع الأشرار من إشعال هذا الحريق؟
lafif.lakhdar@yahoo.fr
كاتب تونسي