في الوقت الذي تتحدى فيه حفنة من رجال دين هامشيين وجماعات دينية مشابهة، النتيجة الرسمية لانتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة، تدعم الحوزات العلمية الشيعية ككل في الوقت الحاضر، الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي. وعلى الرغم من أنه قد تم إظهار هذا الدعم بطريقة صامتة، إلا أن واقع الأمر، الذي تمثل بعدم تدخل معظم رجال الدين الشيعة في النقاش العام حول الانتخابات أو قيام الحكومة باستخدام القوة ضد المتظاهرين، كان فعالاً بشكل خاص في تعزيز موقف خامنئي.
الحوزة العلمية
تتألف الحوزة العلمية في إيران من حوالي 200,000 عضو، ويشمل سلمها الوظيفي العديد من رجال الدين من المستوى المتوسط برتبة “حجة الإسلام”، ونحو ألف رجل دين بدرجة “آية الله”، الذين هم قادة متميزين بمعرفتهم العلمية الدينية. وهناك حوالي خمسة عشر مرجعاً دينياً يحملون لقب “آية الله العظمى” الذين يفوق مقاماً درجة “آية الله”، ويتم تبجيلهم كمصادر يحتذى بها، أو كمرشدين دينيين، للعديد من أتباعهم.
لقد كان لقب خامنئي مجرد “حجة الإسلام”، عندما تمت ترقيته إلى درجة “آية الله”، في خطوة مثيرة للجدل كانت تهدف إلى جعله مناسباً من الناحية الدستورية لخلافة آية الله خميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، كقائد أعلى لإيران. وتنبع سلطة خامنئي من مبدأ “ولاية الفقيه”، التي تجمع نفوذ سياسي وديني في سلطة عليا واحدة.
المعارضة فقط من الهوامش
إن رجال الدين بدرجة “آية الله” في قم وأصفهان، الذين انتقدوا الانتخابات الرئاسية الأخيرة، [أصبحوا الآن] معزولين، حيث لا يوجد لديهم دور هام في الحوزة العلمية؛ كما أنهم يفتقرون إلى الموارد المالية والحظوة الدينية. وبالرغم من أنهم كانوا يتبوأون مناصب سياسية وقانونية رئيسية خلال العقود الأولى من الجمهورية الإسلامية، إلا أنه تمت إزاحتهم من مناصبهم، في البداية من قبل خميني، وفي وقت لاحق من قبل خامنئي.
لقد كانت المجموعة الهامشية الصغيرة، المعروفة باسم “مجمع الباحثين والمدرسين في الحوزة العلمية في قم”، المجموعة الوحيدة من رجال الدين التي أشارت صراحة إلى الانتخابات الرئاسية بأنها غير شرعية. لقد تأسس هذا المجمع في عام 1998، ويتكون مجلسه المركزي من ثمانية عشر رجلاً دينياً من المستوى المتوسط و”آية الله” واحد. ولا يقوم هذا المجمع بأي دور في إدارة الحوزة العلمية، ولا يعتبر أي من أعضائه مصدراً يحتذى به. وقد أنشئ المجمع في البداية لدعم الرئيس السابق محمد خاتمي، ولكن تأييده بقي رمزياً وليس عملياً. ويشغل سيد حسين موسوي تبريزي المثير للجدل، منصب الأمين العام للمجمع وكان قد شارك في إعدام العديد من السجناء السياسيين المعارضين للنظام، عندما كان يشغل منصب المدعي العام لمحكمة الثورة خلال العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية.
تولي مسؤولية الحوزات العلمية
ليس هناك إلا القليل من التشابه بين الحوزة العلمية الحالية في إيران وبين ما كانت عليه قبل الثورة الإسلامية عام 1979. فمن الناحية التاريخية، كانت الحوزة العلمية عبارة عن مؤسسة سياسية شبه مستقلة، ذات موارد مالية مستقلة عن الضرائب الدينية التي كانت تجمع مباشرة من أتباعها. ولكن بعد قيام الثورة، وخاصة منذ أن أصبح خامنئي قائداً [أعلى] للبلاد قبل عشرين عاماً، أصبحت الحوزة [العلمية] تعتمد اعتماداً كلياً على الموارد المالية، والسلطة الاجتماعية، والتواصل، والتنظيم، والوضع السياسي للحكومة. فالزعيم الإيراني هو ليس فقط رئيساً للسلطة القضائية، وأجهزة الاستخبارات، والقوات المسلحة، إنما يترأس أيضاً رجال الدين الشيعة في إيران.
ويحصل رجال الدين على زيادات كبيرة في الرواتب العادية من الحكومة، ولدى الكثير منهم برتبة “آية الله” امتيازات حصرية للعديد من المعاملات التي تجلب للأرباح. وقد قامت الحكومة بتحديث الحوزة [العلمية] و [تجسيد] تنظيم بيروقراطي فيها من خلال إنشاء “المركز لإدارة الحوزات العلمية”، الذي يخضع لإشراف مباشر من قبل خامنئي ويسيطر سيطرة تامة على المصادر المالية للحوزة العلمية، ونظام التعليم في معاهدها الدينية، والاتجاه السياسي العام للحوزة. ويُزعم بأنه حتى [المرجع الشيعي الأعلى في] العراق آية الله العظمى علي السيستاني – مع غيره من زعماء الشيعة المتنفذين – يدير مكاتبه ضمن إطار “المركز”.
ولكي يتم السيطرة سياسياً على رجال الدين، قامت الحكومة بإنشاء “المحكمة الخاصة لرجال الدين” — منظمة تعمل خارج نطاق السلطة القضائية للحكومة ويرأسها رئيس معين من قبل خامنئي — للتعامل مع رجال الدين المعارضين. ولا تعمل هذه المحكمة المستقلة في إطار النظام القانوني للبلاد، بل لديها مجموعة من الإجراءات الخاصة بها وتحافظ على السجون الخاصة بها في مختلف المدن الإيرانية.
ومن الناحية السياسية، يعمل رجال الدين المتحدين الذين يعارضون بعض القرارات الحكومية، خارج نطاق الحوزة العلمية ويكون لهم عادة سجل حافل في دعم الحركة الإصلاحية في إيران. ورغم أن العديد من الشخصيات الإصلاحية البارزة، مثل الرئيس السابق للبلاد محمد خاتمي والرئيس السابق للبرلمان الإيراني مهدي كروبي، هم من رجال الدين، هناك تأثير ضئيل أو منعدم لأقوالهم وأفعالهم على الحوزة العلمية ولا يشكلون أي خطر يؤدي إلى حدوث انقسامات سياسية.
الخاتمة
من المستبعد أن تبادر الحوزة العلمية الشيعية، التي تمتد في جميع أنحاء الشرق الاوسط، بالقيام بأي نوع من المعارضة لسلطة خامنئي. وقد لا يكون بعض الزعماء الشيعة راضين عن سياسات الحكومة الإيرانية، ولكن الإعلان عن الخلافات بينهما قد يهدد المزايا الاجتماعية والسياسية والمالية، التي يحصلون عليها الآن من إيران. فعلى سبيل المثال، خلال خطبة الجمعة التي ألقاها مباشرة بعد الانتخابات الإيرانية، أعلن آية الله سيد محمد حسين فضل الله، الشخصية الشيعية البارزة في لبنان، تأييده للنتيجة الرسمية [التي أعلنت عنها] الحكومة وأعرب عن إعجابه بالشعب الإيراني لمشاركته في الانتخابات. وفي العراق، التزم آية الله علي السيستاني الصمت إزاء نتائج الانتخابات، ولم يكن له [أي] رد فعل على الأزمة التي أعقبت الانتخابات. ولكل من هاتين الشخصيتين الدينيتين مكاتب في قم، ويستفيدان من الدعم المقدم من قبل الحكومة الإيرانية.
وفي داخل إيران، بالرغم من أن معظم الدعم الذي يحصل عليه خامنئي هو صامت، لكنه واضح أيضاً. وقد أعلن رئيس “المركز لإدارة الحوزات العلمية”، مرتضى مقتدي، بأنه قد تمت الموافقة على نتائج الانتخابات من قبل “الله والإمام الغائب”، وذكر أن كلمات خامنئي هي “كلمات الإمام الغائب؛ عندما يقول انه لا يوجد تلاعب في الانتخابات، ينبغي أن يُسمع بأنه الحَكَم النهائي”.
إن خامنئي – [على الأقل] في الحال الحاضر — هو في موقف قوي. ولكن [جو] الصمت السائد من قبل الحوزة العلمية، يمكن أن يعمل ضده في النهاية. وإذا بدأ التيار السياسي في التحول، يمكن أن تصبح الحوزة واهنة القوة ودعمها غير فعال، بحيث ستترك خامنئي واتباعه في موقف ضعيف.
مهدي خلجي، الذي تدرب كرجل دين في مدينة قم في إيران لمدة أربعة عشر عاماً، هو زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على السياسات الإيرانية وسياسات الجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.