أعلن النائب ميشال عون مساء الاحد ان “مسمار الطائف يجب أن يهز”، وقبل ذلك ومن دمشق. وأمام الجمهور السوري المبهور بشخصيته “المهضومة”، فتح عون النار على ما يُعرف بوثيقة الوفاق الوطني التي ابرمت عام 1989 وانهت الحرب الاهلية التي مزقت لبنان منذ العام 1975 وعلى الصيغة التي وضعت حدا لحال الجنون والحروب العبثية التي قادها شخصيا وانهكت اللبنانيين عموما والمسيحيين بشكل خاص.
تعديل اتفاق الطائف، مطلب رئيسي لحزب الله ومَن وراءه، وهجمات عون وتياره البرتقالي في هذا السياق ليست الا فرضا يؤديه الاخير نزولا عن رغبة الحزب الالهي من باب دفع جزء من الفاتورة المتوجبة عليه منذ توقيعه ورقة التفاهم التي قبض ثمنها مالا طاهرا ازهقت في سبيله ارواح الكثيرين من احداث الاحد الاسود الى خطيئة 7 ايار.
ومن نافل القول ان سماحة الجنرال الحاج العائد من زيارته المقدسة الى سوريا، يشكل رأس الحربة في مشروع حزب الله لادخال المثالثة على الدستور اللبناني غافلا عن تداعيات ما يمارسه من سياسات بهلوانية على صيغة لبنان المميزة وميثاق العيش المشترك.
فلننظر بتمعن الى ابرز ما ورد في المبادىء العامة لاتفاق الطائف لعلّنا نتمكن من تبيّن الاسباب التي تدفع بفريق المحور السوري الايراني الى المطالبة بتعديله:
أ- الطائف ينص على ان “لبنان وطن حر مستقل نهائي لجميع ابنائه”؛
رفض نظام الاسد من الاب الى الابن احترام نهائية الوطن اللبناني وكيانه المستقل.
ب- “لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في كل من الجامعة والعربية ومنظمة الامم المتحدة وملتزم ميثاق المنظمتين”؛
لجهة الهوية، حزب ولاية الفقيه يتحرك وفق عقيدة تقضي بتحويل لبنان الى امتداد ديموغرافي للامبراطورية الفارسية المرجوة او ربما جزءا اساسيا من تكوينة الهلال الخصيب والهوية العربية للبنان عقبة في وجه هذا المد الخطير.
ولجهة الرغبة باحترام القوانين الدولية، فهذا امر لا يناسب نظام سوريا الاسد المتجاهل منذ تأسيسه لابسط القوانين الدولية وشرعة حقوق الانسان.
ت- ينص الطائف على ان “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد”؛
المصلحة المشتركة تجمع بين طهران ودمشق لرفض هذا البند الذي يناقض تماما مبدأ هذين النظامين كون احدهما شمولياً عقائدياً دينياً متشدداً والآخر توتاليتارياً تتحكم بمفاصله عائلة الاسد وملحقاتها.
ط- ان “ارض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الاقامة على اي جزء منها والتمتع في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على اساس اي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين”؛
الحزب الالهي الذي يحتكر مربعات امنية داخل العاصمة وفي ضواحيها، ويفرض سيطرة السلاح على جنوب الوطن وبقاعه، لن يستطيع ان يتعايش مع هذا الدستور المناقض لعقيدته.
اذا، فالجنرال القائل بان الوقت قد حان لان “يهز مسمار الطائف” – وهو الجنرال نفسه الذي توعّد منذ نحو عقد ونيف بهز المسمار بنعش حافظ الاسد فهزّ ومزّق لبنان وادخل السوري الى كل ربوعه- ليس هو الا جنرال حرب تهديم الدولة اللبنانية وتفكيكها لمصلحة دويلة ولاية الفقيه ونظام الاسد.
ولان ما نشهده من تدهور في اداء عون بلغ ما بلغه من خطر على وجود لبنان، خرج سيد بكركي وبطريرك انطاكية وسائر المشرق البطريرك، مار نصرالله بطرس صفير، عن صمته، وارجع الامور الى نصابها، ان لجهة من يتحدث باسم المسيحيين، وان لجهة تحديد هوية اعداء وخصوم لبنان مرة نهائية ، كما لردع اي هجوم على دستور لبنان الذي يحمي صيغته وصورته التعددية… فحذّر من زيارات الحج الى دمشق “لتقديم الطاعة”، ودعا الى اعادة النظر بكل الاحكام الصادرة ابان “الاحتلال”.
سيد الكنيسة المارونية الشرقية سمى الاشياء باسمائها حتى لا تلتبس الامور على من اعمته مسرحيات عون الدونكيشوتية.
كثيرون شبهوا كلام غبطة البطريرك في الاسبوعين الماضيين ببيان الكنيسة المقاوم الشهير العام الفين الذي مهد لولادة ثورة الارز، وهنا تقول مصادر مقربة من الصرح البطريركي ومن قوى 14 آذار، ان من ناضل في سبيل الاستقلال والسيادة منذ قيام دولة لبنان الكبير، لن يقف مكتوف الايدي امام المعارك الشرسة التي تُشن عبر سوريا وابواقها، وبأن العام الجديد سيشهد نهضة جديدة ومتجددة لثورة الارز، لمنع اعداء الطائف وتوابعهم من الجلوس تحت قبة برلمان طالما شكل الواحة اليتيمة للحرية والديمقراطية في الشرق الاوسط.
nourelsa@hotmail.com
• كاتبة لبنانية