حان الوقت للدفاع عن الاقتراح بإجراء استفتاء بشأن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة.
بعد أيام من دعوة 225 ناشطًا سياسيًا ومدنيًا في إيران وفي خارجها إلى “المفاوضات باعتبارها ليست استسلاما” حيث دعوا لمفاوضات غير مشروطة بين إيران والولايات المتحدة، زار رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إيران لنقل رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما كان رد فعل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي سلبيا تجاهها.
ضرورة “التفاوض” والإجابة على ثلاثة أسئلة
قد يكون شعار “المفاوضات ليست استسلاما” الذي أطلقه المئات من النشطاء السياسيين والمدنيين داخل وخارج إيران، من أذكى المسائل التي يجب على المدافعين عن الديمقراطية الإصرار عليها في ظل تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة. لأنه إذا وافق الطرفان على الذهاب إلى طاولة المفاوضات، سيهدّئان من الثنائية القطبية الملتهبة والخطيرة حتى لو لم يسعَ كل طرف إلى ذلك، وسيصبح المتشددون في طرفي النزاع مهمّشين ولو بشكل مؤقت.
بين الإيرانيين، توجد مجموعتان تعارضان التفاوض وتحسين العلاقات الإيرانية الأمريكية. فهناك الإيرانيون المتطرفون ويرأسهم المرشد الأعلى، وهناك الإيرانيون المدافعون عن العقوبات وعن الحرب.
الفئة الأولى هي المستفيدة من التوتر بين إيران والولايات المتحدة، حيث يحقق لها ذلك مكاسب سياسية ومصالح اقتصادية. أما الفئة الثانية فهي التيارات التي تربط آمالها وأوهامها السياسية بالعقوبات وبشن الحرب. هاتان الفئتان، على الرغم من كل خلافاتهما، تشتركان في ضرورة إشعال فتيل الحرب. وأي مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ستعمل على تجريدهما من أسلحتهما. وبعد مرور أربعين عاما من عمر الجمهورية الإسلامية، أصبحت معاداة أمريكا وشعارات “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”، أحد الأوجه الأيديولوجية لنظرية ولاية الفقيه المطلقة. فمن دون دعم ولاية الفقيه المطلقة للسياسة الخارجية القائمة على محورية العدو الخارجي، لن تستطيع أن تقمع الإعتراضات الداخلية، ولن تقدر على تبرير أخطائها السياسية إلا من خلال إلقاء اللوم في ذلك على هذا العدو وعلى تدخلات أمريكا في شؤون إيران. وإذا تحسنت يومًا ما العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، والتي، بطبيعة الحال، أحد متطلباتها هو التخلي عن شعار “الموت لإسرائيل”، فسيتم تفكيك ولاية الفقيه المطلقة أيديولوجيًا، وسيصاب جميع المتطرفين الذين تمت تعبئتهم بأيديولوجيا معاداة أمريكا وتدمير إسرائيل بخيبة أمل وسيتساقطون تدريجيا. وإنطلاقا من هذه الوقائع، يفضل خامنئي الحرب على أي تسوية مع أمريكا.
على الجانب الآخر من النزاع، حين ينخفض حجم التوتر بين إيران والولايات المتحدة، سيصاب سوق كل أولئك الذين يرفضون تحمل مسؤولية النضال من أجل الحرية والديمقراطية في وطنهم، ويرحبون بالدور الأمريكي كبديل عنهم، سيصاب سوق هؤلاء بالكساد. إذ سيصبح الفضاء أكثر صحة وأكثر ملاءمة لنمو الحركة الديمقراطية.
وللسبب نفسه، فإن شعار التفاوض، بالإضافة إلى حاجته الملحة لتفادي الحرب والدفاع عن المصالح الوطنية، هو أيضًا ضرورة لمنع السلبية عن المعارضة الوطنية والديمقراطية، التي تعتقد بأنها معزولة في ظل الفضاء ثنائي القطب في الداخل.
ولكن دفاعًا عن التفاوض وعن تطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، يجب الإجابة على الأسئلة الثلاثة التي طرحها بعض الناشطين المؤيدين للديمقراطية:
السؤال الأول: في ظل انسحاب ترامب من الإتفاق النووي ومحاصرة إيران بعقوبات مشددة، هل قبول طهران التفاوض معه يُعتبر امتيازا له لإثبات أن سياسات أوباما والحزب الديمقراطي كانت خاطئة؟ وبالتالي هل سيؤدي ذلك إلى تعزيز الوضع الإنتخابي لترامب؟
في تصوري، فإن فكرة أننا يجب أن نتبع سياسات لا تصب في صالح ترامب بل تنتهي لصالح الديمقراطيين، ستؤدي في الواقع إلى جرّنا للعب في أرضية معارضي تحسين العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. واستجابة لهذه المخاوف، لا يمكننا ولا يجب أن نحسب حساب تأثيرنا على الاتجاهات السياسية داخل الولايات المتحدة، بل يجب أن نرى أي السياسات اليوم هي في صالح المصالح الوطنية لإيران، ومن ثم يجب أن لا نلتفت لسؤال من هو الرئيس الأمريكي القادم بعد عام ونصف العام ومن أي حزب سيكون وهل ستكون سياسته الخارجية مختلفة عن السياسة الخارجية لترامب. فتلك الأسئلة لا يمكن أخذها بعين الاعتبار.
السؤال الثاني: هل معاداة أمريكا خلال الأربعين سنة الماضية كانت لصالح استقلال إيران، أم ساهمت في مزيد من القمع الداخلي وفي انتشار الفساد وفي اعتماد إيران على نفسها في المسائل الاقتصادية والثقافية؟ يصدّق قليلون في إيران اليوم ادعاء زعيم الجمهورية الإسلامية أن استقلال البلاد منوط بمعاداة أمريكا، لأن الجميع يعلمون ويرون أنه على عكس هذا الادعاء، أصبحت إيران في السنوات الأخيرة معتمدة بشكل متزايد على الولايات المتحدة في الجوانب الاقتصادية والنقدية والثقافية، حيث يستطيع ترامب اليوم أن يعرقل اقتصاد إيران النفطي، وأن يمنع عن إيران ما تحتاجه من تكنولوجيا ومنتجات غربية.
هل قلّلت الدعاية المتشددة والمعادية للغرب، والتي كانت تُطلق تحت عنوان مواجهة النفوذ الثقافي الغربي، ما أدى إلى إهدار طاقة المجتمع الإيراني، هل قلّلت من نفوذ الثقافة الأمريكية في المجتمع الإيراني لصالح ثقافة الجمهورية الإسلامية؟
قبل الثورة الإسلامية، كانت إيران، حسب ادعاءات زعماء الجمهورية الإسلامية، تابعة للولايات المتحدة، فاحتج الإيرانيون على ذلك وقاموا بـ”ثورة إسلامية”، لكن، إذا رفع الإيرانيون الطغيان عن كاهلهم اليوم، فهل سيكونون قد اختاروا ما تريده الولايات المتحدة منهم؟ لماذا العملة الوطنية الإيرانية تسير في منحنى سيء كل عام حين مقارنتها بالدولار الأمريكي؟ لماذا يشتري سلاح الجو الإيراني قطع غيار أمريكية مستعملة من الدلالين الدوليين وبأسعار مرتفعة جدا؟ لماذا يهرب الآلاف من النخب الإيرانية إلى الولايات المتحدة كل عام على الرغم من تخرجهم من المدارس الحكومية وبأموال حكومية؟ لماذا أصبحت دول الخليج وتركيا وإسرائيل أكثر ازدهارًا من الجمهورية الإسلامية في مجال السياحة والاستثمار وما إلى ذلك، وباتت حصة الشعب الإيراني جراء سياسة خامنئي القائمة على محورية العدو الخارجي هي فقط الفقر والبطالة والخزي؟
إذا كان مفهوم المحافظة على استقلال البلاد هو بمعنى رفض التفاوض والتصالح مع الولايات المتحدة، حينها ينبغي أن نسأل خامنئي: هل استطاع هذا الإستقلال أن يساهم في معالجة مشاكل الناس؟ وهل الصين أو روسيا أو الهند أو كوريا الجنوبية أو اليابان التي تربطها علاقات سياسية وحكومية مع الولايات المتحدة، هي دول تابعة لأمريكا؟ وهل فيتنام، التي يزخر تاريخها مع الولايات المتحدة بصور الصراع من أجل الاستقلال، رفضت أن تجعل المصالحة مع الولايات المتحدة والصداقة معها سببا لتطوير اقتصادها؟
أي نوع من الإستقلال هذا الذي لا تبحث عنه أي دولة في العالم، إلا دولة واحدة فقط؟ الجواب بالطبع واضح. إنه ليس استقلالًا، بل نوع من انواع الإدمان على سياسة خارجية قائمة على محورية وجود عدو خارجي، الأمر الذي لا يزال ضروريًا لممارسة القمع الداخلي ولتوطيد الطغيان الديني.
تقدم هذه السياسة، المناهضة للقومية، أوراق اللعب الإيرانية في الساحة الدولية للقوى الأجنبية لخدمة مصالحها الخاصة وعلى حساب المصالح الوطنية لإيران.
السؤال الثالث: ما هي التنازلات التي يتوقعها مؤيدو المفاوضات من الطرفين من أجل إنجاحها؟
كما ذكرنا سابقًا، فإن قبول بعض المطالب الأمريكية ليس فقط لا يتعارض مع مصالح الأمة الإيرانية، بل أيضًا يصب في خدمة هذه المصالح. على سبيل المثال، يُعتبر إنهاء شعار إبادة إسرائيل أو إنهاء التدخل الإقليمي الإيراني في المنطقة، تنازلا متوافقا تمامًا مع مطالب الشعب الإيراني ومع مصالح إيران، خاصة إذا تماشى ذلك مع قبول إيران بشروط أمريكا للعودة إلى الإتفاق النووي وإنهاء العقوبات. وبالطبع، فإن جوهر قوة خامنئي، يكمن في التظاهر بأن تلك المسائل هي “شرف الثورة”، حيث يعتقد بأنه من الإستحالة للجمهورية الإسلامية أن تقدم تنازلات بشأنها. لكن ما يعتبره شرف الثورة والجمهورية الإسلامية يتعارض تمامًا مع المصالح الوطنية لإيران ويتصادم مع مطالب الأمة الإيرانية السلمية والديمقراطية.
ترامب أم خامنئي، من الذي يريد الحرب؟
مضمون حديث زعيم الجمهورية الإسلامية مع رئيس الوزراء الياباني ليس مفاجئًا. فقد نقل “آبي” رسالة من الرئيس الأمريكي قال فيها بأنه مستعد للتفاوض مع إيران من دون أي شروط وأنه لا يسعى إلى تغيير النظام.
هي فرصة تاريخية أخرى يحرقها خامنئي. فتصريحه حين التقى “آبي” بأن ترامب “لا يستحق أن يتبادل المرء الرسائل معه”، هو بمثابة عدم تقدير للرأي العام الإيراني وللمصالح الوطنية لإيران. فهو يسعى عن طريق الإستبداد وعلى حساب دمار إيران للدفاع عمّا يصفه بـ”شرف الثورة”. وقبل يوم واحد من تصريحه، كتب ترامب على تويتر: “إذا توصلنا إلى نتيجة إيجابية مع إيران، فهذا جيد، وإذا لم نتوصل، فهذا جيد أيضا”. أعتقد أن ترامب لا يريد حربًا ومستعد للتفاوض على حل وسط، وهذه فرصة تاريخية أخرى لإنقاذ البلاد من خطر الدمار والأضرار التي لا يمكن إصلاحها جرّاء الحرب.
إن تصريح خامنئي أقلق الشعب الإيراني والشعوب المحبة للسلام في العالم، وفي المقابل أفرح الداعين إلى الحرب، وخاصة مثلث جون بولتون وبنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان. ومن خلال نهجه هذا، جعل وحش الحرب يقترب أكثر فأكثر نحو الحدود الإيرانية، وحتى رفضه التفاوض مع الولايات المتحدة، فهو قبل أن يكون موقفا فعّالا وهجوميا، كان انفعاليا تمامًا، مما يسد طريق المناورة أمام الدبلوماسية الإيرانية في ظل الوضع الخطير الحالي.
لا غزة ولا لبنان…!
يجب القول ردا على تصريح خامنئي، هل من الضروري في التصريحات السياسية أن تكون “الجدارة” هي المعيار في ذلك؟
ثم، ما هو هذا المعيار؟ وهل خامنئي، الذي ساهمت قراراته في سجن الشعب وأوصلت إيران إلى حافة هاوية الحرب والدمار، هو أجدر من ترامب؟
أن تلعب القمار بمصير الشعب، هو ما يقوم به خامنئي. وتصريحه يفتح المجال لفرض مزيد من العقوبات على إيران ويعزز فرص اندلاع الحرب المحتملة. لقد حان الوقت للدفاع عن الاقتراح بإجراء استفتاء بشأن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة.
*علي كشتغر، عضو سابق في منظمة “فدائيي خلق”. وقد تبنت المنظمة العمل المسلح ضد نظام الشاه، وشارك كشتغر شخصيا بتنفيذ أنشطة مسلحة. وبعد الثورة الإسلامية، استمرت المنظمة في تنفيذ عمليات مسلحة ضد الجمهورية الإسلامية. ويرتكز نشاط كشتغر حاليا على الدعوة إلى التغيير الديمقراطي السلمي في إيران.