حسب البنك الدولي، تحويلات اللبنانيين في ٢٠١٨ بلغت ٨ مليار دولار
اللبنانيون في الكويت، والسعودية، وقطر، وإفريقيا، وأوروبا، والأميركيتين، هم من “صغار القوم”! “بالكاد” يحوّل الواحد منهم “بضع مئات من الدولارات” لحاجات أهله وأقاربه، أو لشراء بيت، أو لسداد دين! (لم نذكر “لبنانيي إيران” لأننا لم نسمع بلبناني واحد هاجر إلى إيران.. للعمل!). مع ذلك، “صغار القوم” هؤلاء، الذين لم ينتبه لهم حاكم البنك المركزي، أو مدراء البنوك التجارية، يمثّلون، إجمالاً، مدخولاً للبلد يعادل ٨ مليار دولار!
البنك المركزي، وطبقة “الحرامية” الحاكمين، قرّروا “اقتناص” تحويلات هؤلاء عبر قبول دولاراتهم “بالدولار” أو “الأورو” أو أي “عملة صعبة”، ثم تحويلها إلى “ليرات لبنانية” لم تعد قيمتها معروفة!
بالمنطق “الإقتصادي” هذه “حماقة” تحرم البلد من ٨ مليار دولار سنوياً! وبالمنطق “الإقتصادي”، أيضاً، هذه القرارات تنقل لبنان من نظام مصرفي ناجح إلى “نظام تحويلات على الطريقة الباكستانية”!
ماذا لو “تواضع” حاكم البنك المركزي، وشلّة أصحاب المصارف، وشلّة الحكام “الحرامية” وفكّروا في “مصلحة البلد” لمرة واحدة؟
هل فكّر “الخبراء الإقتصاديون” الذين “يعجّ بهم البلد”.. في ما يخسره لبنان لأن المغترب يخشى من تحويل “مبالغ صغيرة” لأهله حتى لا يدفع عليها “خوّة” للمصارف مدموغة بـ”ختم البنك المركزي”؟
بالمناسبة، ٨ مليار دولار التي يحوّلها اللبنانيون كل سنة، تعادل أكثر ما يمكن لمجموعة “سيدر” أن تقدّمه للبنان! “صغار القوم” من اللبنانيين قوة ضاربة أفضل من الشحادة من دول أوروبا!
هل فكّر السيد رياض سلامة، الذي فاز بكل “جوائز العمل المصرفي في العالم”، في أن التراجع عن قرار “التحويل القسري لتحويلات المغتربين” سيدخِل إلى البلد نسبة كبيرة من “الدولارات” التي تنقصه؟ “المغترب” يحوّل دولارات إلى لبنان، ولا يسرق دولارات المقيمين!
الشفاف
*
اللبنانيون في الكويت يستخدمون المسافرين لإيصال أموالهم
-
- الكاتب:رضا السناري
انشغل يوسف، وهو مغترب لبناني في الكويت، أياماً عديدة بالوصول إلى أسماء المسافرين لبلده، لا ليوصلوا تحياته إلى أهله، أو لأحد جيرانه، بل ليرسل معهم دولارات.
والمفارقة هنا أن أول مسافر استطاع يوسف الوصول إليه، قبل طلبه على الفور، رغم عدم وجود سابق معرفة بينهما، وكأن الأمر بات معتاداً.
ومن هنا تبدأ قصة مغتربي لبنان، فمثل أي دولة تواجه تحديات في الحصول على العملة الصعبة، بدأ اللبنانيون في ابتكار أساليب فردية لإيصال أموالهم إلى بلادهم، وذلك لتفادي خسارتهم المحققة من التراجع الحاد في سعر صرف الليرة حال لجأوا إلى النظام المالي الرسمي، حيث في الحالة الأخيرة سيخسرون فارق سعر العملة المسجل بين السعر الرسمي والذي يقدمه الصرافون.
فنتيجة الفارق بين سعر الدولار في السوق الرسمي وفي السوق السوداء بما يقارب 25 في المئة، يفضل اللبنانيون عدم تحويل أموالهم عبر الشركات المختصة والاتجاه إلى السوق الموازية، حيث زاد الاعتماد في الفترة الأخيرة بشكل كبير على المسافرين، مع الأخذ بالاعتبار أنه وفقاً لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الأرهاب لا يسمح لكل راكب سوى بـ 10 آلاف دولار نقداً.
كما أنه مع تزايد القيود التي وضعتها البنوك اللبنانية للحد من سحوبات الدولار، والتي بدأت بالسماح بسحب 500 دولار أسبوعياً هبطت إلى 300 لاحقاً، لجأ الكثير من اللبنانيين إلى الاعتماد على المسافرين في توصيل تحويلاتهم الدولارية، ومن ثم تصريفها عند صرّافي بلادهم الذين يقدمون أسعار السوق السوداء، لأنهم وبكل بساطة إذا حوّلوا دولاراتهم من الكويت عبر السوق الرسمية فسيحصلون عليها ليرات في لبنان، وهنا تتعاظم الخسارة لأنهم سيحصلون على المبالغ المحولة لهم بناء على سعر الصرف الرسمي.
وفي الكويت، لا تفضل غالبية البنوك المحلية إجراء تحويلات إلى لبنان لمخاطرها، فتذبذب سعر صرف أي عملة أكثر ما يثير مخاوف المصارف، أما بالنسبة لشركات الصرافة فالتحويلات إلى لبنان لا تزال مستمرة، لكن من الواضح أنها تأتي لتغطية المصاريف الشخصية للمرسل إليهم أو إيفاءً بمستحق مالي ما.
وبحسب صرّافين، لوحظ في الفترة الأخيرة تراجع كبير في تحويلات اللبنانيين لبلادهم في الأشهر الأخيرة، حيث أفادوا بأن تحويلات اللبنانيين باتت منخفضة جداً قياساً بالسابق، ومبالغها أقل بكثير، خصوصاً منذ 17 أكتوبر الماضي، حيث بدأت التظاهرات تسود شوارع لبنان، مفيدين بأن المبالغ الكبيرة يتم تحويلها من الدينار إلى الدولار، تمهيداً لنقلها بعيداً عن شركات الصرافة والتحويلات النظامية.
ولفتوا إلى أنه منذ بداية أزمة لبنان يتم الجزء الأكبر من حركة الأموال، خصوصاً لجهة القيمة، خارج النظام المصرفي الرسمي، موضحين أن هذه السوق تكبر بدعم من اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي الذي يمكن أن يحصل عليه العميل من البنوك، والآخر الذي يمكن الحصول عليه عن طريق التحويلات غير الرسمية.
وفي لبنان، بات معلوماً أن هناك 3 أسعار لليرة، أقلها يحصل عليه العميل إذا قرر تحويل دولاراته في أحد البنوك النظامية، حيث يتم البيع بسعر صرف الدولة، أما أعلاها فيمكن تحصيله وبسهولة لدى الصرافين، والزيادة هنا تقارب 25 في المئة عن سعر الدولة، أما أوسطها ففي مطار بيروت كما تم تداوله أخيراً.
وإذا كان كثيرون يؤمنون بأن سعر صرف الدولار يخضع للعبة العرض والطلب، وفي المبدأ هذا أمر صحيح، إلا أن الواقع في لبنان، وأي دولة تواجه أزمة حادة في منسوب دولارها، يتخطى ذلك بأشواط، لأنه درجت العادة في مثل هذه الأحوال أن تنشأ سوق موازية لبيع وشراء العملات مقابل سوق رسمية يحاول مسؤولوها الحكوميون الدفاع عنها رغم النزيف.
وفي دولة مثل لبنان تشكل تحويلات المغتربين أحد المصادر المهمة لدخول الأموال الصعبة إلى البلاد، لا سيما في ظل تقلص مداخيلها السياحية، وتراجع الاستثمارات، حيث حل لبنان بـ 2018 في المركز الثاني إقليميّاً من حيث تحويلات اللبنانيين المغتربين والعاملين في الخارج، بحسب البنك الدولي، برصيد يقارب 8 مليارات دولار، بما يوازي نحو 14 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي.
ورغم تأثر الاقتصاد بالإرباك الذي يعيشه الوضع السياسي الداخلي، إلا أن ذلك ليس الهاجس الوحيد الذي يقلق اللبنانين، لا سيما المغتربين، أو الذين لديهم أقارب في الخارج، حيث أدى شح الدولار في البنوك اللبنانية أخيراً، إلى تراجع تحويلات المغتربين، للدرجة التي بات معها التحويل حسب الحاجة فقط، وليس للاستثمار أو الادخار مثل السابق.
واقتصادياً، ذلك يعني انخفاض الرساميل الوافدة إلى لبنان، ففكرة أن يقوم المغترب اللبناني بتحويل كل أو غالبية إيراداته كما في السابق لم تعد محل ترحيب، بل على العكس تماماً، أصبحت النصيحة الأكثر تداولاً الآن «احتفظ بغالبية أموالك لنفسك وليس للدفاع عن الليرة»، حيث خفّض غالبية اللبنانيين من حجم تحويلاتهم، ولم تعد إلا بما يوازي مصاريف اعتيادية، ومسائل طارئة، وفي حال لم يُتَح للمرسل أي مسافر، فإنه يضطر لإرسال مبالغه عبر شركات الصرافة مع تخفيض تحويله بما يواكب التغيرات التي قد تطرأ على سعر الصرف.
أما أن يقوم المغترب بتحويل مدخراته، أو إيراداته الشهرية بالكامل، أو حتى قرضه الذي كان يخطط لتوجيهه، للاستثمار في بلاده أو شراء بيت العمر، فهذا الأمر بات غير وارد تماماً. ففي الأزمات النقدية المعززة بخلافات سياسية حادة مثل التي تشهدها لبنان، تتعاظم مقولة «رأس المال جبان»، ومقابل ذلك يفضل الجميع الحفاظ على «الكاش»، لتزداد مع ذلك معاناة الاقتصاد المحلي الذي كان يستفيد في صموده سابقاً من التحويلات المالية من الخارج.