بين تزييف الحاضر وتزييف الماضي

0

 قرأت هذا الأسبوع خبر فصل رئيس تحرير مجلة Die Aktuelle الألمانية لانه نشر تحقيقا صحفيا مزيفا مع بطل سباق السيارات الألماني الشهير مايكل شوماخر الذي كان قد أصيب في حادث تزحلق على الجليد منذ حوالي عشر سنوات واعتزل واختفى تماما عن الظهور (صورة التحقيق المزيف على الغلاف أعلاه).وقد استخدم الصحفي برنامجا للذكاء الاصطناعي لعمل التحقيق الصحفي المفبرك ونشره على الصفحة الأولى.

 

 

ومنذ فترة  انتشر فيديو للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يتحدث بصوت المذيع المصري توفيق عكاشة وبلهجته المصرية القروية المعروفة، وتستطيع ان تشاهد حركة وتعبيرات وجه دونالد ترامب متسقة ومتطابقة تماما مع كلام توفيق عكاشة، ويمكن مشاهدة الفيديو على الرابط التالي:

https://www.tiktok.com/@ana_alaraby/video/7219632840680656133

والتزييف كان موجودا عبر التاريخ، وانا شخصيا اعتقد ان معظم التاريخ الإنساني هو تاريخ مفبرك ومزيف. ولكن التزييف بات الآن بالصوت والصورة والحركة بواسطة تقنية الذكاء الاصطناعي. وبالرغم من خطورة هذا التزييف الإلكتروني الحديث، الا انه يمكن اكتشافه أيضا بالتكنولوجيا الحديثة وكذلك يمكن معاقبة المزيفين مثلما تم فصل رئيس تحرير هذه الصحيفة الألمانية، ومثلما ما حدث في الأسبوع الماضي أيضا عندما تم تغريم قناة فوكس الإخبارية الامريكية ما يقرب من 800 مليون دولار لنشرها اخبارا مزيفة عن تزوير في الانتخابات الامريكية عام ٢٠٢٠ لاسقاط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ما أدى إلى أن رفعت شركة “دومنيون سيستم” على قناة فوكس الإخبارية قضية تعويض للأضرار التي لحقت بها نتيجة تشهير قناة فوكس بالشركة متهمة إياها بأنها كانت وراء تزييف الانتخابات الأمريكية عام 2020. وكان مبلغ التعويض المطلوب أمام المحكمة هو 1.6 مليار دولار، وتم التصالح خارج المحكمة بأن وافقت قناة فوكس على دفع حوالي نصف المبلغ.

وكان من تداعيات هذا القرار الاستغناء اليوم عن خدمات مذيع قناة فوكس الأمريكي الشهير “تاكر كارلسون”، وهو من أكثر مذيعي التليفزيون الأمريكي شهرة ومتابعة. لذلك يبدو أن نشر الأخبار المفبركة أو حتى نشر نصف الحقيقة سوف ينتج عنه عقوبات سواء عقوبات مالية أو فصل وطرد من الخدمة أو ربما السجن.

ومنذ عدة أيام أرسل لي صديق مجموعة من الفيديوهات بها أكوام من ملايين الدولارات وتدعي أنها ضُبطت في منزل اللواء السوداني “حمديتي” قائد قوات الدعم السريع (الذي يخوص حربا أهلية الآن ضد الجيش السوداني النظامي في صراع على السلطة)، وسواء اتفقت أم اختلفت مع “حمديتي” أو أي شخص آخر فلا يصح أن تلفق له التهم الجائرة، حيث أتضح أن هذه الفيديوهات والتي تُظهر أكواما من ملايين الدولارات لم تكن في منزل “حمديتي”، ولم تكن في السودان كله، بل ليس في الشرق الأوسط كله! ولكن الفيديو عمره أكثر من سنة، وتم أخذه في أوزباكستان !!

وفي تقديري أنه يلزم وضع قوانين دولية ومحلية ضد إنتشار الأخبار المزيفة والمفبركة ونصف الحقائق، لأن هذه الأخبار المزيفة قد ينتج عنها وقوع ضحايا مثلما حدث في 6 يناير عام 2021 عندما هاجم بعض مؤيدي دونالد ترامب مبنى الكونجرس الأمريكي (أثناء إنعقاده لتأكيد فوز الرئيس ب دون) لأن هؤلاء المؤيدين صدقوا أن الانتخابات قد تم تزويرها لإسقاط زعيمهم الرئيس ترامب فاقتحموا مبنى الكونجرس ونتج عنه وقوع ضحايا.

 

وأيضا مثلما حدث في أثناء ثورة 25 يناير عام 2011، وكان الرئيس مبارك قد وافق على عقد انتخابات رئاسية جديدة وعلى أن ابنه جمال مبارك لن يرشح نفسه،  الأمر الذي أدى إلى هدوء الثوار في ميدان التحرير بالقاهرة. ولكن، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية في يوم 5 فبراير عام 2011 خبرا كاذبا بأن الرئيس مبارك وأسرته لديهم ثروة في الخارج تبلغ 70 مليار دولار، وبالطبع نقلت الخبر وركزت عليه قناة “الجزيرة” المحرضة الأساسية للثوار، الأمر الذي أعاد الثوار مرة أخرى إلى ميدان التحرير واستمرت ثورتهم حتى تم خلع حسني مبارك ومحاكمته.

ولست أدري لماذا تنتشر الأخبار المزيفة والمفبركة أكثر من إنتشار الحقيقة! وأذكر عندما كنت طفلا أنه كان هناك في حيّنا بائع جرائد يخرج الصباح ينادي على الجرائد قائلا: “أهرام .. أخبار .. جمهورية.. إقرأخبر الست إللي أكلت دراع جوزها”! وكان بعض السذج يشترون منه الجريدة أملا في قراءة هذا الخبر الغريب عن “الست اللي أكلت دراع جوزها”. وبالطبع لا يجد الخبر، ويعود بائع الجرائد بعد أسبوع بخبر آخر مفبرك، واليوم أصبح بائع الجرائد هذا منتشرا على الإنترنت في اليوتيوب والفيس بوك وتويتر وغيرها. وكلما كان الخبر كاذبا كلما انتشر بسرعة أكثر وربما يتكسب من وراء هذا الانتشار صاحب الخبر الكاذب.

ونقل الخبر الكاذب ينتج عنه أن الكذبة أحيانا تكبر كثيرا مثل كرة الجليد وتصبح أكثر إغراء.

ويعتقد بعض علماء الاجتماع (وأنا أتفق معهم) أن الإنسان بطبيعته يحب النميمة ويكره الحقيقة، بعكس الحيوان! الحيوان يتعامل دائما مع الحقيقة ولا يفبرك أي شيء. قد تسرق منك قطة قطعة لحم وتجري بها، ولكنها لن تكذب وتدعي أنها قد اشترت اللحم من الجزار!

والتاريخ في معظمه عبارة عن نميمة جميلة، والناس في التاريخ أما ملائكة لا يخطئون أو أشرار وشياطين.

البحث عن الحقيقة صعب جدا، وعن أذنكم فأنا ذاهب لاجتماع مع بعض الأصدقاء لترتيب رحلتنا القادمة إلى المريخ!

Leave a Reply

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
Share.

Discover more from Middle East Transparent

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading