إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
علاقة لبنان مع سوريا هي مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية لكنها أيضاً مسألة خلاف داخلي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، حيث يسعى كل منهما إلى تحديد تحالفات لبنان. وكل هذا يحدث في وقت لا يصب في مصلحة لبنان، بينما تواجه البلاد أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية متصاعدة!
ويخلق التوتر مع سوريا انقسامات سياسية داخل القيادة اللبنانية نفسها. فقد اتخذ الرئيس جوزيف عون موقفًا حذرًا وحازمًا تجاه سوريا، بينما يدفع رئيس الوزراء نواف سلام وفريقه نحو نهج أكثر انفتاحًا وواقعية. يعتقد معسكر سلام أن الانخراط مع سوريا – حتى لو تطلّب الأمر تقديم بعض التنازلات – يمكن أن يساعد لبنان على النمو سياسيًا واقتصاديًا. ويشير هذا المعسكر إلى أن موقف لبنان تجاه سوريا يؤثر على كيفية نظر دول الخليج إلى بيروت وتعاملها معها، ويُفسّر سبب عدم دعوة لبنان إلى القمة الخليجية-الأميركية التي استضافتها السعودية في 14 أيار/مايو، خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط.
وفي المقابل، وفقًا لمصادر مقرّبة من سلام، حذّر فريق عون من أن الرضوخ للمطالب السورية قد يهدد سيادة لبنان. وهم يخشون من أن ذلك قد يفتح الباب أمام عودة النفوذ السوري إلى البلاد – وإن كان بشكل مختلف عما كان عليه في السابق. كما يشيرون إلى مخاوف تتعلق بأزمة اللاجئين السوريين والتهديدات الأمنية المحتملة المرتبطة بسوريا.
ما سبق وردَ في بحث ممتاز، بعنوان “بيروت ودمشق ما زالتا متباعدتين”، وضعَهُ “محمد فواز” ونشرته، بالإنكليزية، مدوّنة ديوان (كارنيغي) وأعاد “الشفاف” نشره أمس. ويتميّز البحث بأنه يستند، جزئياً، إلى مصادر سورية، وهذا ما لا تقوم به وسائل الإعلام اللبنانية.
ويلاحظ الباحث محمد فواز أن “أن الرئيسين الحاليين في كلا البلدين، أحمد الشرع في سوريا، وجوزيف عون في لبنان، كانا حتى وقتٍ قريب قائدين عسكريين على طرفي نقيض في صراعات أودت بحياة الكثيرين. واليوم، يقف كلاهما كرمزين للتغيير، بعد الإطاحة بقوى سياسية مهيمنة في بلديهما. وتمثل قيادتهما أيضًا ابتعادًا واضحًا عن النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا، وإشارة إلى اصطفافات جديدة مع الولايات المتحدة والسعودية. ومع ذلك، يبقى السؤال المشروع: هل ستؤثِّر التوترات السابقة بين الشَرع وعون على العلاقات الراهنة بين البلدين؟ أم أن الرجلين قادران على بناء علاقة متينة بين جارين، ربما للمرة الأولى في تاريخ لبنان وسوريا؟”
دور الوسيط السعودي
“تدخلت المملكة العربية السعودية للمساعدة في تقريب العلاقات بين لبنان وسوريا بعد سنوات من التوتر. وجاءت خطوة رمزية عندما التقى وزيرا الدفاع اللبناني والسوري في الرياض في شهر مارس الماضي. كما دعمت السعودية زيارة رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى دمشق في أبريل، وساعدت في ترتيب مكالمة هاتفية بين الرئيس اللبناني جوزيف عون والرئيس الشرع في فبراير. وجرت مكالمة ثانية بين الرجلين خلال زيارة عون إلى باريس في أواخر أبريل، والتقيا على هامش القمة العربية الاستثنائية في القاهرة في منتصف مايو. وقد أدت هذه الخطوات إلى الحديث عن فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة رفعَ العقوبات عن سوريا. ومع ذلك، وعلى الرغم من التفاؤل، لا تزال هناك شكوك حقيقية بشأن مدى تقدم العلاقات اللبنانية-السورية.”
ما هي أسباب التوتُر الراهن بين لبنان وسوريا؟
“إحدى القضايا الرئيسية مطالبة سوريا للبنان بتسليم سجناء سوريين محتجزين حاليًا في السجون اللبنانية. وقد رفض لبنان ذلك، بحجة أن الأفراد المطلوبين متورطون في هجمات ضد الجيش اللبناني. وتضم السجون في لبنان، وخصوصًا سجن رومية، أكثر من 2100 معتقل سوري، كثير منهم محتجزون منذ سنوات دون محاكمة. ويشمل هؤلاء أعضاء سابقين في “الجيش السوري الحر” وآخرين متهمين بالمشاركة في اشتباكات عرسال عام 2014. وقد أعلنت سوريا ولبنان في أوائل عام 2025 عن اتفاق لإعادة عدد من السجناء السوريين إلى بلادهم.
ومع ذلك، وبعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، لم تُتخذ أي خطوات ملموسة لتنفيذ الاتفاق.
“كما تُّواصل سوريا التعبير عن استيائها من عمليات التهريب على الحدود مع لبنان، متهمة السلطات اللبنانية بعدم اتخاذ إجراءات كافية. ومن وجهة النظر السورية، فإن التهريب ليس مجرد مسألة تتعلق بأمن الحدود؛ بل يُعدّ دليلًا، في رأيها، على غياب الالتزام الجاد من جانب بيروت بالتعاون الحقيقي.”
وكانت الإشتباكات المتكررة على الحدود بين حزب الله وتوابعه والأمن السوري قد أثارت في حينه “تساؤلات” حول الموقف اللبناني الرسمي الذي بدا لنا، أحياناً، كانه يتبنّى مزاعم حزب الله وتوابعه: “بينما يبدو لبنان حازماً عندما يتعلق الأمر بمصادرة الأسلحة الثقيلة التابعة لحزب الله والموجهة ضد إسرائيل، فإنه يتبع نهجًا أكثر تساهلاً تجاه الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي تستخدمها الأطراف اللبنانية في الاشتباكات مع سوريا. ويعتقد المسؤولون السوريون أن بيروت لا تبذل الجهد الكافي لمعالجة هذه المسألة، ويرون في ذلك دليلاً على ضعف في التنفيذ أو تردداً سياسياً.
القيود على التنقل بين البلدين ومصافحة الرئيس عون والشيخ طريف
“كانت الحكومة السورية الجديدة تتوقع أن تقوم لبنان بتخفيف القيود على الحدود، لكن عندما لم تفعل ذلك، شددت دمشق أيضًا إجراءات دخول المواطنين اللبنانيين. كما قام لبنان بتشديد القيود على دخول السوريين – خاصة عبر مطار بيروت – وفرضَ رسومَ عبور على السوريين الداخلين إلى لبنان، قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقًا. وتخشى السلطات اللبنانية أن تسهيل حركة العبور عبر الحدود سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في لبنان، خصوصًا في ظل وجود نحو مليوني لاجئ سوري في البلاد واستمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا. وتُضاعف هذه المخاوف المعارضةُ السياسية الداخلية المتزايدة لوجود اللاجئين، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.
“وقد وقع حادث مثير للجدل عندما تم تصوير عون وهو يصافح الشيخ موفق طريف خلال مراسم تنصيب البابا لاوون الرابع عشر في شهر أيار/مايو. وأوضح المكتب الإعلامي لعون، لاحقًا، أن عون لم يكن على علم بهوية طريف.
ولكن، وصف مصدر مقرب من الحكومة السورية الحادثة بأنها زلة دبلوماسية ذات دلالات رمزية، بالنظر إلى أن إسرائيل تسعى بنشاط إلى تفتيت وحدة الطائفة الدرزية السورية.
أحمد الشَرع توجَّهَ بالشكر لكل الدول ما عدا لبنان!
“أوضحَ مؤشر على أن الأمور ليست على ما يرام جاء في خطاب ألقاه شُرَّاع في 14 أيار/مايو، بعد فترة قصيرة من رفع معظم العقوبات الدولية عن سوريا بشكل رسمي. ففي خطاب مُتلفز، وجَّهَ شكره العلني إلى قائمة طويلة من الدول – من دول الخليج، إلى تركيا، إلى دول في شمال إفريقيا.. ولكن اللافت أنه لم يذكر لبنان، رغم أن البلاد تستضيف عددًا كبيرًا جدًا من اللاجئين السوريين منذ بداية النزاع السوري. وكان هذا التجاهل مقصودًا بشكل واضح.”
لماذا لم نجد هذه “الجردة” للعلاقات اللبنانية ـ، السورية في المواقع الإعلامية اللبنانية التي تكاثرت مثل الفِطر في السنتين الأخيرتين؟ سؤال يستحق الإجابة، وقد يكون بين أسبابه التمويل القطري والسعودي، وتَزَلُّف الكثير من الإعلاميين لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة، أو غير ذلك!