اقبل صيف الخليج الحارق حيث حرارة الشمس ترتفع الى اقصى الدرجات، ومرات تصل الى حد درجة الغليان. فمن المنطق والعقل ان تستعدي تلك الاجواء الساخنة لإرتداء الملابس الخفيفة ذات الالوان الفاتحة، ويفضل ارتداء الابيض لأنه يعكس الحرارة ويجعل الجسد يحتفظ ببرودته. لذلك الشعوب التي تقطن في البلدان الحارة يرتدي افرادها الملابس المناسبة لبيئهم، فيما عدا دول الخليج الستة، وعلى وجه الخصوص السعودية.
في الدول الخليجية ذات الطبيعة الصحرواية والجو الحار جدا، نرى الرجال فيها يتمخترون براحة وحرية في ثيابهم الطويلة الناصعة البياض التي تحميهم من اشعة الشمس الحارقة، وتساعدهم على الاحتفاظ بحرارة الجسم الطبيعية واعتدالها الى حد ما، بينما على الضفة الأخرى، النساء يرتدين السواد الذي يجعل اجسادهن تغلي الى حد المرض، ويشعرن بالصداع والتعب من شدة التعرق وفقدان سوائل الجسم، ومع كل تلك المعاناة يتحركن النساء وخاصة السعوديات بسلبية مقيتة وراء رجالهن، بدون ابداء اي تذمر او احساس بالضيق والاختناق، وكأنهن آلات مبرمجة على الطاعة والانصياع.
حادث انقلاب بعض عربات قطار الدمام المتجه الى الرياض الذي حصل بالامس (الاربعاء 26 يونيو) كان مفجعا. منظر النساء وهن فوق العربة بسوادهن البشع يحاولن ان يخرجن من تلك العربات المنكوبة اظهر مدى بؤس النساء السعوديات وقلة حيلتهن. كانت تحاول كل واحدة منهن انقاذ نفسها والتمسك بشدة بوشاحها الأسود الذي يغطيها من الرأس الى القدم، حيث انه غير صالح لاي ظرف فمبالك في حالة طواريء كتلك. الصورة التي نُشرت في الصحف للنساء في حادث القطار عبرت عن مدى ضعف السعوديات ومدى خطورة تلك العباءات السوداء.
ولا ننسى بطبيعة الحال ان العباءات كانت هي السبب في مقتل 15 تلميذة في حادث الحريق الذي حصل في احدى مدارس البنات في مكة المكرمة في عام 2002 ، حيث منعوا رجال الدفاع المدني من دخول المدرسة لانقاذ الضحايا، لأن الطالبات لم يرتدين عباءاتهن من شدة الهلع، فكان جزاءهن الموت.
اي عُرف هذا الذي جعل من النساء كقطيع من الماعزات السود، يحترقن بصمت دون يرأف بحالهن احد؟ لماذا يُفرض ارتداء السواد على ارض لم تـُخلق له؟ لماذا لا يُترك الخيار للنساء بارتداء ألوان اخرى من العباءات؟ لماذا تـُمنع محلات الخياطة من صنع العباءات الملونة وبيعها؟ لماذا يُجبرن التلميذات الصغيرات في السعودية على ارتداء هذا السواد الخانق ومن تخالفه تتعرض للعقاب تصل الى حد الحرمان من الدراسة؟ حتى المعلمات حالهن ليس بأفضل من حال تلميذاتهن، فهن ايضا يُرغمن على لبس السواد من الرأس حتى اخمص القدميين وينصعن من اجل ان يحتفظن بوظائفهن. هكذا هو الخنوع المقنن يُرسخ بقوة وعنف منذ الصغر وعبر الاجيال.
السؤال الذي يصعب الاجابة عليه الآن هو هل المجتمع، أم العرف، أم الدين ام المحرم هو من يفرض على المرأة السعودية ارتداء العباءة السوداء؟ ام انه خيارها؟ لأنه بالفعل لا يوجد قانونا يجعل من السواد هو الخيار الوحيد في لبس العباءات فيما عدا في المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات وبعض الدوائر الحكومية التي تسمح بعمل المرأة. بينما خارج تلك الاجهزة الحكومية لون العباءة امره متروك للنساء. حتى رجال الهيئة لا يتعرضون لمن ترتدي غير السواد اذا كان ساترا، وهذا امر اقوله من تجربتي الخاصة. فقد صار لي سنوات عديدة وانا لا ارتدي سوى العباءات الخفيفة ذات الألوان الفاتحة كالوردي وغيره، ولم اتعرض قط لأية مضايقة. اذا لم ارتضت النساء السعوديات لأنفسهن السواد؟
أما آن لهذا السواد ان يترجل؟