سيرة (غير كاملة) نشرتها ماريون دوييه Marion Douet، مراسلة جريدة “لوموند” في نيروبي، ضمن سلسلة “ثروات إفريقية”
ملك البناء المثير للجدل في نيجيريا “مُقرب جداً” من الرئيس “بولا تينوبو” (Bola Tinubu)، ويرافقه في رحلاته إلى باريس. وقد منحته حكومة “أبوجا” عقودًا تفوق قيمتها 11 مليار دولار خلال عامين.
أمام الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الواقِف على منصة مرتفعة، احتشدت في ذلك اليوم نخبة رجال لاغوس الأغنياء والنافذين. طابور من البدلات الداكنة، والجلاليب التقليدية الغنية، تحت خيمة نُصبت للحماية من الحرّ الخانق. لكن وسط هذا الجمع، كان الرئيس يُكِرِّم بشكل خاص صديقيه جيلبير ورونالد شاغوري، خلال تدشين الجزء الأول من طريق سريع مثير للجدل يبنيه الشقيقان. واصفًا إياهما بـ”شريكيَّ في الجرأة”، قالها تينوبو، الذي يبلغ 73 سنة، بنبرة بطيئة.
في الصف الأول، مرتديًا بدلة سوداء، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه جيلبير شاغوري. وبدا أن الملياردير الغامض، الذي لا يُعرف مقدار ثروته، والسفير في الفاتيكان، وضيف الإليزيه، وصديق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، والمدان سابقًا بتهمة غسل أموال في سويسرا، يستمتع بلحظته.
والواقع أن “شركاء الجرأة”، الذين تربطهم علاقات منذ عقود، بلغوا القمة معًا. فمنذ عام 2023، يتولى “بولا تينوبو” قيادة أكبر دول إفريقيا (228 مليون نسمة)، وهي بلد نفطي ضخم يعاني من رأسمالية متوحشة وفسادٍ مستشرٍ وفوارق اجتماعية حادة. وفي الوقت ذاته، حصلت مجموعة شاغوري، إمبراطورية البناء والعقارات النيجيرية التي تأسست عام 1971، على أكبر عقودها منذ خمسين عامًا.
طريق سريع بـ 11 مليار دولار
وقد فازت شركته “هاي تك”(Hitech) بعقد بناء طريق لاغوس – كالابار السريع، مشروع ضخم يمر عبر ثماني ولايات نيجيرية ساحلية، من العاصمة الاقتصادية حتى مناطق النفط. وبلغت قيمة العقد التقديرية 11 مليار دولار (9.4 مليار يورو)، أو 13 مليار دولار حسب المعارضة، وتم منحه بدون مناقصة، ما أثار “عاصفة سياسية” بحسب صحيفة بيزنس داي المحلية. وفي مارس، كشف موقع أفريكا إنتليجنس أن شركة “آي تي بي” (ITB)، وهي فرع آخر للمجموعة، فازت بعقد ترميم مينائين في لاغوس بقيمة 700 مليون دولار.
“مكانة لا تُضاهى”
علاقة شاغوري وتينوبو تتعدى عالم البناء. ففي مؤتمر المناخ “كوب28” في دبي عام 2023، تم تسجيل رجل الأعمال البالغ من العمر 79 عامًا ضمن الوفد النيجيري بصفة “موضع ثقة” الرئيس. ويقول بنجامين أوجيه (Benjamin Augé)، الباحث في “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية” والمتخصص في شؤون نيجيريا: “شاغوري يتمتع بمكانة فريدة لا ينافسه فيها أحد في محيط تينوبو”.
يرافق الملياردير الرئيس تينوبو في زياراته المتكررة إلى فرنسا (ما لا يقل عن ثمانٍ منذ توليه المنصب)، حيث يمتلك قصرًا خاصًا في باريس ويُعد شخصية نافذة جدًا.
ويضيف أوجيه: “تحولت باريس إلى مركز للدبلوماسية النيجيرية بفضل شاغوري، لما لديه من علاقات ومعرفة واسعة بها”. وفي نهاية نوفمبر 2024، وخلال زيارة دولة للرئيس النيجيري إلى باريس، جلس شاغوري على يسار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قصر الإليزيه. ويقول أوجيه: “العلاقة بينهما جيدة جدًا، لأن شاغوري هو حلقة الوصل”.
وهو حلقة وصل بين السياسة، و”البيزنس”، والعمل الخيري – فقد أُطلقَ اسمه على قاعة في “متحف اللوفر” بعد تبرعه بسجادة فاخرة تعود للقرن السادس عشر. ومن جهة أخرى، فهو أيضاً حلقة وصل بين نيجيريا، وفرنسا، ولبنان. كما يوصف بأنه يتمتع ببرودة أعصاب رجل الأعمال، وكاريزما يُقال إنها استثنائية، وورع ديني عميق.
كاثوليكي ورِع وسفير في الفاتيكان
وهو كاثوليكي ملتزم، كرّمه الباباوات المتعاقبون على مدى سنوات لأعماله الخيرية، ويشغل منذ عام 1995 منصب سفير لدى الفاتيكان لصالح دولة صغيرة في الكاريبي هي “سانت لوسيا”. وهو أيضًا المندوب الدائم منذ ثلاثين عامًا لدولة “سانت لوسيا” لدى اليونسكو ، ما يمنحه جواز سفر دبلوماسي ووضعية رسمية، كما ذكرت صحيفة لو كانار أونشينيه في أكتوبر 2023.
من قرية لبنانية إلى نيجيريا
نشأ شاغوري بعيدًا عن هذه الدوائر الرفيعة. تنحدر عائلته المتواضعة من قرية “مزيارة” في جبال لبنان، المعروفة اليوم بمنازلها الغريبة على شكل طائرات بوينغ أو أهرامات أو معابد إغريقية، بناها المغتربون في نيجيريا.
وصلت عائلة شاغوري إلى نيجيريا في ثلاثينات القرن الماضي؛ وولد جيلبير في “لاغوس” عام 1946. وبعد دراسة في لبنان، عاد إلى نيجيريا ليبدأ مسيرته كبائع أحذية، ثم أسس مجموعته عام 1971، وفق موقعه الرسمي الذي يصفه بأنه “أحد الصناعيين الأكثر احترامًا في العالم”.
علاقات مع الجنرال أباشا
ليست هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها شاغوري برئيس نيجيري. فقد كان مقربًا من الجنرال الإنقلابي “ساني أباشا” (Sani Abacha) (الذي حكم نيجيريا من 1993 إلى 1998)، الذي وصفته وزارة العدل الأمريكية بأنه “من أكثر اللصوص شهرة في التاريخ”. وفي إطار محاكمة كبرى، أدانت سويسرا، في العام 2000، جيبلبير شاغوري بتهمة غسل الأموال، ووافق على دفع غرامة قدرها مليون فرنك سويسري (1.07 مليون يورو) وإعادة 66 مليون دولار إلى نيجيريا. وقد أصرّ شاغوري على أنه لم يكن يعرف أن تلك الأموال التي كانت في حساباته كانت مسروقة.
التحالف مع تينوبو
بوفاة أباشا عام 1998، خسر شاغوري داعمًا كبيرًا، وبدأ رحلة شاقة للعودة إلى المشهد السياسي المدني، وفقًا لماثيو بايج (Matthew Page)، الخبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، والمرتبط اليوم بـ”تشاتام هاوس” Chatham House. في تلك الفترة، ارتبط بعلاقة مع حاكم لاغوس الجديد آنذاك: بولا تينوبو. وبفضل ازدهار المدينة، ازدهرت شركته ببناء طرق، جسور، وعمارات، وسدود. ويضيف بايج: “أحد أسباب نجاح شاغوري هو التحول الكبير الذي شهدته لاغوس في العقدين الأخيرين بفضل تينوبو”. ويُقر شريك سابق، رغم ابتعاده عن شاغوري، بجودة تنفيذ مشاريع المجموعة، التي توسعت لاحقًا إلى قطاعات الفنادق، والمرافق اللوجستية، وحتى مطاحن الحبوب.
دعم بيل كلينتون
داخل عشيرته، يُعتبر جيلبير الأب والزعيم غير المنازَع. خاجها، ويوصف بأنه شخص غامض أو حتى محب للسرّية. “الجميع يتحدث عنه، لكن لا أحد يراه”، يقول مراقب طلب عدم ذِكر إسمه. البعض يراه متكبرًا وميالاً للإنتقام، وآخرون يصفونه بأنه جذاب وماهر. وقال تينوبو في بيان تهنئة بعيد ميلاده عام 2024: “إنه نور ساطع في الغرفة، كريم بقلبه وثروته”.
جيلبير يدير الملفات الكبرى والعلاقات الدولية، بينما يشرف شقيقه رونالد على العمليات اليومية. لديه أربعة أبناء من زوجته روز ماري، هم: “جيلبير-أنطوان” أسس “شاغوري للأزياء الراقية ” Chagoury Couture في لوس أنجلوس عام 2010، و”كريستوفر” الذي يدير فنادق “إيكو” الفخمة في لاغوس، بمساحتها الهائلة (850 غرفة و9 مطاعم وبار ومضمار تزلج في عيد الميلاد). أما “رونالد جونيور”، ابن شقيقه، فهو نائب رئيس شركة “ساوث إنيرجي إكس” (South Energyx)التي تنفذ مشروعهم الأضخم: “إيكو أتلانتيك” (Eko Atlantic).
“إيكو أتلانتيك”، مدينة من قلب البحر
تم تجريف ملايين الأمتار المكعبة من الرمل من المحيط الأطلسي لإنشاء هذا الحي الجديد على البحر. ورغم أن المساحة لا تزال شبه خالية، إلا أن الفيديوهات الترويجية تعرض أبراجًا شاهقة، وشوارع راقية، ومارينا تضم 300 رصيفًا. ويصفه رونالد جونيور بأنه مزيج من ميامي ودبي وسنغافورة، ويؤكد أنه يقي لاغوس من التآكل الساحلي الكارثي.
حظي المشروع بدعم كبير، بدءًا من بيل كلينتون، الذي وصفه بأنه “مشروع بنية تحتية أساسي لمستقبل المدينة والدولة”. وقال في 2013: “أشكر أصدقائي جيلبير ورونالد شاغوري لجعل هذا الحلم ممكنًا”. ووفق “بلومبرغ”، فإن عائلة شاغوري تبرعت لمؤسسة كلينتون بمبلغ يتراوح بين مليون و5 ملايين دولار في التسعينيات، و460 ألف دولار لجمعية مرتبطة بالحزب الديمقراطي عام 1996، وبفضل ذلك تمت دعوتهم للعشاء في البيت الأبيض.
شبهات بدعم الإرهاب
يضم مشروع “إيكو أتلانتيك” مساكن لشركة “توتال إنرجيز”، لكنه يضم أيضًا قنصلية الولايات المتحدة، التي أُعلن عنها كأكبر قنصلية أمريكية في العالم، باستثمار قدره 537 مليون دولار. أُطلق المشروع رسميًا حينما كانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، ما أثار انتقادات عديدة. واعتبر فرع “ترانسبيرنسي إنترناشيونال” في أمريكا أن هذا “يرسل رسائل متناقضة”، بينما قال ماتيو بايج أنه “لأمر صادم أن يقوم جيلبير شاغوري بتمويل وزارة الخارجية الأميركية في مشروع إيكو أتلانتيك”، خصوصاً بسبب العلاقة الصعبة بين الملياردير والولايات المتحدة.
وفي عام 2016، كشفت تسريبات إعلامية أن شاغوري مُنع من الحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة بسبب شبهات بصلات مع الإرهاب. وردّ شاغوري برفع دعاوى قضائية ضد مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) والوكالات الحكومية الأخرى التي اتهمها بتشويه سمعته والتسبب في تجميد حساباته البنكية، ما عرقل “صيانة منزله في بيفرلي هيلز”، وفق ما نقلت لوس أنجلوس تايمز. وانتهى النزاع باتفاق قضائي يبرئه.
وفي العام 2010، واجه اتهامات بالتبرع للسياسي أمريكي “جيف فورتنبيري” (Jeff Fortenberry)، وهو مثله كاثوليكي ورع، ومتفهم لمشاكل “مسيحيي الشرق”، وذلك مع أنه أجنبي، وهو ما يُعد جريمة في الولايات المتحدة.وقد دفع شاغوري غرامة قدرها 1.8 مليون دولار في ديسمبر 2019. وعن هذه القضية، يقول ماثيو بايج: “تصرفات شاغوري قد تبدو مستهجنة من منظور أمريكي، لكنها شائعة جدًا في السياق النيجيري”.
وفي العام 2022، تم تدشين موقع القنصلية الأمريكية في “إيكو أتلانتيك” خلال احتفال رسمي. وألقت خلاله السفيرة الأمريكية وحاكم لاغوس كلمات تشيد بالمشروع، أمام جمهور ضمّ جيلبير شاغوري وبولا تينوبو، تحت خيمة بيضاء أنيقة.