ما هي القضايا التي تهم المواطنين السعوديين العاديين؟ كيف ينظر المواطن المتوسط إلى حالة الإقتصاد المحلي؟ ما هي المواقف العامة السائدة تجاه التطرف الديني؟… يعتمد الإستقرار طويل الأجل في المملكة العربية السعودية — بدرجة أو بأخرى — كما هو الحال في معظم البلدان، على القبول الشعبي للنظام الحالي. وحتى على المدى القصير، مما لا شك فيه أن الحكومة السعودية، التي هي أبعد من أن تكون ديمقراطية، حساسة تجاه التيارات الإجتماعية غير السلسة وردود الفعل المتنوعة لمبادراتها. ونتيجة لذلك، فإن فهم الرأي العام السعودي هو جزء هام من قياس الإتجاهات المستقبلية المحتملة التي ستتبعها البلاد. ومع ذلك، تكاد تكون استطلاعات الرأي غير معروفة في المملكة، ولا حاجة للقول أنه لا يمكن الإعتماد على وسائل غير مباشرة أو على طرائف ونوادر عن هذه المواضيع الحساسة جداً لقياس الإتجاهات المستقبلية المحتملة للبلاد.
ولكي يتم تدارك هذا النقص التحليلي، تَعْرض الفقرات التالية نظرة نادرة قائمة على البيانات المتعلقة بالقضايا السياسية والإجتماعية الحالية في المملكة العربية السعودية، كما يراها مواطني المملكة أنفسهم. ويكشف هذا الإستطلاع عن وجود رأي عام معتدل وراض — ولكنه قلق أيضاً إزاء الأوضاع الإقتصادية. والأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أنه يبين بوضوح أن العديد من السعوديين مستعدون للإعراب عن قلقهم بشأن الفساد والتطرف الديني. ويريد معظم هذا الجمهور أيضاً اتخاذ خطوات سياسية جديدة مثل إجراء إنتخابات محلية — ولكن، كما ذكر سابقاً، فخلافاً لبعض المفاهيم الخاطئة الغربية، لا يكاد يكون هذا البعد من الحياة العامة على رأس جدول أعمالهم كما هو الحال بالنسبة لقضايا أخرى.
تستند هذه النتائج في المقام الأول على مجموعة بيانات فريدة من نوعها تعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2009، تم الحصول عليها من قبل “مؤسسة پيختر لإستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط” (Pechter Middle East Polls)، وهي مؤسسة أبحاث خاصة وجديدة، مقرها في مدينة پرينستون في ولاية نيوجرسي الأمريكية. ونجمت البيانات في أعقاب دراسة إستقصائية قامت بها شركة تجارية إقليمية على درجة عالية من الكفاءة حيث استطلعت عينة تمثيلية تألفت من 1000 مواطن سعودي في المناطق الحضرية الرئيسية الثلاث: جدة والرياض والدمام/الخبر. وقد سبق أن نُشرت نتائج أخرى من هذه الدراسة الإستقصائية، التي تركزت على قضايا السياسة الخارجية، في المرصد السياسي # 1618 (“الرأي العام السعودي يؤيد فرض عقوبات على إيران ولكنه منقسم حول القيام بعمل عسكري”) و # 1614 (“استطلاعات آراء السعوديين والمصريين: إيران والجهاد والإقتصاد”).
وجهات نظر متباينة حول الإقتصاد
في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2009، كان السعوديون الساكنون في المناطق الحضرية منقسمين حول ما إذا كانت المملكة تسير في الإتجاه الصحيح (54 في المائة) أو في الإتجاه الخاطئ (39 في المائة). وفيما يتعلق بالقضايا الإقتصادية، كانوا أكثر تشاؤماً إلى حد كبير حول أوضاعهم الفردية: فقد قال 40 في المائة منهم أن آفاقهم الإقتصادية الشخصية قد انخفضت خلال العام الماضي، مقارنة مع 36 في المائة قالوا أنها قد تحسنت؛ ولم يرَ 23 في المائة منهم أي تغيير. ومن ناحية تطلعهم إلى المستقبل، لم يتوقع سوى ربع المستطلعين بأن وضعهم الإقتصادي سيتحسن خلال العام المقبل، في حين توقع نصف المستطلعين بأن وضعهم سيبقى على ما هو.
وبالمثل، كانت وجهات نظر المشاركين في الإستبيان حول أمنهم الإقتصادي الشخصي مختلطة. فقد قال أقل من نصف المستطلعين بأنهم شعروا “أكثر أمناً من الناحية الإقتصادية” في العام الماضي مقارنة بما سبق، ولكن كانت هناك نسبة متساوية اختلفت عن هذا الرأي (6 في المائة فقط قالوا أنهم لا يعرفون أو رفضوا الإجابة على هذا السؤال).
السعوديون الاصغر سناً أكثر تفاؤلاً
وحول سؤالين من هذه الإسئلة السابقة، عبّر المستطلّعون ما بين 18-24 سنة (وهي مجموعة تضم ما يقارب ربع إجمالى تعداد السكان البالغين في المملكة) عن آراء أكثر إيجابية إلى حد ما من تلك التي عبر عنها السعوديون الذين هم في الفئة العمرية 55 سنة فما فوق (نحو 10 في المائة من جميع البالغين). فعلى سبيل المثال، قال 59 في المائة من المجموعة الأصغر سناً بأن المملكة العربية السعودية تتحرك في الإتجاه الصحيح، مقارنة بـ 51 في المائة من الفئة الأكبر سناً. وبالمثل، اعتقد 39 في المائة من المستطلعين الشباب بأن وضعهم الإقتصادي قد تدهور خلال السنة الماضية، مقارنة بـ 46 في المائة من الفئة الأكبر سناً.
سكان جدة هم أكثر الساخطين، ولكن ليس من الناحية الإقتصادية
ولّد السؤال حول الإتجاه العام للمملكة العربية السعودية إختلافات إقليمية كبيرة ومثيرة للدهشة.
ففي الرياض والدمام/الخبر، كانت وجهات نظر الأغلبية الكبيرة من السكان إيجابية فيما يتعلق بالمسار الحالي للمملكة. ومع ذلك، أشارت الردود من جدة، عن وجود إستياء أكبر بين عامة الناس: وأعربت أغلبية ضئيلة عن رأي سلبي حول الإتجاه التي تسير به البلاد. لكن، لا تتوافق هذه الإختلافات بين منطقة وأخرى مع التصوّرات الإقتصادية للناس. وفي الواقع، إن سكان مدينة جدة هم أقل ميلاً، بفارق هامشي، من غيرهم لأن يقولوا بأن حالتهم الإقتصادية الشخصية قد ازدادت سوءاً خلال العام الماضي، وهم كذلك، وبنفس الفارق الضئيل، أكثر ميلاً من سكان المناطق الأخرى لتصوّر أن حالتهم الإقتصادية ستتحسّن كثيراً في المستقبل القريب.
معظم السعوديون يعتبرون الفساد مشكلة خطيرة
عموماً، ترى الغالبية من المستطلّعين (63 في المائة) أن الفساد هو مشكلة خطيرة في المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، عندما سئلوا في سؤال منفصل ومفتوح حول تسمية “أخطر” مشكلة تواجه المملكة، اعتبر خُمس المشاركين في الإستبيان بأنها “الفساد” – وكانت هذه النسبة أكثر من تلك التي سمّت “البطالة”، ولم تكن بعيدة إلى حد كبير عن تلك التي سمّت “التضخم”. ومع ذلك، رأى أقل من نصف المستطلعين (42 في المائة) في جدة، أن الفساد هو مشكلة كبيرة، بالمقارنة مع أغلبية كبيرة في كل من الرياض (74 في المائة) والدمام/الخبر (85 في المائة).
ومع ذلك، وكما ذُكر أعلاه، فالأرجح أن عامة الناس في هاتين المدينتين الأخيرتين هم إلى حد ما أكثر رضى عن الإتجاه العام للبلاد من الناس في جدة. وربما يرى مواطنوهما بأن بعض مشاكل المملكة العربية السعودية سيئة إلا أنها آخذة في التحسن، في حين أن سكان جدة ليسوا فقط أقل اهتماماً، بل أيضاً أقل ميلاً لتوقّع الكثير من التحسن.
مخاوف بشأن التطرف الديني
قال أكثر بقليل من نصف السعوديين (54 في المائة) في المناطق الحضرية أن التطرف الديني يمثل مشكلة خطيرة في بلادهم، وأيّد ربع المجيبين هذا الرأي “بشدة”. ينبغي أن ينظر إلى هذه الردود في سياق آخر، تم ذكره سابقاً في هذه الدراسة: 20 في المائة من السعوديين في المناطق الحضرية عبروا عن بعض التأييد لتنظيم «القاعدة».
لقد كانت الآراء المتعلقة بموضوع التطرف الديني مشابهة تماماً عبر المناطق الثلاث التي شمهلها المسح، خلافاً للحال بالنسبة لغيرها من المواضيع بل، والأمر الأكثر غرابة، كانت تلك الآراء مشابهة على مستوى الأفواج العمرية والفئات التعليمية المختلفة. ومع ذلك، فقد وفر تصنيف المجيبين إلى ذكور وأناث، تبايناً ديموغرافياً مثيراً للإهتمام: 48 في المائة من المشاركين الذكور يعتقدون أن التطرف الديني يعد مشكلة خطيرة، ولكن هذا النسبة ارتفعت بشكل طفيف بين النساء ووصلت إلى 59 في المائة.
استئناف الإنتخابات البلدية
في عام 2005، أجرت المملكة العربية السعودية إنتخابات المجالس البلدية الأولى في البلاد، وكان ذلك في المدن الثلاثة التي تم فيها الإستطلاع في هذه الدراسة، على الرغم من أن التصويت وعضوية المجالس كانت للذكور فقط. وتمثلت عملية الإنتخاب بتقسيم عضوية المجالس المحلية بالتساوي بين المسؤولين المنتخبين والمعينين، وهكذا ستجري العملية في المستقبل. وكان من المقرر أن تجري جولة ثانية من الإنتخابات في عام 2009، لكن تم تأجيل تلك العملية. وفي هذه الدراسة، قال نصف عدد المستَطلعين في المناطق الحضرية بأنه كان يجب أن تجرى تلك الإنتخابات في موعدها؛ ولم يوافق ثلث المشاركين في الإستبيان على ذلك. وعلاوة على ذلك، قال ثلثا المستَطلعين بأن الإنتخابات المحلية يجب أن تعقد بحلول عام 2011.
وعندما سئلوا عن الدور الذي ينبغي أن تضطلع به هذه المجالس البلدية، استشهد معظم المشاركين في الإستبيان بإجراء تحسينات على البنية التحتية أو إحداث تحسينات اقتصادية. وقال نصفهم بأنهم سوف يفاتحون المجالس [المنتخبة] حول القضايا المحلية مثل إصلاح الطرق أو خدمات الصرف الصحي.
ومع ذلك، يجب أن توضع هذه الأرقام في سياق الأولويات المألوفة الأخرى. فعندما سئلوا بطريقة مفتوحة ما التي ينبغي أن تكون أهم الأولويات الوطنية، لم يستشهد أياً من المجيبين بالإنتخابات أو الديمقراطية. وبدلاً من ذلك، كانت القضايا الإقتصادية والإجتماعية، بما فيها الفساد، الأولويات المفضلة بصورة ساحقة. وبالمثل، عندما سئلوا عما ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة في المنطقة، استشهد 13 في المائة فقط من المستطلعين بأن تعزيز الديمقراطية هي خيارهم الأول أو الثاني – ولكن كان هناك عدد أكبر بكثير ذكروا أن الدعم الإقتصادي أو اتخاذ إجراءات بشأن القضايا العربية الإسرائيلية المختلفة هي خيارهم الأول أو الثاني.
تصورات حول مجلس الشورى
وعندما سئلوا عن مجلس الشورى في بلادهم، وهو المجلس الوطني الإستشاري المعين، قال 70 في المائة من السعوديين في المناطق الحضرية بأنهم على علم بقيامه. ومن بين تلك المجموعة، قال حوالي النصف بأن الدور الرئيسي للمجلس يكمن في المجال القانوني، مع حوالي الربع استشهد بالوظائف الإقتصادية وربع آخر بالوظائف الإجتماعية. ولم يعرف واحد من كل عشرة سعوديين كانوا على علم بقيام المجلس، ما هي وظيفته أو قالوا بأن ليس له أي دور حقيقي وهو مجرد إجراء شكلي.
ماذا تعني هذه النتائج سياسياً؟
تشير هذه النتائج غير العادية، وذات المصداقية العالية، عن وجود مناخ رأي عام في المملكة العربية السعودية قابل للتأثير، حتى فيما يتعلق بالقضايا المحلية القابلة للإنفجار. وهذه أنباء مشجعة، من ناحية الإهتمامات الأميركية باستقرار السعودية، وربما كذلك، من ناحية مرونة الرياض بشأن بعض الموضوعات المثيرة للجدل ذات الإهتمام المشترك.
وفي الوقت نفسه، يظهر أن مناخ الرأي العام السعودي في ما يتعلّق بإجراء إصلاحات داخلية أقرب إلى التسامح. ويبدو أن السعوديين عموماً مرتاحين للوتيرة المتدرّجة التي يسير بها الإصلاح حتى الآن، وتؤيّد غالبيتهم مزيداً من التدابير المحدودة في هذا الإتجاه في السنوات المقبلة. وعلى الرغم من أنهم يريدون إجراء انتخابات محلية جديدة في غضون السنوات القليلة المقبلة، فإن مطالبتهم بالإنتخابات تظل خافتة.
إن القضية التي أظهر الإستطلاع أنها إشكالية أكثر من سواها هي قضية “الفساد”. وعلى الرغم من الإختلافات بين منطقة وأخرى، فقد سجّلت الإجابات التي أعربت عن القلق من الفساد مستويات مرتفعة نسبياً.
*
ديفيد بولوك هو زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الديناميات السياسية لدول الشرق الأوسط. وهو مؤلف نشرة المجهر السياسي باللغة الانكليزية “استطلاعات رأي مخادعة: استغلال الدول العربية لاستطلاعات الرأي وإساءة استعمالها”.